Kitab al-Buldan
البلدان لليعقوبي
प्रकाशक
دار الكتب العلمية
संस्करण संख्या
الأولى
प्रकाशन वर्ष
١٤٢٢ هـ
प्रकाशक स्थान
بيروت
शैलियों
أحمد بن أبي يعقوب إسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح، الكاتب الأصفهاني الأخباري الشهير باليعقوبي، وبابن الواضح، كان بحّاثة في التأريخ وأخبار البلدان في العصر العباسي الثاني. ولقد قيل فيه أنه يمكن عدّه معلمًا جغرافيًا للمسلمين وقيل أن الكثير من علماء الجغرافيا التالين لعصره أمثال ابن رستة وابن الفقيه والمسعودي الإصطخري وابن حوقل والمقدسي وغيرهم كانوا يعتبرونه أستاذًا لهم.
كان جده واضح من موالي المنصور الدوانيقي الخليفة العباسي وصالح بن منصور ولذا اشتهرت أسرته بالعباسي
كان جده وأبوه من عمّال الحكومة ولكن لا يعلم أنه كان له موقع حكومي أم لا، بيد أنه يمكن فرض ذلك من خلال رحلاته المتكررة.
ولد اليعقوبي في بغداد وعاش فيها ثم هاجر إلى بلاد فارس وأطال المقام في بلاد أرمينية وكان فيها سنة ٢٦٠ هـ، ودخل الهند أيضًا والأقطار العربية، فالشام فالمغرب إلى الأندلس، وحظي في مصر والمغرب باهتمام الدولة الطولونية.
لا يعلم تاريخ ولادته وأما وفاته فيبدو أنها كانت في سنة ٢٨٤ هـ.
آثاره
له تأليفات عدة منها: كتاب في فتوحات وإنجازات طاهر بن الحسن، جغرافيا الإمبراطورية البيزنطية، تاريخ فتوحات أفريقيا، أخبار الأمم السالفة، المسالك والممالك، ملوك الروم، مشاكلة الناس لزمانهم، تاريخ اليعقوبي، البلدان.
अज्ञात पृष्ठ
المقدمة
بسم الله الرّحمن الرّحيم إن من أمتع الكتب قراءة وفائدة تلك الكتب التي تحكي تاريخ البلدان، والمدن ونشأتها، وأسباب تسميتها، وعادات أهلها، وتقاليدهم، ولا سيما أن كثيرا منها ما زال حتى أيامنا هذه.
إن كتاب «البلدان» للمؤرخ الرحالة أحمد بن أبي يعقوب الشهير باليعقوبي غني جدا بسعة آفاقه وإطلالته التاريخية على أسباب نشوء وتسمية البلدان، والمدن، والأمم وتاريخها.
والجدير ذكره أن اليعقوبي في هذا الكتاب يذكر مشاهداته في تلك البلدان والمدن، ويذكر أيضا سؤاله أهلها عن بعض أمور فيها، ثم يورد رأيه فيما سمعه منهم هل كان منطقيا مقنعا أم هو محض خرافة تناقلها أهل ذلك المصر.
وفي معرض حديثه يعلّق على ذلك مشيرا إلى بعد رواية أهل ذلك الزمان عن المنطق والعقل.
وذكر من فتح البلاد من الخلفاء والأمراء ومبلغ خراجها، فلم يدع صغيرة ولا كبيرة وقف عليها إلا وأحصاها في الكتاب، فجاء مصنفه «كتاب البلدان» أقدم مصدر جغرافي، وأوثقه لما تحمّله في تأليفه من جهد وعناء وعناية وحسن بلاء.
ولكن مهما يكن الأمر فقد جاء كتاب «البلدان» كتابا ممتعا، تاريخيا، وجغرافيا على يد رحالة عالم بالأسفار وبأخبار الأمم السالفة.
محمد أمين الضناوي
1 / 3
ترجمة المؤلف «١»
هو أحمد بن أبي يعقوب إسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح الكاتب الأصبهاني الإخباري الشهير باليعقوبي، وبابن الواضح، وكان يقال له: مولى بني العباس، ومولى بني هاشم، لأنّ جده كان من موالي المنصور الدوانيقي الخليفة العباسي، وكان هو بحّاثة في التأريخ، وأخبار البلدان، ولقد أعطى التنقيب حقّه في سياحته في البلاد شرقا وغربا، ودخل بلاد فارس وأطال المقام في بلاد أرمينية وكان فيها سنة ٢٦٠ [هـ]، ودخل الهند أيضا والأقطار العربية، فالشام فالمغرب إلى الأندلس، وأغرق نزعا في البحث فطفق يسائل أهل الأمصار عنها وعنهم، وعن عاداتهم، ونحلهم، وحكوماتهم، وعن المسافات بين البلاد، فإذا وثق بنقلهم أثبته في كتابه.
وذكر من فتح البلاد من الخلفاء والأمراء ومبلغ خراجها، فلم يدع صغيرة ولا كبيرة وقف عليها إلا وأحصاها في الكتاب، فجاء مصنفه «كتاب البلدان» أقدم مصدر جغرافي، وأوثقه لما تحمّله في تأليفه من جهد وعناء وعناية وحسن بلاء.
وكان نبوغه في القرن الثالث لأنه كان حيا سنة ٢٩٢ هـ، ففي ليلة عيد الفطر منها تذكّر ما كان عليه بنو طولون في مثل هذه الليلة من بلهنية «٢» العيش، والنعيم الرغيد، والوفر السابغ ورثاهم بأبيات مطلعها: [الكامل]
إن كنت تسأل عن جلالة ملكهم ... فارتع وعج «٣» بمراتع الميدان
إذا فلا يكاد يصح ما في معجم الأدباء عن أبي عمر محمد بن يوسف بن يعقوب المصري في تأريخه من أن اليعقوبي توفي سنة ٢٨٤ [هـ]، ولا ما ذكره الزركلي في
1 / 5
الأعلام من أن وفاته كانت سنة ٢٧٨ [هـ]، وكأنّه تبع جرجي زيدان الذي صدّر ترجمته بهذا التأريخ، لكنه يقول في أثنائها في تأريخ آداب اللغة العربية «١»: «ولكن يؤخذ من سياق كتبه أنه توفي بعد سنة ٢٧٨ [هـ]» .
والمترجم له من معاصري أبي حنيفة الدينوري «٢» المتوفى سنة ٢٨٢ [هـ]؛ كما وأنه صحبه سعيد الطبيب «٣»، وأن حفيده محمد بن أحمد بن خليل التميمي المقدسي ابن سعيد المذكور يروي في كتابه «جيب العروس وريحان النفوس» عن اليعقوبي بواسطة أبيه أحمد وجده خليل.
آثاره
ذكر ياقوت الحموي «٤» في معجم الأدباء من آثار المترجم له التأريخ الكبير الذي
1 / 6
نشره المستشرق هو تسما في ليدن سنة ١٨٨٣ [م]، في مجلدين الأول: «في التأريخ القديم على العموم من آدم فما بعده إلى ظهور الإسلام»، وتدخل فيه أخبار الإسرائيليين، والسريان، والهنود، واليونان، والرومان، والفرس، والنوبة، والبجة، والزنج، والحميريين، والغساسنة، والمناذرة.
والثاني: «في تأريخ الإسلام وينتهي في زمن المعتمد على الله الخامس عشر من خلفاء بني العباس» أي إلى سنة ٢٥٩ [هـ]، وقد رتبه حسب الخلفاء، ومن المزايا التي يمتاز بها عن سائر التواريخ العامة فضلا عن قدمه أن مؤلفه يأتي فيه بلباب التأريخ، ويتحرّى القضايا الصادقة مما لا يلتزم به إلا المؤرخ المتصف، فيملي عليك الوقايع والحوادث الصحيحة حتى كأنك شاهدتها بنفسك ورأيتها بعينك ببيان سلس وأسلوب جذّاب.
ومن آثاره أيضا «كتاب البلدان» في الجغرافية وهو هذا الكتاب الذي نزفه إلى القراء الكرام، وكان قد طبع أولا في ليدن سنة ١٨٦١ [م] بعناية المستشرق «جونبول»، وطبع أيضا في جملة المكتبة الجغرافية الذي طبع فيها ثمانية مجلدات من كتب الجغرافية العربية بعناية المستشرق «ديغويه» وقد أوقفناك على أهمية الكتاب وعناء صاحبه به ومقدار الثقة به.
ومن آثاره أيضا كتاب في «أخبار الأمم السالفة» صغير، وكتاب «مشاكلة الناس لزمانهم»، هذه الكتب الأربعة هي التي ذكرها ياقوت الحموي في المعجم، ويظهر من آخر النسخة المطبوعة من «كتاب البلدان» أن له كتابا آخر أسماه بكتاب «الممالك والمسالك»، وكان المترجم له شاعرا ونبوغه قبل الطبري، والمسعودي، ومن بديع شعره قوله يصف سمرقند «١»: [المنسرح]
1 / 7
علت سمرقند أن يقال لها ... زين خراسان جنة الكور
أليس أبراجها معلقة ... بحيث لا تستبين للنظر
ودون أبراجها خنادقها ... عميقة ما ترام من ثغر
فكأنها وهي وسط حائطها ... محفوفة بالظلال والشجر
فبدر وأنهارها المجرة وال ... آطام مثل الكواكب الزهر
1 / 8
بسم الله الرّحمن الرّحيم
[خطبة الكتاب]
الحمد لله الذي افتتح بالحمد كتابه، وجعل الحمد كفاء لنعمه، وآخر دعاء أهل جنته، خالق السماوات العلى والأرضين السفلى، وما بينهما وما تحت الثرى، العالم بما خلق قبل كونه، والمدبر لما أحدث على غير مثال من غيره، أحاط بكل شيء علما وأحصاه عددا، له الملك والسلطان والعزة وهو على كل شيء قدير وصلى الله على محمد النبي وعلى آله وسلم.
قال أحمد بن أبي يعقوب: إني عنيت في عنفوان شبابي، وعند احتيال سني، وحدّة ذهني بعلم أخبار البلدان، ومسافة ما بين كل بلد وبلد، لأني سافرت حديث السن، واتصلت أسفاري، ودام تغربي، فكنت متى لقيت رجلا من تلك البلدان سألته عن وطنه ومصره، فإذا ذكر لي محل داره وموضع قراره، سألته عن بلده ذلك في ...
لدته «١» ما هي؟ وزرعه ما هو؟ وساكنيه من هم من عرب أو عجم؟ ... شرب أهله حتى أسأل عن لباسهم ... ودياناتهم ومقالاتهم والغالبين عليه والمنرا «٢» ... مسافة ذلك البلد، وما يقرب منه من البلدان.. والرواحل، ثم أثبتّ كل ما يخبرني به من أثق بصدقه، وأستظهر بمسألة قوم بعد قوم، حتى سألت خلقا كثيرا، وعالما من الناس في الموسم وغير الموسم، من أهل المشرق والمغرب، وكتبت أخبارهم، ورويت أحاديثهم، وذكرت من فتح بلدا بلدا، وجنّد مصرا مصرا «٣» من الخلفاء والأمراء، ومبلغ خراجه وما يرتفع من أمواله، فلم أزل أكتب هذه الأخبار وأؤلّف هذا الكتاب دهرا طويلا، وأضيف كل خبر إلى بلده، وكل ما أسمع به من ثقات أهل الأمصار إلى ما تقدمت عندي معرفته.
1 / 9
وعلمت أنه لا يحيط المخلوق بالغاية، ولا يبلغ البشر النهاية، وليست شريعة لا بد من تمامها، ولا دين لا يكمل إلا بالإحاطة به، وقد يقول أهل العلم في علم أهل الدين الذين هو الفقه مختصر كتاب فلان الفقيه، ويقول أهل الآداب في كتب الآداب مثل اللغة، والنحو، والمغازي، والأخبار، والسير مختصر كتاب كذا، فجعلنا هذا الكتاب مختصرا لأخبار البلدان، فإن وقف أحد من أخبار بلد مما ذكرنا على ما لم نضمّنه كتابنا هذا، فلم نقصد أن يحيط بكل شيء.
وقد قال الحكيم: ليس طلبي للعلم طمعا في بلوغ قاصيته، واستيلاء على نهايته، ولكن معرفة ما لا يسع جهله، ولا يحسن بالعاقل خلافه، وقد ذكرت أسماء الأمصار، والأجناد، والكور، وما في كل مصر من المدن والأقاليم، والطساسيج «١»، ومن يسكنه، ويغلب عليه، ويترأس فيه من قبائل العرب، وأجناس العجم، ومسافة ما بين البلد والبلد، والمصر والمصر، ومن فتحه من قادة جيوش الإسلام، وتأريخ ذلك في سنته، وأوقاته، ومبلغ خراجه، وسهله، وجبله، وبرّه، وبحره، وهوائه في شدة حرّه، وبرده، ومياهه، وشربه.
1 / 10
بغداد
وإنما ابتدأت بالعراق «١» لأنها وسط الدنيا، وسرة الأرض، وذكرت بغداد «٢» لأنها وسط العراق، والمدينة العظمى، التي ليس لها نظير في مشارق الأرض ومغاربها سعة، وكبرا، وعمارة وكثرة مياه، وصحة، وهواء.
ولأنه سكنها من أصناف الناس، وأهل الأمصار، والكور «٣»، [و] «٤» انتقل إليها من جميع البلدان القاصية والدانية، وآثرها جميع أهل الآفاق على أوطانهم، فليس من أهل البلد إلا ولهم فيها محلة، ومتجر، ومتصرّف، فاجتمع بها ما ليس في مدينة في الدنيا.
1 / 11
ثم يجري في حافيتها النهران الأعظمان دجلة «١» والفرات «٢» فتأتيها التجارات والمير «٣» برا وبحرا بأيسر السعي حتى تكامل بها كل متجر يحمل من المشرق والمغرب من أرض الإسلام وغير أرض الإسلام فإنه يحمل إليها من الهند «٤» والسند «٥» والصين»
والتبت «٧»
1 / 12
والترك «١» والديلم «٢» والخزر «٣» والحبشة «٤»، وسائر البلدان، حتى يكون بها من
1 / 13
تجارات البلدان أكثر مما في تلك البلدان التي خرجت التجارات منها، ويكون مع ذلك أوجد وأمكن، حتى كأنما سيقت إليها خيرات الأرض، وجمعت فيها ذخائر الدنيا، وتكاملت بها بركات العالم، وهي مع هذا مدينة بني هاشم «١» ودار ملكهم، ومحل سلطانهم، لم يبتد بها أحد قبلهم، ولم يسكنها ملوك سواهم.
ولأن سلفي كانوا القائمين بها، واحدهم تولى أمرها، ولها الاسم المشهور والذكر الذائع، ثم هي وسط الدنيا، لأنها على ما أجمع عليه قول الحساب وتضمّنته كتب الأوائل من الحكماء في الإقليم الرابع، وهو الإقليم الأوسط الذي يعتدل فيه الهواء في جميع الأزمان والفصول.
فيكون الحرّ بها شديدا في أيام القيظ، والبرد شديدا في أيام الشتاء، ويعتدل الفصلان الخريف والربيع في أوقاتهما.
ويكون دخول الخريف إلى الشتاء غير متباين الهواء، ودخول الربيع إلى الصيف غير متباين الهواء، وكذلك كل فصل ينتقل من هواء إلى هواء، ومن زمان إلى زمان، فلذلك اعتدل الهواء، وطاب الثوى «٢»، وعذب الماء، وزكت الأشجار، وطابت الثمار، وأخصبت الزروع، وكثرت الخيرات، وقرب مستنبط معينها «٣» .
وباعتدال الهواء، وطيب الثرى، وعذوبة الماء حسنت أخلاق أهلها، ونضرت وجوههم، وانفتقت أذهانهم حتى فضلوا الناس في العلم، والفهم، والأدب، والنظر، والتمييز، والتجارات، والصناعات، والمكاسب، والحذق «٤» بكل مناظرة، وإحكام كل مهنة، وإتقان كل صناعة، فليس عالم أعلم من عالمهم، ولا أروى من روايتهم، ولا أجدل من متكلّمهم، ولا أعرب «٥» من نحويهم «٦»، ولا أصح من قارئهم، ولا أمهر من متطبّبهم، ولا أحذق من مغنّيهم، ولا ألطف من صانعهم، ولا أكتب من كاتبهم، ولا
1 / 14
أبين من منطيقهم «١»، ولا أعبد من عابدهم، ولا أورع من زاهدهم، ولا أفقه من حاكمهم، ولا أخطب من خطيبهم، ولا أشعر من شاعرهم، ولا أفتك من ماجنهم.
ولم تكن بغداد مدينة «٢» في الأيام المتقدّمة، أعني أيام الأكاسرة «٣» والأعاجم «٤»، وإنما كانت قرية من قرى طسوج بادوريا «٥» .
وذلك أن مدينة الأكاسرة التي خاروها «٦» من مدن العراق المدائن «٧»، وهي من
1 / 15
بغداد على سبعة فراسخ وبها إيوان «١» كسرى أنوشروان «٢»، ولم يكن ببغداد إلا دير على موضع مصبّ الصراة «٣» إلى دجلة الذي يقال له: قرن الصراة، وهو الدير الذي يسمى الدير العتيق، قائم بحاله إلى هذا الوقت، نزله الجاثليق «٤» رئيس النصارى النسطورية «٥» .
ولم تكن أيضا بغداد في أيام العرب لمّا جاء الإسلام لأن العرب اختطت البصرة، والكوفة «٦»، فاختط الكوفة سعد بن أبي وقاص الزهري «٧» في سنة سبع عشرة، وهو عامل عمر بن الخطاب «٨» .
1 / 16
واختط البصرة عتبة بن غزوان المازني «١» - مازن قيس- في سنة سبع عشرة وهو يومئذ عامل عمر بن الخطاب.
1 / 17
واختطت العرب في هاتين المدينتين خططها إلا أن القوم جميعا قد انتقل وجوههم وجلتهم ومياسير تجارهم «١» إلى بغداد.
ولم ينزل بنو أمية العراق لأنهم كانوا نزولا بالشام، وكان معاوية بن أبي سفيان «٢» عامل الشام لعمر بن الخطاب، ثم لعثمان بن عفان «٣» عشرين سنة، وكان ينزل مدينة
1 / 18
دمشق وأهله معه، فلمّا غلب على الأمر وصار إليه السلطان «١» جعل منزله وداره دمشق التي بها كان سلطانه، وأنصاره، وشيعته.
ثم نزل بها ملوك بني أمية بعد معاوية لأنهم بها نشأوا لا يعرفون غيرها، ولا يميل إليهم إلا أهلها، فلمّا أفضت الخلافة إلى بني عم رسول الله ﷺ من ولد العباس بن عبد المطلب «٢» عرفوا بحسن تمييزهم، وصحة عقولهم، وكمال آرائهم فضل العراق، وجلالتها، وسعتها، ووسطها للدنيا، وأنها ليست كالشام الوبيئة الهواء، الضيقة المنازل، الحزنة الأرض، المتصلة الطواعين، الجافية الأهل.
ولا كمصر المتغيرة الهواء، الكثيرة الوباء، التي إنّما هي بين بحر رطب عفن «٣» كثير البخارات الرديئة التي تولد الأدواء وتفسد الغذاء، وبين الجبل اليابس «٤» الصلد الذي ليبسه، وملوحته، وفساده لا ينبت فيه خضر ولا ينفجر منه عين ماء.
ولا كأفريقية «٥» البعيدة عن جزيرة الإسلام وعن بيت الله الحرام، الجافية الأهل، الكثيرة العدو.
1 / 19
ولا كأرمينية، النائية الباردة، الصردة «١» الحزنة التي يحيط بها الأعداء، ولا مثل كور الجبل، الحزنة، الخشنة، المثلجة، دار الأكراد «٢»، الغيلظي الأكباد.
ولا كأرض خراسان، الطاعنة في مشرق الشمس، التي يحيط بها من جميع أطرافها عدوّ كلب، ومحارب حرب.
ولا كالحجاز «٣»، النكدة المعاش، الضيقة المكسب، التي قوت أهلها من غيرها، وقد أنبأنا الله ﷿ في كتابه عن إبراهيم خليله ﵇ فقال: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ
[إبراهيم: ٣٧] .
ولا كالتبت، التي بفساد هوائها، وغذائها تغيرت ألوان أهلها، وصغرت أبدانهم، وتجعّدت شعورهم، فلما علموا أنها أفضل البلدان نزلوا مختارين لها، فنزل أبو العباس أمير المؤمنين وهو عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الكوفة أول مرة، ثم انتقل إلى الأنبار «٤»، فبنى مدينة على شاطىء الفرات، وسماها
1 / 20
الهاشمية «١»، وتوفي أبو العباس ﵁ قبل أن يستتم المدينة. فلما ولي أبو جعفر المنصور «٢» الخلافة، وهو أيضا عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ابن عبد المطلب بنى مدينة بين الكوفة، والحيرة «٣» سماها الهاشمية، وأقام بها مدة، إلى أن
1 / 21
عزم على توجيه ابنه محمد المهدي «١» لغزو الصقالبة «٢» في سنة أربعين ومائة، فصار إلى بغداد، فوقف بها وقال: ما اسم هذا الموضع؟ قيل له: بغداد. قال:
والله المدينة التي أعلمني أبي محمد بن علي أني أبنيها وأنزلها وينزلها ولدي من بعدي.
ولقد غفلت عنها الملوك في الجاهلية والإسلام حتى يتم تدبير الله، إليّ وحكمه فيّ، وتصح الروايات، وتبين الدلائل والعلامات، وإلا فجزيرة بين دجلة والفرات، دجلة شرقيها، والفرات غربيها، مشرعة للدنيا.
كل ما يأتي في دجلة من واسط «٣» والبصرة والأبلة «٤» والأهواز، وفارس «٥»
1 / 22