كليوباترا: الحاكمة، الفرعون، الوصية على العرش
(1) نماذج نسائية
علينا التمييز بين النساء اللاتي حكمن مصر، مثل كليوباترا السابعة، والنساء اللاتي كن يتمتعن بسلطة وتأثير من موقعهن كزوجات ملكيات. في بدايات المجتمع المصري كان الملك يتخذ كثيرا من الزوجات، وتصبح إحداهن هي الزوجة الرئيسية للملك (أشتون 2003أ: 1-2). يوجد دور آخر مهم وهو دور والدة الملك. ظهر من هذين الموقعين، في أوقات معينة، نساء يتمتعن بسلطة كبيرة سجلت مكانتهن العالية في المنحوتات والرسومات البارزة في المعابد. ورغم ذلك، ظلت الغالبية العظمى من النساء في الأسر الحاكمة مجهولات الهوية. وحتى عندما كانت النساء في الأسر الحاكمة تحظى بدور بارز أو بشكل معين يميزهن عن الأخريات، كانت ألقابهن ترتبط بالملك؛ فلا يوجد مصطلح واحد منفصل في اللغة المصرية يعني الملكة. وكانت النساء في الأسرة الحاكمة يتخذن ألقابا ترتبط بالحاكم الذكر، مثل «الزوجة الملكية العظيمة/للملك» و«والدة الملك» و«أخت الملك». وكما أشرنا، فإن كليوباترا نفسها كان تلقب بالألقاب المسجلة على تاج عثر عليه في مدينة قفط (شكل
3-12 ). وبدءا من المملكة المصرية الحديثة كانت ألقاب السيدات ذوات الدور الرئيسي في الأسر الحاكمة ترتبط عادة بأحد الآلهة (تروي 1986)؛ ومن ثم يحصلن على قدر من الاستقلال عن أزواجهن أو أبنائهن. لم تحظ النساء في الأسر الحاكمة بمكانة مرتفعة وسلطة كبيرة إلا في عصر أسرتين فقط: الثامنة عشرة، التي ظهرت منها حتشبسوت والملكة تي ونفرتيتي، والأسرة الخامسة والعشرين، عندما شغلت النساء في الأسرة الحاكمة أدوارا محددة.
كان ملوك مصر (الذين لقب بعضهم بلقب فرعون) دوما من الرجال. ومن بين الاستثناءات القليلة لهذه القاعدة كانت حتشبسوت، التي حصلت - رغم كونها امرأة - على لقب ملوك مصر الذكور وارتدت زيهم الرسمي (دورمان 2005: 87-90، تحرير رويهريج 2005: 164-173، رقم 88-171). كانت حتشبسوت ابنة الملك تحتمس الأول والأخت غير الشقيقة وزوجة خليفته تحتمس الثاني. يمكن تتبع وصولها لتصبح شريكة في الحكم بداية من دورها «كزوجة للإله»، ثم دورها كوصية على ابنه تحتمس الثالث، وأخيرا وصولها لتصبح شريكة في حكم مصر. ظلت في الحكم منذ نحو عام 1473 قبل الميلاد حتى 1458 قبل الميلاد. كان وضعها يشبه وضع بعض ملكات البطالمة ، مثل كليوباترا الثالثة وكليوباترا السابعة، اللاتي حكمن مع أبنائهن وكن هن المسيطرات على الحكم. أصبحت حتشبسوت فرعون مصر عن طريق دورها السياسي كزوجة للإله وأم للملك (دورمان 2005: 87). في أثناء السنوات الأولى من وصايتها على العرش كانت حتشبسوت تظهر على أنها سيدة من الأسرة الحاكمة؛ فقد كانت ترتدي دوما التاج ذا الريش الذي ترتديه زوجة الإله آمون (دورمان 2005: 87-88، الأشكال 37-38). وبعد سبع سنوات من وصايتها على تحتمس الثالث أعلنت حتشبسوت أنها ابنة الملك الأولى (دورمان 2005: 88)، وحولت مظهرها إلى مظهر الفراعنة الذكور (هايز 1957: 79-81). في ذلك الوقت قدمت حتشبسوت أسلوبا جديدا ومباشرا من أجل إضفاء الشرعية على حكمها.
إن وجود سيدات ذوات شأن على جدران معبد حتشبسوت الجنائزي أمر مثير للدهشة؛ فقد ظهرت والدة الحاكم في النقوش البارزة في المعبد (تحرير رويهريج 2005: 153، رقم 80). وتوجد صورة أخرى لحاكمة أخرى لدولة أجنبية تعرف باسم بنط؛ فتظهر بتشوه مبالغ فيه في جسدها، ويقال إن هذا الرسم ربما يعتبر رسما كاريكاتوريا لها أكثر من كونه تعبيرا عن شكلها الحقيقي (أشتون وسبانل 2000). يؤكد معبد حتشبسوت الجنائزي، في الدير البحري على الضفة الغربية من نهر النيل في طيبة، على الجوانب النسائية لدورها، خاصة في مقصورة حتحور (باتش 2005: 173-175). فتظهر في النقوش البارزة الموجودة في هذه المقصورة الحاكمة وهي جالسة تطعم هذه الإلهة التي تظهر في صورة بقرة بدلا من صورتها البشرية المعتادة. يوجد أيضا تصوير للحاكمة وهي حامل في مقصورة تحتمس (أرنولد 2005: 135-140). كانت حتشبسوت تحرص أيضا على تدعيم مكانة ابنتها؛ فقد أصبحت نفرو «زوجة الإله» مثلما فعلت والدتها من قبل. تظهر حتشبسوت، كما رأينا، في تماثيلها وفي النقوش البارزة الموجودة في المعابد وهي ترتدي زي ملوك مصر الذكور. ومع ذلك، تظهر ملامحها النسائية في وجود ثديين وثوب ترتديه تحت تنورتها يغطي جذعها، وفقا للتقاليد الفنية المصرية المعتادة. استخدمت الحاكمة أيضا شكلها الأنثوي في ألقابها (دورمان 2005: 88).
لاحقا أثناء حكم الأسرة الثامنة عشرة ظهرت سيدتان بارزتان في وقت واحد؛ هما تي زوجة أمنحوتب الثالث ووالدة الملك أمنحوتب الرابع/إخناتون، وزوجة ابنها نفرتيتي. تشبه هاتان السيدتان كثيرا ملكات أسرة البطالمة الحاكمة (أشتون 2003أ: 6-10) فيما يتعلق بالأدوار التي لعبتاها والصور التي اتخذتاها من أجل تمييزهما عن نساء الأسرة الحاكمة الأخريات. اكتسبت تي مكانة عندما حكمت بصفتها زوجة الملك. يفوق عدد التماثيل الموجودة لها وحدها أو مع زوجها كثيرا عدد تماثيل الزوجات في الأسر الحاكمة في الفترات السابقة. وبعد وفاة أمنحوتب الثالث يبدو أن تي استمرت في لعب دور مهيمن بصفتها أم الملك؛ مما سمح لنفرتيتي بالاضطلاع بدور الزوجة الملكية. يشبه وضعهما وضع ملكات البطالمة الأوليات، خاصة أرسينوي الثانية، التي اعتمدت مكانتها الإلهية وأهميتها على ارتباطها بأخيها بطليموس الثاني. أما ملكات البطالمة اللاتي ظهرن في وقت لاحق؛ فقد تجاوزن مرحلة التبعية هذه وحكمن بأنفسهن، وأحيانا كن يحظين بتفضيل الرعية مقارنة بنظرائهن المعاصرين من الرجال في الأسرة الحاكمة.
تعرضت السيدات الأخريات اللاتي حاولن الاستيلاء على السلطة إلى القمع على يد رجال الحاشية. أحد هذه الأمثلة كانت الزوجة الرئيسية في الأسرة التاسعة عشرة للملك سيتي الثاني (أشتون 2003: 13)، فمثل كثير من النساء الأخريات اللاتي كان طموحهن يفوق مكانتهن، عزلت الملكة توسرت ليحل محلها طفل صغير يكون التأثير عليه أسهل. تظهر هذه الواقعة حذرا فعليا شديدا من جانب أعضاء البلاط الملكي، فربما كان للمرأة مكانتها في المجتمع المصري، لكن يبدو أنها كانت تمثل تهديدا حقيقيا أكثر من كونها بديلا يسهل التحكم فيه للملك الذكر.
كان حكام الأسرة الخامسة والعشرين من الأجانب من مملكة كوش، ويطلق عليهم عادة الكوشيون. تقع مملكة كوش في النوبة وطالما كانت تعتبر عدوة لمصر؛ لذلك يظهر في مشاهد الضرب عادة ملك مصر وهو يسحق أعداء الدولة، ويكون أحدهم أفريقيا أسمر اللون يمثل أهل النوبة (وهي ثقافة تمتاز بلغتها المشتركة المختلفة عن لغة المنطقة، وتتمثل حاليا في جنوب مصر والسودان). حكم الكوشيون بصفتهم فراعنة أجانب نحو 400 عام قبل البطالمة. ويبدو أن الكوشيين كان لديهم، مثل الحكام البطالمة، اهتمام حقيقي بالثقافة المصرية وبالترويج لأنفسهم على أنهم ملوك لمصر بالأسلوب التقليدي.
يمكن العثور على أوجه تشابه بين إضفاء السمات الأفريقية على تماثيل الملوك الكوشيين وإضفاء الطابع الإغريقي على «صور» تماثيل الحكام البطالمة (أشتون 2001أ: 25-36). حصلت نساء الأسرة الحاكمة في تلك الفترة أيضا على مناصب دينية وسياسية مهمة وذات سيادة؛ ومن ثم يوجد تشابه منطقي بينهن وبين ملكات البطالمة. ومن هذه الأسرة الحاكمة يجدر بنا ذكر أمنريدس الأولى، أخت الحاكم بيا (747-716 قبل الميلاد) وعمة خليفته. حصلت أمنريدس، مثل كثير من السيدات البارزات قبلها، على دور «زوجة الإله آمون»، الذي تصبح بموجبه السيدة من الأسرة الحاكمة زوجة مقدسة لإله طيبة. ونظرا لكونها زوجة آمون، حصلت أمنريدس على مكافآت مالية وتبعتها سلطة سياسية. وتماما مثل حتشبسوت من قبلها، يعتقد أن أمنريدس اختارت خليفتها، ابنة أخيها شبنويبت، بصفتها «زوجة الإله آمون» (تحرير ماركو وكابيل 1997: 115-116، رقم 48). تظهر زوجات الآلهة في المقصورة المرتبطة بطقوسهم الجنائزية في معبد مدينة هابو (شكل
अज्ञात पृष्ठ