وسألت عن قول الله سبحانه: لا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيرا لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين، وقد نهاهم جل جلاله عنه، فالإملا منه الإبقا وتأخير العذاب والنقم فيما ارتكبوا من الجرم كله وعنه، وبما تولا الله عنه أتوا من الإثم والإساءة ما أتوا وعصوا الله بما عصوا فاعلم أن الإملاء نعمة من الله وإحسان وازدياد الإثم منهم فإساءة وعصيان فمن الله سبحانه الإملا، ومنهم الاعتداء وتأخيره سبحانه لإنزال العذاب بهم إنما هو ليزدادوا إثما بكسبهم ليس لما يحبون من سرورهم ولا لما يريدون من أمورهم ولكن ليزدادوا بالبقاء والإملا إثما ولأنفسهم بما تركوا من البر ظلما وإن كان ما تركوا من الهدى وإن لم يفعلوه ممكنا كان ما تركوا من الهدى في نفسه حسنا ولهم لو صاروا إليه ولن يصيروا منجيا وكان كلهم لو أتاه بإتيانه له مهتديا فالإملا والإبقاء هو من فعل الله بهم وازدياد الإثم فهو من كسبهم هم وفعلهم وما يمكن من الإملا من الأمور فسوا في الممكنة من البر والفجور فلما آثروا هواهم على ما يمكنهم من هداهم جاز أن يقال أملوا ليزدادوا برا وهدى.
ومثل ليزدادوا إثما هو قول الله تبارك وتعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، وهم وإن خلقهم الله ليعبدوه فيحتملون لغير العبادة إن أرادوه والعبادة لله وخلافها إنما هو فعل منهم إذا فعلوه نسب إليهم ولم يزل عنهم، وكل ذلك فعل لهم وصنع والله هو الصانع لهم المبتدع ففعل الله بري من فعلهم فيما كان من الإملا لهم فعل الله تأخير وإملا وفعلهم ازدياد واعتدا وبين ذلك فرق لا يجهله إلا أحمق.
पृष्ठ 23