68

किफाह तिबा

كفاح طيبة

शैलियों

ثم نزل الملك عن عجلته وتبعه رجاله، وسار خطى حتى صار وسط جثث الرعاة، وألقى عليها نظرة وقد انبجست الدماء منها فخضبت جلدها الأبيض ومزقتها السهام والرماح، ثم قال: لا تظنوا هذه الدماء دماء أعدائنا، بل هي دماء قومنا التي امتصوها وتركوهم يتضورون جوعا.

وامتقع وجه كاموس واكتسى بلون قاتم من الحزن، فرفع رأسه إلى السماء وتمتم قائلا: لتنعم روحك يا أبت بالسلام والغبطة!

ثم نظر إلى من حوله وقال بصوت دلت نبراته على القوة والبأس: ستمتحن قوتنا في معركتين شديدتين في طيبة وهواريس، فإذا آزرنا النصر فيهما طهرنا الوطن من الرعاة إلى الأبد، ورددنا مصر إلى عهد أمنمحيت المجيد، فمتى نقف موقفنا هذا على جثث المدافعين عن هواريس؟

وتحول الملك ليرجع إلى عجلته، وفي تلك اللحظة انتصبت جثة من بين الجثث واقفة بسرعة البرق وسددت قوسا نحو الملك وأطلقت ... ولم يكن في الوسع منع القضاء ولا ضرب القاتل قبل أن يطلق، فأصاب السهم صدر الملك، وقد صرخ الرجال صرخة الفزع وأطلقوا السهام على الهكسوس، وهرعوا إلى الملك بأفئدة يملؤها الرعب والإشفاق، وصعدت من صدر كاموس آهة عميقة، ثم ترنح كالثمل وسقط بين يدي ولي عهده، وصاح الأمير: أحضروا هودجا وادعوا الطبيب.

ومال برأسه على أبيه وقال بصوت متهدج: أبتاه .. أبتاه ألا تستطيع أن تكلمنا؟!

وجاء الطبيب على عجل ومعه الهودج، فحملوا الملك وأناموه عليه في عناية فائقة، وركع الطبيب إلى جانبه، ومضى يخلع درع الملك وسترته ليكشف عن صدره، وأحاطت الحاشية بالهودج في سكون، يرددون أعينهم بين وجه الملك الشاحب ويدي الطبيب، وذاع الخبر في الميدان ففشت الضوضاء، ثم ساد صمت ثقيل كأنما لحق الفناء بذلك الجيش العرمرم!

نزع الطبيب السهم وكان الدم يتدفق من الجرح بغزارة، فتقلص وجه الملك من الألم، فأظلمت عينا الأمير من الحزن، وتمتم حور قائلا: رباه .. إن الملك يتألم!

وغسل الرجل الجرح ووضع عليه الحشائش، ولكن الملك لم يبد عليه أي تحسن، وارتعشت أطرافه بصورة جلية، ثم تنهد تنهدة عميقة، وفتح عينيه فلاحت فيهما نظرة قاتمة لا تدل على الحياة، فازداد صدر أحمس انقباضا، وقال لنفسه شاكيا «لشد ما تغيرت يا والدي!» .. وحرك الملك عينيه حتى استقرت على وجه أحمس، فلاحت فيهما ابتسامة، وقال بصوت ضعيف لا يكاد يسمع: ظننت قبل حين أني بالغ هواريس، ولكن الرب يريد أن تنتهي رحلتي على أبواب أمبوس!

فصاح أحمس بصوته الحزين: فدتك نفسي يا أبتاه!

فقال الملك بصوته الضعيف: كلا، صن نفسك فما أكبر الحاجة إليك .. وكن أشد حذرا مني، واذكر دائما أنه لا يجوز أن تكف عن الكفاح حتى تسقط هواريس حصن الرعاة الأخير، ويجلو القوم عن ديارنا جميعا.

अज्ञात पृष्ठ