حين طالعه أبوه برغبته في التعجيل بزواجه، كان عقله وقلبه وكيانه لا يعزفون إلا كلمة واحدة.
ولو أن عزف القلوب والعقول والجوانح له صوت، وإن كان هامسا، لسمع عبد الهادي اسم روحية تردده كل خلجة وخلية في أحناء ابنه إبراهيم.
لهذا لم يكن عجيبا أن ينصرف إبراهيم عن أبيه وسعادة الدنيا جميعا تمور في جوانبه.
وانتحى من بيته ركنا، وأغلق بابا وفكر.
كيف أعرف منها هي أنها تقبل الزواج مني لشخصي وليس لصداقة بين أبيها وأبي، ومحبة صادقة قوية بيني وبين أخيها؟
أسأل. كيف؟ وهل هذا يجوز؛ أجرح حياءها وأعدو مكاني الذي لا ينبغي لي أن أعدوه؟
وانقضى الليل وأعقبه صباح، ومع خيوط الفجر القادمة من السماء وجد إبراهيم هداه في حيرته السعيدة.
مع أذان الفجر ذهب إلى بيت الشيخ مأمون، فوجد عبد الواحد يهم بالخروج ليلحق بأبيه في المسجد ويصلي معه الفجر حاضرا. - عجيبة! أنت لا تصلي الفجر في الجامع. - ولكن هل هناك ما يمنع؟ - أعوذ بالله، بل هو الأفضل. - لم أنم، قلت أجيء إليك ونصلي معا بإمامة أبيك. - علم الله يا أبا خليل أن وراء حديثك أمرا. - لم أستطع أن أخفي عليك من نفسي خافية، فأي عجيبة أن تعرف هذه أيضا؟ - هلم بنا.
وصليا الفجر. وبعد قراءة التحيات، ظل إبراهيم في مكانه وفي هيئته أنه يريد أن يقول ما بنفسه هو في مكانه هذا. وفهم عبد الواحد، وبقي إلى جانب صديقه، وانفض المصلون وخلا بهما بيت الله. - هنا في بيت الله أريد أن أكلمك فيما جئت إليك من أجله. - توكل على الله. - أبي يريدني أن أتزوج. - ماذا؟ - لا تناقش. ابنه الوحيد ويخاف عليه الفتنة، أو هذا ما قاله لي، وربما كانت الحقيقة أنه يريد أن يرى لي ولدا. - لن أناقش. - أريد الزواج من روحية.
وفي دهشة بالغة انتفض عبد الواحد: ماذا؟ - ما سمعت. إن لها في قلبي مكانا أخفيته عنك ظنا من أنها ستسبقني إلى الزواج، وأريد منك شيئا لم يطلبه أحد من أخي فتاة مطلقا. - ماذا تريد مني؟ - أنا أعلم مكاني ومكان أبي في بيتكم، ولكني لا أريد روحية زوجة مرغمة على الزواج بحكم صلات أهلها بصلات أهلي. - وأنا ماذا أفعل؟ - لم أتصور أن أنتهز فرصة فأسألها أنا؛ فإنني بهذا أكون قد خنت صداقتي بك. وهداني الله أن يكون السؤال منك سؤالا صريحا من أخ إلى أخته. وأستحلفك بالله وبصداقتك إن وجدت لحظة من تردد ألا تعيد عليها السؤال.
अज्ञात पृष्ठ