وكثير من العلوم كالرياضة والطبيعة وتقويم البلدان الغرض منها مقصور على معرفة نظرياتها وقواعدها، أما علم الأخلاق فله غرض أسمى وهو التأثير في إرادتنا وهدايتها، وحملنا على أن نشكل حياتنا ونصبغ أعمالنا حتى نحقق المثل الأعلى للحياة، ونحصل خيرنا وكمالنا، ومنفعة الناس وخيرهم، فهو ينير السبيل أمام الإرادة، ويشجعها على عمل الخير ويثبطها عن فعل الشر.
فعلم الأخلاق لا يفيدنا ما لم تكن لنا إرادة تنفذ أوامره وتجنبنا نواهيه. •••
عادات صالحة نعتادها من صغرنا. وقدوة حسنة تحيي ضمائرنا، من أصدقاء منتقين، وكتب مختارة تشرح سير الأبطال وعمل الصالحين، ودراسة لعلم الأخلاق تشحذ ذهننا لمعرفة الخير والشر، وتستحث إرادتنا للعمل على وفقه، كل هذه أكبر ما يعين على غرس الفضائل في النفوس.
ولسنا نستطيع عد الفضائل جميعها، والكلام على كل منها تفصيلا، لذلك نختار بعض الفضائل الهامة ونشرحها. (5) الصدق (5-1) معناه
هو أن يخبر الإنسان بما يعتقد أنه الحق، وليس الإخبار مقصورا على القول، بل قد يكون بالفعل، كالإشارة باليد وهز الرأس ونحوهما، وقد يكون بالسكوت من غير قول ولا فعل، فمن ارتكب جريمة ورأى غيره يؤنب على ارتكابها ثم سكت فقد كذب، ومن الكذب المبالغة في القول مبالغة تجعل السامع يفهم منه أكثر من الحقيقة، كما إذا بالغ إنسان في وصف شيء بالعظم أو الكبر أو الصغر حتى أفهم السامع أكثر من حقيقته.
ومن الكذب أن يحذف المتكلم بعض الحقيقة ويذكر بعضها إذا كان ذكر ما حذف يجعل لما ذكر لونا خاصا.
وهناك طريقة واحدة للصدق وهو «أن يقول الإنسان الحق كل الحق، لا شيء غير الحق».
وإنما كان الصدق فضيلة لأنه أهم الأسس التي تبنى عليها المجتمعات، ولولاه ما بقى مجتمع، ذلك لأنه لا بد للمجتمع من أن يتفاهم أفراده بعضهم مع بعض، ومن غير التفاهم لا يمكن أن يتعاونوا، وقد وضعت اللغات لهذا التفاهم الذي لا يمكن أن يعيشوا بدونه، ومعنى الإفهام أن يوصل الإنسان ما في نفسه من الحقائق إلى الآخرين، وهذا هو الصدق.
يتجلى لك ذلك في المجتمعات الصغيرة كالأسرة والمدرسة، فكلاهما لا يبقى إلا بالصدق، فلو كذب الطلبة في كل ما يتكلمون، وكذب عليهم مدرسوهم في كل ما يعلمونهم ويحدثونهم ما بقيت المدرسة، وكذلك البيت. وإذا كان المجتمع لا يمكن أن يبقى إذا كان كل ما يتكلم فيه كذبا كان من الواضح أن يتضرر بقدر ما فيه من الكذب، فقد يبقى إذا غلب فيه الصدق على الكذب ولكنه يكون فاسدا منحطا.
ويدلك على ضرورة الصدق أن أغلب المعلومات التي وصلت إلينا بالسماع أو القراءة مبناها الصدق، وعليها يعتمد الإنسان في معاملاته وتصرفاته، فلو كانت كذبا لكانت الأعمال المبنية عليها خطأ وضلالا، ولما وصل إلينا من العلم إلا شيء قليل، وهو ما يمكننا أن نجر به بأنفسنا، وهو لا يغني في الحياة.
अज्ञात पृष्ठ