كانت الإسكندرية العاصمة الإدارية كما كانت مقر الإقامة الملكي في أغلب فترة حكم البطالمة. تعتبر هذه المدينة عادة العاصمة الثقافية لمصر، لكن هذا ينطبق فقط على الثقافة الإغريقية. مولت الأسرة الحاكمة مؤسسة أطلق عليها اسم الموسيون، أو ضريح الربات، ومنه اشتقت كلمة متحف بالإنجليزية
museum . كان الموسيون الإغريقي أقرب شبها بمركز بحثي خاص يهدف إلى تمجيد رعاته. كان مانتيون أحد المصريين القلائل الذين حصلوا على رعاية من البيت الملكي، ويستشهد به عادة كمثال على رغبة الحكام الأوائل في تدعيم الثقافة الوطنية (فريزر 1972: 505-511). يبدو أن الباحثين المتخصصين في الدراسات الكلاسيكية في عصرنا الحالي يغفلون أنه أمام هذا المركز الواحد للثقافة الإغريقية كانت تقام مئات المعابد المصرية التي تروج للثقافة واللغة والمعرفة العلمية المصرية. تمثل العصر الذهبي للموسيون في القرن الثالث قبل الميلاد. يذكر الباحثون عادة المشكلات السياسية، الداخلية والخارجية، على أنها السبب في انهيار هذه المؤسسة العلمية.
رغم ذلك أظهرت دراسة للبقايا الأثرية والأدلة المادية على رعاية البطالمة لهذه المؤسسة على مدار حكمهم، أن اهتمامات الحكام في مصر تحولت إلى الظهور بمظهر الفراعنة المصريين بدلا من الملوك الهلنستيين (أشتون 2003ب: 213-224). هذا ويصعب تحديد إذا كان الحكام يفضلون فعليا هويتهم المصرية أم كانت هذه الخطوة تهدف في الأساس إلى كسب دعم الكهنوت المصري لهم. ونظرا لاتسام كثير من حكام القرن الثاني قبل الميلاد بحب المظاهر، يمكننا أن نرى بسهولة السبب في اختيارهم إظهار أنفسهم على أنهم ملوك مصريون بدلا من اعتبارهم ملوكا هلنستيين. على الرغم من ذلك، فإن موقفهم تجاه فرض الضرائب كان مختلفا إلى حد بعيد؛ إذ طبق البطالمة نظاما اقتصاديا يقوم على استخدام العملات النقدية. كما اتبع الحكام سياسة التخلص التدريجي من الاستقلال الاقتصادي للمعابد. كانت المخصصات تصرف لكن المعابد كانت تعتمد على كرم الشخصيات الحاكمة.
كان الكهنة المصريون يمثلون النظير المحلي للإغريق الإسكندريين. وفي سياق الديانة المصرية أقر الكهنة بشرعية حكم البطالمة وقدموا سبلا يمكن من خلالها الترويج للحكام. يقول هولبل (2001: 280-289) إن درجة حسن العلاقة بين الحاكم والكهنة كانت تعتمد على استعداد كل منهما لأداء دوره المطلوب. ومع ذلك كان الكهنة في حاجة إلى ملك (ليس بالضرورة من البطالمة)؛ فبدون حاكم لا يمكن للنظام الديني المصري أن يؤدي وظيفته. كانت المعابد تعتمد أيضا على البيت الملكي في جزء كبير من عائدها، إما عن طريق الإعفاءات الضريبية أو من خلال تمويل أعمال البناء والعبادات، التي كانت تتيح عددا من الوظائف. ومثلما كانت الإدارة الإغريقية تحصل على امتيازات من الملك (صامويل 1993: 179)، كان الكهنة المصريون يحصلون على امتيازات أيضا. كان الحكام يزورون المعابد باستمرار؛ فوفقا لنص الإهداء الموجود في معبد حورس في إدفو، زار بطليموس الثامن وكليوباترا الثانية الموقع فعليا (هولبل 2001: 280).
تظهر المعابد التي أهداها الحكام الأربعة الأوائل في الإسكندرية وممفيس استعدادا من الحكام ووعيا لتدعيم التبادل الثقافي المشترك بين الثقافتين الإغريقية والمصرية. في الإسكندرية أنشأ الحكام معبدا إغريقيا للإلهين المصريين أوزوريس وأبيس وجمعا الاثنين في اسم أوزارأبيس، الذي تمثل رمز عبادته في ثور أبيس المتوفى في ممفيس. أما النسخة الإغريقية من هذا الإله فقد حصلت على تمثال للعبادة على الطراز الإغريقي وارتبطت ارتباطا وثيقا بالبيت الملكي (أشتون 2004أ: 21-25). أما في ممفيس، التي كانت مقر إقامة العائلة الملكية في الجزء الأول من حكم بطليموس الأول؛ فقد حافظ الحكام على علاقة وطيدة بالكهنة وتوج كثير منهم هناك. في أوائل العصر البطلمي أهدى الحكام نصبا تذكاريا منحوتا على طراز نصب النصر التذكارية الهلنستية في ذلك الموقع (أشتون 2003د: 10-14). للوهلة الأولى تبدو التماثيل على الطراز الإغريقي للفلاسفة وكتاب المسرحيات والشعراء إضافة لا تليق بمعبد مصري تقليدي وتعبر عن عدم احترام. ومع ذلك، قيل إن هذه التماثيل تجسد العلماء الإغريق الذين قضوا وقتا في مصر؛ ومن ثم تضفي صبغة شرعية على وضع الحكام الإغريق الجدد في التاريخ المصري. (2) الإسكندرية عاصمة لحكم كليوباترا: البقايا الأثرية
اختلفت الإسكندرية في أثناء حكم كليوباترا السابعة تماما عما كانت عليه في عهد حكام البطالمة الأوائل. يقول الجغرافي سترابو، الذي زار المدينة بعد وفاة كليوباترا مباشرة، إن حدودها توسعت نحو الشرق. يعجز الباحثون في العصر الحالي عن أن يفهموا بالكامل مدى هذا التوسع؛ فلا بد أن معبد إيزيس، الذي يرجع تاريخه إلى عهد كليوباترا، كان موجودا في موقع رئيسي. ولا بد أن بناءه كان يمثل أكبر مشروع بناء على الإطلاق في فترة حكم الملكة، وعلى عكس كثير من المعابد الأخرى الأبعد جهة الجنوب، يبدو أن معبد إيزيس في الإسكندرية بدأ يستخدم في أثناء حكمها واستمر استخدامه طوال فترة حكم الرومان. يعتبر الجزآن العلويان المتبقيان من التمثال المزدوج الضخم لكليوباترا وابنها، الذي أهدي في الموقع، دليلا على مدى ضخامة للبناء. إن تمثال كليوباترا في صورة إيزيس هو أحد التماثيل المميزة الباقية من فترة حكمها (شكل
4-19 ). كان هذا المعبد مختلفا تماما عن المعبد المخصص ليوليوس قيصر، القيصروم، الذي يقع بالقرب من وسط العاصمة البطلمية القديمة.
شكل 5-1: تمثال من الرخام لكليوباترا السابعة في صورة إيزيس، عثر عليه في معبد إيزيس في روما. أرشيف صور متاحف كابيتوليني.
بدأ العمل في معبد يوليوس قيصر في عهد كليوباترا السابعة لكنها تركته غير مكتمل وقت وفاتها. اهتم أغسطس ، الذي اختاره القيصر ليكون خليفة له، تلقائيا باستكمال المشروع. وبفضل الوصف المفصل للمعبد في منتصف القرن الأول قبل الميلاد، وأعمال التنقيب في الموقع في عامي 1992و1993، أصبحنا نعرف قدرا كبيرا من المعلومات حول الشكل النهائي لهذا المعبد (أمبرور 2002: 112-123). وقبل أعمال أغسطس البنائية، كان المعبد المهدى إلى يوليوس قيصر المؤله يضم مقاما أو مذبحا مخصصا لمارك أنطونيو (أمبرور 2002: 112). وصف فيلون السكندري هذا المعبد الروماني كالتالي: «لا توجد في أي مكان آخر ساحة مثل التي يطلق عليها السباستيوم، وهو عبارة عن معبد للقيصر (أغسطس)، راعي البحارة، يوجد على مكان مرتفع من الأرض في مواجهة المرافئ ... يتكون من فناء ضخم مزين بأروقة معمدة ومكتبات وقاعات لإقامة الولائم وبساتين وبوابات على الطراز الإغريقي ومحاكم واسعة وغرف مفتوحة.» جلب أغسطس أيضا مسلتين من هليوبوليس، من معبد مهجور يقع بالقرب من مطار القاهرة الحديث (هاباتشي 1987: 152-182)، تعرف حاليا باسم مسلات كليوباترا. توجد حاليا المسلات التي تعود إلى عهد تحتمس الثالث على ضفاف نهر التيمز في لندن وفي حديقة سنترال بارك في نيويورك.
تشير أعمال التنقيب (أمبرور 2002: 115-117) إلى أن المعبد ظل يستخدم كدار للعبادة مخصصة للديانة الملكية في أواخر القرن الثاني الميلادي. وفي القرن الرابع الميلادي أصبح موقعا لكاتدرائية مسيحية (أمبرور 2002: 116-117). ربما ما زال في وسع هذا الموقع الضخم منحنا المزيد من المعلومات حول وقت تطوير وهدم المباني الموجودة في هذه المنطقة من المدينة وكيفية حدوث ذلك.
अज्ञात पृष्ठ