فالحق أن المساواة المطلقة في كل شيء لا تمكن، وليست من العدل، خصوصا بعد ظهور أن الناس مختلون بالطبيعة، إنما هناك أشياء تعقل فيها المساواة وهى عدل وعدمها ظلم، من ذلك: (1)
المساواة أمام القانون، بمعنى أنه لا فرق أمامه بين غني وفقير، وشريف وغير شريف، كل يعاقب على جريمته إذا أجرم، وعند وضع القانون ينبغي ألا تفضل طبقة على طبقة. (2)
المساواة في الحقوق، فكل إنسان له من حق الحرية وحق الحياة ونحو ذلك ما للآخر، ليس لأحد الحق في أن يخطب أو ينشر رأيه دون الآخر، بل الكل في ذلك سواء، للأمير من الحق ما لأحد الرعية، وللغني ما للفقير. (3)
المساواة في المناصب، أعني أنه ليست المناصب مقصورة على فئة خاصة، بل كل من تتوافر فيه الصلاحية للمنصب له الحق فيه، وليس للاعتبارات الأخرى كالغنى والجاه دخل في التفضيل. (4)
المساواة في التصويت في الإنتخاب، فليس ذلك حق الأغنياء دون الفقراء، وهذا النوع موضع خلاف بين العلماء، ولم تتبع الأمم نمطا واحدا في السير عليه. (8-5) العدل والرحمة
كثيرا ما يقول الناس: «الرحمة فوق العدل» يعنون بذلك أن العمل حسب ما تقتضيه الرحمة أفضل من العمل حسب ما يقتضيه العدل، وهذا ليس بصحيح على عمومه، بل قد يكون صوابا وقد يكون خطأ، ونحن نذكر أمثلة مما تستعمل فيه هذه الجملة: (1)
موظف ليس كفئا، لا يحسن عمله، ولا يفيد الناس، أريد الإستغناء عنه من أجل ذلك لكنه كبير في السن، ورب أسرة وفقير، فيقال: «الرحمة فوق العدل» أى أن العدل يقضي بالإستغناء عنه، والرحمة تقضي ببقائه في عمله، ولكن يجب أن نطبق في هذه المسألة العدل لا الرحمة، فالعدل هنا فوق الرحمة، وليست الرحمة فوق العدل، ذلك لأن الضرر الذي ينال الناس من إهماله في عمله، وعجزه عن القيام به يفوق الضرر الذى ينال الموظف وأسرته، ولأن «المصلحة» التي يشتغل فيها ليست ملجأ للإحسان يرتزق منها مع عدم كفايته، بل هو يأخذ أجره في مقابل عمله، فمن لم يحسن عمله لم يستحق أجره، وكونه رب أسرة وفقيرا يجعله يستحق الإحسان لا من «المصلحة» ولكن من معاهد الإحسان. (2)
عامل ترام «كمساري» تريد أن تشفق عليه فتعطيه ثمن التذكرة ولا تأخذها منه «لأن الرحمة فوق العدل» وهذا أيضا خطأ، لأن ثمن التذكرة ليس ملكك، ولكن ملك الشركة ولا يصح أن تحسن من مال غيرك إلا برضاه، فإذا أردت الإحسان فأعطه من مالك الخاص بعد أن تدفع ثمن التذكرة. (3)
لص قبض عليه وهو ينتشل «محفظة» فأخذ يستعطف الناس ويبكي ليفرج عنه فيقولون: «الرحمة فوق العدل» وليس ذلك بصحيح، لأن معاقبة السارق من حق الأمة، فلا يملك العفو عنه بعض الأفراد. (4)
مسجون سجن ظلما وعدوانا يراد العفو عنه، فيقال: «الرحمة فوق العدل» وهو خطأ أيضا لأن العدل يقتضي كذلك ألا يسجن، فالرحمة والعدل يتفقان في المطلب، وليست الرحمة فوق العدل.
अज्ञात पृष्ठ