من المرجح أن يكون أنطونيو التقى بكليوباترا في شبابها عندما كان يخدم في الجيش تحت إمرة القائد الروماني جابينيوس عام 55 قبل الميلاد (بلوتارخ «حياة أنطونيو»: 3؛ جونز 2006: 95-96). إن لقاءهما الرسمي، عقب وفاة يوليوس قيصر، مشهور رغم أننا نعتمد بالكامل في روايته على أدلة من المصادر الأدبية التي كتبت بعد هذا الحدث ببعض الوقت. كتب أحد المؤلفين القدامى يقول: «لقد انبهر أنطونيو بشخصيتها، تماما مثلما انبهر بحسنها، وأسرته كما لو كان شابا صغيرا، رغم أنه كان في الأربعين من عمره. ويقال إنه كان دوما متأثرا بها على هذا النحو، وإنه وقع في حبها من النظرة الأولى منذ وقت طويل عندما كانت لا تزال فتاة صغيرة، وكان هو يعمل قائدا للخيالة تحت قيادة جابينيوس في الإسكندرية» (أبيان «الحروب الأهلية»، المجلد الخامس، الفصل الثامن؛ ترجمة ثاكري، طبعة لوب).
في الفصل الخامس والعشرين من كتاب «حياة أنطونيو» يقول بلوتارخ إن أسباب لقائها بمارك أنطونيو كانت من أجل الرد على اتهام بجمع المال من أجل جابينيوس ومساعدته ضد أعضاء الحكومة الثلاثية. وفي لقائهما الرسمي في مدينة طرسوس ظهرت كليوباترا بمظهر الربة في «سفينة مكسوة بالذهب ذات أشرعة أرجوانية بها مجدفين يجدفون بمجاديف فضية وعازفين يعزفون على مزامير بمصاحبة القيثارات.» ويستمر بلوتارخ (26) في وصفه لكليوباترا وهي تجلس متكئة تحت ظلة ذهبية مرتدية زي الإلهة الإغريقية أفروديت ومعها غلمان يرتدون زي كيوبيد في حين ارتدت وصيفاتها زي حوريات البحر، وآلهة الرياح وآلهة الخصوبة (جونز 2006: 99-103). ثم ينتقل بلوتارخ (27) إلى وصف المأدبة التي أقامها أنطونيو في المقابل. هكذا تمكن بلوتارخ من تصوير توازن في هذه العلاقة؛ فكليوباترا تتسم بالذكاء والجمال وهي المسيطرة، أما أنطونيو فهو جندي يطلب العشاء. ويتحول اللوم على سقوط أنطونيو، كما يراه الرومان، من أنطونيو نفسه بشخصيته الساذجة إلى كليوباترا التي تخطط وتدبر.
يقول يوسيفوس («آثار اليهود القديمة»، المجلد 13. 1. 324) ببساطة إن كليوباترا جعلت مارك أنطونيو «أسيرا لحبها». يتعارض هذا مع وصف بلوتارخ المطول في كتاب «حياة أنطونيو». تشيع فكرة خضوع أنطونيو لمفاتن كليوباترا من النظرة الأولى في جميع الكتابات القديمة (أبيان «الحروب الأهلية»، المجلد الخامس، الفصل الأول). علق أبيان قائلا: إن هذه العاطفة «جلبت الدمار عليهما وعلى مصر كلها أيضا»، وهو رأي قد يكون متأثرا بهويته المصرية، وإن كان سكندري المنشأ عاش في مصر تحت الحكم الروماني. يشير أبيان أيضا (المجلد الخامس، الفصل التاسع) إلى أنه بمجرد فوز كليوباترا بحب أنطونيو، استخدمت مكانتها في معاقبة أعدائها بما فيهم أختها أرسينوي الرابعة، التي نفيت إلى أفسس. (2) العلاقة مع مارك أنطونيو
توجد فكرتان رئيسيتان يهتم بهما الكتاب القدماء في موضوع أنطونيو وكليوباترا؛ أولا: العلاقة بينهما، وهنا ينظر إلى كليوباترا على أنها المسئولة عن سقوط هذا القائد الروماني. وتتمثل الفكرة الرئيسية الثانية في استخدام كليوباترا لسلطة أنطونيو السياسية من أجل الحصول على أراض أجنبية. حتى الآن يوجد أكثر وصف تفصيلي لعلاقة كليوباترا بمارك أنطونيو في كتاب بلوتارخ «حياة أنطونيو»، فتذكر عاطفة أنطونيو الجياشة تجاه كليوباترا (السمة التي تظهر دوما في المصادر الأدبية لإظهار نقاط ضعفه) في الفصول 32 و36 و37 من الكتاب. ويشير الفصل الثالث والثلاثون إلى التحذير المشئوم من العرافة المصرية لأنطونيو، وتهديد أوكتافيان، وربما يكون تكرار ذكر كليوباترا وعاطفة أنطونيو تجاهها على مدار الفصل الثالث والثلاثين لا يهدف إلا إلى التأكيد للقارئ على التهديد الحقيقي الذي كانت تمثله كليوباترا لهذا القائد، حتى إن بلوتارخ يقول إنه عندما لم تكن كليوباترا مع أنطونيو كان يتصرف كقائد قوي وكفء. وفي الفصل 51 عندما أجلت كليوباترا انضمامها مرة أخرى لأنطونيو في سوريا، يقال إن هذا القائد الروماني أسرف في شرب الخمر. وبمجرد وصول كليوباترا وزع أنطونيو على جنوده المال، مدعيا أنه هدية من الملكة، ويقال إن كليوباترا وزعت على الرجال ملابس من مالها.
توضح المصادر الرومانية فكرة تأثير كليوباترا ومصر على حصافة حكم أنطونيو ورجاحة عقله عبر سرد روايات عن اتباعه لتقاليد غير رومانية. استخدم ارتباط أنطونيو بديونيسوس بصفته تجسيدا جديدا لهذا الإله والتماثيل التي أمر بصنعها والتي صنعت له، في شرح فشله (بلوتارخ «حياة أنطونيو» 60). إن حقيقة كون بطليموس قيصر سجل ضمن قائمة المواطنين السكندريين الشباب وأنه حصل مع أنتيلوس على الرداء الروماني الأبيض الفضفاض تدعم هذه الفكرة (71). بالتأكيد من المستحيل معرفة ما إذا كانت هذه القصص قد لفقت من أجل تصوير شخصية كليوباترا كما يراها الرومان، إلا أن اختيار هذه الأحداث بالذات مثير للاهتمام.
توجد مقارنة مباشرة أيضا بين أنطونيو وغريمه أوكتافيان في المصادر الرومانية. فيعرض بلوتارخ، على سبيل المثال («حياة أنطونيو» 73)، نبذة مبسطة عن نفسية أوكتافيان، الذي يقال إنه كان يتمتع بالذكاء والدهاء، وعن كليوباترا التي كانت «مدركة لجمالها الشخصي وشديدة الفخر به». أما أنطونيو، من ناحية أخرى، فيصور على أنه غيور ولا يتصرف بعقلانية؛ فيضرب مبعوث أوكتافيان بسبب بقائه لوقت طويل مع كليوباترا، ثم يندم على أفعاله ويكتب خطاب اعتذار لعدوه. وفي الفصل نفسه نرى جانبا آخر من كليوباترا، فهي سيدة قد تفعل أي شيء من أجل تهدئة أنطونيو وطمأنته، فنراها تقيم حفلا فخما من أجل الاحتفال بعيد ميلاده. كذلك تظهر كليوباترا دوما أنها السبب في القرارات السيئة التي يتخذها أنطونيو في مؤلف يوسيفوس («الحرب اليهودية» 1، 12. 5. 243)، ويقول عنه إنه كان «عبدا لعاطفته تجاه كليوباترا». ويشكك أيضا في نزاهة الملكة نفسها («الحرب اليهودية» 1، 8. 4. 359-363). (3) نساء أخريات في حياة أنطونيو
كان أنطونيو متزوجا عندما التقى بكليوباترا، تماما مثل يوليوس قيصر. وفي كتاب أبيان («الحروب الأهلية» 5. 11) يظهر أن لكليوباترا تأثيرا مهدئا على أنطونيو، الذي يقال إنه «لم يكن يذهب إلا إلى المعابد والمدارس ومناقشات المتعلمين، ويقضي وقتا مع الإغريق احتراما لكليوباترا، التي كرس لها كامل إقامته المؤقتة في الإسكندرية» (ترجمة ثاكري، طبعة لوب). يذكر أبيان أيضا («الحروب الأهلية» 5. 19) سيدة أخرى مسيطرة في حياة أنطونيو؛ وهي زوجته فولفيا. كانت فولفيا ناشطة سياسيا، وعلى حد قول أبيان نفسه، سببت مشكلة كبيرة لمارك أنطونيو، فيتحدث في الجزء الثاني من الفصل 59 عن رد فعله تجاه وفاتها: «يبدو أن وفاة هذه السيدة المشاغبة، التي أثارت حربا كارثية بسبب غيرتها من كليوباترا، كانت حادثا سعيدا للغاية لكلا الطرفين اللذين أرادا التخلص منها. ومع ذلك، حزن أنطونيو كثيرا بهذه الواقعة لأنه اعتبر نفسه إلى حد ما السبب فيها» (ترجمة ثاكري، طبعة لوب). كتب أبيان في الفصل 66 أن مارك أنطونيو أعدم رجلا يدعى مانيوس لأنه أغضب فولفيا بسبب ذكره لعلاقة أنطونيو بكليوباترا. وفي الفصل 76 يرد ذكر أوكتافيا، أخت أوكتافيان، بصفتها زوجة أنطونيو الجديدة، ويقال إن أنطونيو قضى الشتاء مع زوجته الجديدة وإنه كان يحبها كثيرا، رغم أن أبيان يضيف: إن هذا يرجع إلى حبه الشديد للنساء.
في كتاب بلوتارخ «حياة أنطونيو» تذكر كليوباترا لأول مرة في الفصل العاشر، حيث كتب بلوتارخ يقول: «... إن كليوباترا تدين لفولفيا بتعليم أنطونيو إطاعة زوجته؛ فعندما التقت به كليوباترا كان مروضا بالفعل وتعلم تقبل سيطرة النساء» (ترجمة سكوت- كيلفرت 1965). لا يقابل القارئ الملكة مرة أخرى إلا في الفصل 25، عندما «تدخل» حياة مارك أنطونيو في القصة، فتوصف في هذا الموضع على أنها تمثل «أكبر ضرر بجمالها الأخاذ». وكما ذكرنا، يشكل نمط حياة أنطونيو وكليوباترا الفاسد جزءا من كتاب «حياة أنطونيو» لبلوتارخ (28). وفي تناقض واضح يشار إلى زوجة أنطونيو فولفيا؛ إذ يذكر بلوتارخ صراعها مع أوكتافيان، وهكذا ينقلنا من العالم الخيالي العابث حيث المآدب وتمثيل المسرحيات كي يذكرنا بالحقيقة القاسية للحرب. وصف بلوتارخ، في أواخر الفصل 30 كيف أن فولفيا فقدت حياتها وهي تحارب من أجل قضية أنطونيو. وفي الفصل 31 يذكر زواج أنطونيو من أوكتافيا، أخت أوكتافيان، ويعرف القارئ أيضا أن أنطونيو لم ينكر علاقته بكليوباترا لكنه لم يعترف أنها زوجته. وفي أواخر الفصل 53 عندما أصبحت العلاقة بين أنطونيو وكليوباترا في أوجها، تظهر أوكتافيا في احترامها ونكرانها لذاتها على أنها النقيض لأنانية كليوباترا، التي شعرت بالتهديد من زوجة أنطونيو الجديدة، كما ذكر في الكتاب. وورد أيضا أن كليوباترا تظاهرت بأنها غارقة في حب أنطونيو حتى تثنيه عن تركها. وتمثل ولاء أوكتافيا في رفضها ترك أنطونيو وناشدت أخاها بعدم شن حرب على زوجها الذي ضل طريقه (الفصل 54). اعتنت أوكتافيا بأطفال أنطونيو من زوجته السابقة فولفيا، وستعتني بعد انتحاره هو وكليوباترا بأطفالهما.
في الفصل 69 من كتاب سويتونيوس «أغسطس المؤله» تذكر كليوباترا في مجموعة من الأسئلة الافتراضية التي طرحها مارك أنطونيو دفاعا عن علاقته غير الشرعية معها يزعم فيها أنه كتب يقول: «ما الذي يزعجك؟ أن لدي مكانة عند الملكة؟ هل هي زوجتي؟ هل بدأ هذا للتو أم أن الأمر مستمر من تسع سنوات؟» (إدواردز 2000).
يذكر أثينوس («مأدبة الحكماء» 4. 29) أنه يقال إن كليوباترا تزوجت مارك أنطونيو في قيليقية. يذكر أيضا يوسيفوس أنطونيو على أنه زوجها في «ردا على أبيون» (69). قال بعض الكتاب في العصر الحديث: إن الزواج حدث في أثناء احتفالات عطايا الإسكندرية عام 34 قبل الميلاد (هولبل 2001: 244). وإذا كان الزواج قد حدث بالفعل فإن القانون الروماني لم يقره لأن أنطونيو كان ما يزال متزوجا من أوكتافيا. طلق أنطونيو أوكتافيا في عام 32 قبل الميلاد، وعقب هذا بوقت قصير أعلن أوكتافيان الحرب (بلوتارخ «حياة أنطونيو » 57. 4-5).
अज्ञात पृष्ठ