وعجبت أن يستأثر الرجل وحده بهذه الأنفة، ويلتمس لنفسه في هذا الباب ما ينكر على المرأة أن تستنكره، كأن هذه المرأة عجماء لا تبالي من صاحبها إلا العلف، ولو انتهى بها إلى التلف؛ وكأن كل امرأة إنما هي اسم على جسم؛ فليس على الرجل إلا أن يختار اسما ثم يثبته في وثيقة الزواج بعد أن يساوم عليه، أو كأن المرأة بلغت من الجفاء وضعف التمييز بحيث لا تأبى أن تتخذ أعواد فرشها من أعواد نعشها، وأن نقيم لها قبرا في البيت، وتنظر كل صباح في وجه ميت، وإلا فكم من فتاة كالقمر أخفاها نهار المشيب! وكم من عروس للحب زفت إلى غير حبيب! وكم من وجه صبيح يقبله ثغر قبيح! وكم من كعاب سال عليها اللعاب! وكم من حسن هو رمز الحياة قرن به الموت رمزه! وكم من قد أهيف كالألف لا يرى إلا شيخا أعجف كالهمزة!
وهنا انتبهت «لويز» إلى زوجها المتهدم الذي هو همزة القطع، وإلى تصابيه المضحك وحماقته العمياء وحبه الأخرق؛ فانتفضت من الغيظ وكاد بعضها يحطم بعضا، وجعلت خواطرها تنبض في رأسها كلمح البرق، وأخذت تلتمس الوسيلة لرد هذا البلاء عنها أو مدافعته، بيد أنها كلما ابتدأت فكرا انتهى بها إلى قولها: ما عسى أن أصنع؟!
هي لا تفكر إلا فيما ينبغي أن تصنعه، ولكن الفكر يفضي بها إلى هذا السؤال بعينه، فكأنها من الهم والحيرة منعزلة عن نفسها، وقد نفر منها فكرها وقلبها وحظها جميعا، ولم يبق معها إلا روحها المعذبة، وهي كذلك بينها وبين زوجها وبين القدر!
ولبثت زمنا لا تجد من رأيها إلا قطعا وأشلاء، حتى لمحت من نافذة القصر مركبة تدرج في الطريق، ورأت سوط الحوذي يتلقى الأمر منه إلى الجوادين، فلا ينزل عليهما إلا انطلقا ملء العنان، كأنما يحاولان الهرب منه ولا يعلمان أنهما يهربان به؛ فرثت المسكينة للبهيمتين، ثم كأنما حشرت لها كل مركبة على الأرض في صعيد واحد، فلم تذكر أنها رأت قط سائقا ليس في يده سوط ما دام بين يديه حيوان!
وظلت واجمة عند هذا الخاطر هنية؛ لأنها ما برحت تتلقى من ضربات القدر وهي تعدو في الحياة عدوا فيه من السرعة بمقدار ما في هذه اللذعات من الألم! ثم قالت: ترى أي حيوان في مسلاخ
43
هذا الهرم؟ وما كذبت أن قلبت الخاطر على وجهه الآخر، فتناولت السوط، واستوت على مركبة الأقدار، ولم يبق أمام عينيها إلا سبيل الحياة وظهر الكونت!
وكذلك فاءت من غضبها إلى رضا أقبح من الغضب، ورأت أن هذا الشيخ المأفون الذي يتطاوع
44
للصبي وقد جاوز السبعين وهلك في الدهر، ثم لا يستحي أن يجعلها مثلة على أعين الناس، وأن يكون لها مخزية ولا كالمخزيات، جدير به أن يجد منها كفاء ما وجدت منه، وجدير بها أن تبدله من شهر العسل شهرا هو أحق به وأهله، وهو على ذلك أقرب الأشياء من العسل؛ لأنه ... «شهر النحل»!
अज्ञात पृष्ठ