فقال بثبات: نعم يا أماه .. لدي جيش باسل. - هل يستطيع هذا الجيش أن يخلص مصر من الأغلال؟ - يستطيع على الأقل أن يصد عن مملكة الجنوب عدوان الرعاة.
ثم هز منكبيه استهانة وقال بحنق وغيظ: أماه .. طالما دارينا أولئك الرعاة عاما بعد عام فلم تفلح المداراة في إسكات جشعهم، وما برحوا يرمقون مملكتنا بعين الطمع والجشع، وقد حم القضاء وأرى أن الشجاعة أولى بنا من المطاولة والمداراة، سأخطو هذه الخطوة وأنظر ما بعدها.
فابتسمت توتيشيري وقالت بفخار: فليبارك آمون هذه النفس الأبية العالية. - فماذا تقولين يا أماه؟ - أقول يا بني: سر في طريقك يرعاك الرب وتباركك دعواتي، هذه غايتنا وهذا ما ينبغي للفتى الذي اختاره آمون ليحقق آمال طيبة الخالدة.
وابتهج سيكننرع وتألق بالنور وجهه، وهوى على رأس توتيشيري يقبل جبينها، وقبلت خده الأيسر، وقبلت خد أحوتبي الأيمن وباركتهما معا، فعادا من لدنها سعيدين مغتبطين.
5
وأعلن الرسول خيان أن سيكننرع سيستقبله غداة غد، وفي الموعد المحدد ذهب الملك إلى بهو الاستقبال يتبعه كبير حجابه، وهناك وجد في انتظاره حول عرشه رئيس الوزراء والكاهن الأكبر وقائدي الجيش والأسطول، فقاموا لاستقباله وانحنوا بين يديه، وجلس على العرش وأذن لهم في الجلوس، ثم صاح حاجب الباب معلنا وصول الرسول خيان، ودخل الرجل بجسمه البدين القصير ولحيته الطويلة يمشي مشية الخيلاء، وكان يسائل نفسه: ترى ماذا وراء الشورى؟ أسلام أم حرب؟ .. ثم بلغ العرش فانحنى تحية للجالس عليه، ورد عليه الملك التحية وأذن له في الجلوس وهو يقول: عسى أن تكون قضيت ليلة سعيدة. - كانت ليلة سعيدة، شكرا لضيافتك الكريمة.
ولاحت منه التفاتة إلى رأس الملك فرأى تاج مصر الأبيض يعلوه، فانقبض صدره واحتدم الغيظ في قلبه، وكبر عليه أن يتحداه كذلك حاكم الجنوب، وكان الملك لا يحرص من جهته على مجاملة الرسول لأنه كان لا يجهل ما يعنيه رفضه للمطالب، فأراد أن يقول رأيه صريحا حازما قاسيا فقال: أيها الرسول خيان: لقد درست المطالب التي تحملها إلينا بعناية، وشاورت فيها رجال مملكتي، فاتفق رأينا جميعا على رفضها.
ولم يكن خيان يتوقع هذا الرفض الصريح الحاسم، فأخذ واستولى عليه الذهول، ونظر إلى سيكننرع باستغراب وإنكار وقد صار وجهه كالجمان، واستدرك الملك قائلا: لقد وجدت هذه المطالب تمس عقيدتنا وشرفنا، ونحن لا نسمح لأي إنسان أن يمس العقيدة والشرف منا.
وأفاق خيان من دهشته فقال بهدوء وكبرياء وكأنه لم يسمع ما قال الملك: إذا سألني مولاي: لماذا يرفض حاكم الجنوب أن يشيد معبدا لست، فماذا أقول له؟ - قل له إن أهل الجنوب يعبدون آمون وحده. - وإذا سألني، لماذا لا يقتلون أفراس البحر التي تقض مضجعي؟ - قل له إن أهل الجنوب يقدسونها. - يا عجبا .. أليس فرعون أعظم قداسة من أفراس البحر؟
فأطرق سيكننرع مليا كأنه يفكر في الجواب، ثم قال بلهجة حازمة: إن أبوفيس مقدس لديكم، وهذه الأفراس مقدسة لدينا.
अज्ञात पृष्ठ