مقدمة
قارة أوروبا
بلاد اليونان
مملكة رومية
مقدمة
قارة أوروبا
بلاد اليونان
مملكة رومية
خلاصة تاريخ اليونان والرومان
خلاصة تاريخ اليونان والرومان
تأليف
جرجي زيدان
مقدمة
أصدرنا الجزء الأول من التاريخ العام منذ ثمانية أعوام، وفيه خلاصة تواريخ الدول القديمة في آسيا وأفريقيا كالآشوريين والفينيقيين والمصريين وغيرهم. وأخذنا في سبيل إعداد الجزء الثاني، وفيه تواريخ دول أوربا وأميركا وسميناه «ملخص تاريخ أوربا»، ولم نتمكن من مباشرة طبعه إلا في العام الماضي، وصدر منه الجزء الخاص بدولتي اليونان والرومان، وفيه خلاصة تاريخ هاتين الأمتين، مع فذلكة عاداتهم وأخلاقهم وعلمائهم وفلاسفتهم وفتوحاتهم؛ فنشرنا على عجل إجابة لإلحاح بعض المطلعين، وسميناه «خلاصة تاريخ اليونان والرومان»، وسننشر ما يليه عند سنوح الفرصة وعلى الله الاتكال.
قارة أوروبا
ملخص جغرافيتها وملاحظات أخرى
هي القارة الثالثة بحسب الترتيب الجغرافي التاريخي، وأصغر القارات مساحة؛ لأن مساحتها لا تزيد على ربع مساحة آسيا أو ثلث أفريقيا، واقعة في نصف الكرة الشرقي ويفصلها عن آسيا سلسلة جبال أورال وعن أفريقيا البحر المتوسط، وبعدها عن أفريقيا عند جبل طارق 22 ميلا، وهي أقصر المسافات بين هاتين القارتين.
ولكن مع أنها أصغر القارات الأربع فإن عدد سكانها يبلغ 280 مليونا، وهي أسبق سائر القارات في التمدن الحديث، ففيها المدن الجميلة والطرق المنظمة والبنايات الشاهقة والمعامل العظيمة، وأشياء أخرى كثيرة من نتائج المدنية، والديانة السائدة فيها الديانة المسيحية (إلا تركيا أوروبا)، والعلم والصناعة قد رفعا أعلامهما عليها فأقيمت فيها المدارس الكبيرة والمجامع العلمية والاجتماعات الأدبية وغير ذلك.
وقد عمرت أوروبا؛ أي سكنها الإنسان بعد آسيا وأفريقيا فقد كانت في إبان الدولة الآشورية والبابلية والمصرية القديمة وفينيقية وغيرها من أمم آسيا وأفريقيا، لا تزال يسكنها قبائل رحل على جانب من الهمجية.
وأول قسم تمدن في أوروبا بلاد اليونان، وكان ذلك نحو زمن خروج الإسرائيليين من مصر، فإن اليونانيين أخذوا إذ ذاك في بناء البيوت وتأسيس المدن وما زالوا حتى أصبحوا أعظم دولة في العالم.
ثم كان تأسيس رومية في إيطاليا، ونشأة الدولة الرومانية التي امتدت على القسم الأعظم من أوروبا ومعظم الأمم المتمدنة في آسيا وأفريقيا، فإن قرطاجنة ومصر واليونان وآسيا الصغرى وفلسطين وسوريا وبلادا أخرى من آسيا دخلت في حوزة الرومانيين.
تاريخ أوروبا
وكانت المملكة الرومانية أعظم ممالك العالم، ولكنها دارت عليها الدائرة كما دارت على غيرها من الأمم؛ فتبع تمدنها فساد نتج عنه انقسامات وحروب أهلية حتى أصبحت تلك المملكة العظيمة أجزاء صغيرة منفصلا بعضها عن بعض تكاد تكون ميتة.
غير أن تلك الأجزاء أخذت تنمو على انفراد شيئا فشيئا حتى أصبح كل منها أمة مستقلة، وما زالت تلك الأمم ترتقي في سلم المدنية حتى بلغت ما هي عليه الآن؛ نعني بتلك الأمم أمم أوروبا.
وتقسم أوروبا إلى قسمين؛ شمالي وجنوبي، الأول مائل إلى البرودة والثاني إلى الحرارة، وأعظم الأمم في القسم الشمالي من أوروبا هي روسيا وإسوج ونروج وبروسيا، وبعض الولايات الجرمانية ودنيمارك وهولاندا وبلجيكا وسويسرا وأوستريا وفرنسا وبريطانيا العظمى.
وبين الممالك الجنوبية في أوروبا البرتوغال وإسبانيا وإيطاليا واليونان وتركيا، والتربة في هذه المماليك الأخيرة غالبا خصبة، ويكثر فيها العنب والزيتون والبرتقال والليمون والبطيخ وأثمار أخرى لذيذة، وكل احتياجات الإنسان متوفرة فيها بسهولة وهو لا يحتاج إلى كبير عناء لتدفئة جسمه إذ الجو دافئ، فأهل الممالك الجنوبية لا يحتاجون إلى بناء الأبنية الكبيرة ولا ادخار المئونة في أيام الشتاء، ولذلك كانوا أقل سعيا ونشاطا من سكان الأقسام الشمالية، وكأن ذلك سنة في خلق الله فهم لا يسمعون ولا يجتهدون إلا عند الاضطرار.
أما ممالك القسم الشمالي من أوروبا فتقودهم الضرورة إلى زرع أرضهم بالاعتناء وخزن المؤن اللازمة لأيام الشتاء؛ حيث يشتد عليهم البرد ويمنعهم عن السعي فيبنون لأنفسهم بيوتا حسنة قوية، يضعون فيها حاجتهم من الأدوات والأواني ما يكفيهم مئونة السعي.
أما حيوانات أوروبا البرية فتشبه حيوانات آسيا وأميركا وكذلك نباتها.
بلاد اليونان
بلاد اليونان وموقعها ومنظرها ومناخها
بلاد اليونان قطعة صغيرة من الأرض تمتد في البحر المتوسط على مسافة متساوية من آسيا الصغرى إلى الشرق وإيطاليا إلى الغرب، يحدها من الشمال مكدونية التي هي الآن قسم من بلاد الدولة العلية، ويحيط بها البحر من سائر الجهات، والقسم الجنوبي من بلاد اليونان عبارة عن أرخيل؛ أي مجموع جزائر بعضها في غاية الجمال.
وكانت تقسم قديما إلى عدة مقاطعات يحكم كلا منها دولة مستقلة، أهم تلك المقاطعات مقاطعات أثينا وسبارطة وقورنثية وطيبة وإركادية ومكدونية.
وفي كثير من هذه الجزائر مدن عجيبة كمدينة تدعى انتيبارس، وهي مشهورة بمغارة لها تحت الأرض إذا أضيئت بالمصابيح ظهرت أنها قاعة واسعة قائمة على ألف عامود تلمع كالفضة، وبعض جزائر اليونان قد نتأت من وسط البحر بسبب البراكين وبعضها غار فيه.
وفي القسم الجنوبي من اليونان وبين جزائرها الهواء معتدل وتنبت فيها أنواع الفاكهة والتمر، أما في القسم الشمالي فالهواء بارد، فإذا مررت ببلاد اليونان يظهر لك جمال مناظرها فتشاهد عند سواحلها كثيرا من الخلجان الصغيرة والمين، ويخطر لك أن شعب تلك الأنحاء كان ميالا لصناعة الملاحة على أنك لو بحثت الآن لرأيتهم كذلك.
وفي تلك البلاد أحراج وغابات تستحق الاعتبار معظمها من الصنوبر، وأشجار أخرى ذات أخشاب صلبة كالسنديان، هذا في الأقسام العليا منها، أما في الأقسام السفلى فالجوز واللوز كثير، أما البقول فغزيرة، وأخص محصولات تلك البلاد عنب الثعلب (كشمش) والقطن والحرير والصوف والأرز والتبغ والحنطة، أما المعامل فقليلة ومعظمها تشتغل بالقطن والحرير والصوف، وأهم الأثمار الزيتون والعنب والليمون والبرتقال والتين واللوز والتمر والرمان وعنب الثعلب.
اتساع اليونان وأول عمرانها
وبلاد اليونان على اشتهارها وعظم سطوتها التي انتشرت على قسم عظيم من الأرض ليست واسعة، أما حدودها فتختلف باختلاف الأزمان، ولكنها مع كل ذلك لم تتجاوز أربعمائة ميل طولا و150 عرضا. أما سكان اليونان الأصليون فالمشهور أنهم من نسل يافث أصغر أبناء نوح، وأنهم جاءوا إلى تلك الأصقاع عند تبلبل الألسن منذ أربعة آلاف سنة، أما اليونانيون أنفسهم فيظنون أن آباءهم انبثقوا من الأرض، وكيف كان الحال فقد كانوا على جانب من الهمجية يأوون إلى أكواخ حقيرة، ويقتاتون على الحبوب ويكتسون بجلود حيوانات البر.
ويقال عن اليونانيين القدماء الذين عاشوا قبل زمن التاريخ أقوال تقليدية لا بأس من ذكرها بالاختصار؛ لأنها لا تخلو من فائدة، يقولون: إن سيكروبس أحد رجال المصريين هو أول من أدخل التمدن إلى بلاد اليونان، فجاء إليها في عدة من المصريين وأسس مدينة أثينا، وكان ذلك سنة 1556ق.م وبعد ذلك بثلاثين أو أربعين سنة جاء قدمس الفينيقي، وهو من أهل صور وبنى مدينة طيبة، ولهذا الرجل فضل عظيم على اليونانيين؛ لأنه علمهم زراعة العنب واستخدام المعادن واستعمال الحروف الأبجدية.
وجاء أقوام آخرون من أمم مختلفة واستوطنوا أجزاء أخرى من بلاد اليونان، فأصبحت تلك البلاد إذ ذاك مؤلفة من عدة ممالك صغيرة كانت الحروب مستمرة بينها.
ثم عقد اثنتا عشرة من هذه الممالك أو الأيالات معاهدة الصلح؛ فكان نوابهم يجتمعون مرتين في السنة للمفاوضة بما يأول إلى استتباب الراحة في بلادهم، وكانوا يدعون هذا المجتمع مجلس الأمنكتيون، وبواسطة هذا المجلس كانت كل من هذه الأيالات حافظة استقلالها لنفسها من جهة، وكلها يدا واحدة على العدو من جهة أخرى.
وأشهر حوادث التاريخ اليوناني الحملة الأرغونوتية، وملخصها أن أميرا يدعى ياسون سافر بحرا في جملة من أصحابه إلى كولشس الواقعة شرقي بحر الأسود، وأن قصدهم من ذلك التفتيش عن حمل عجيب له صوف من ذهب، ويغلب على الظن أن هذه القصة لا تخرج عن حد الخرافة.
ومن أشهر حوادثها أيضا حرب تروادة، وكانت تروادة هذه مدينة عظيمة على الجانب الآسيوي من بوغاز الدردنيل، وسبب تلك الحرب أن باريس ابن ملك تروادة اختطف امرأة مينيلوس أحد أمراء اليونان، فاتحد كل ملوك اليونان لمقاصته، فساروا بحرا إلى تروادة في اثني عشر ألف شراع، واستولوا على المدينة بعد حصار 10 سنين، ويظن أن ذلك كان سنة 1182ق.م.
وقد وصف هذه الحرب بتفاصيلها الشاعر اليوناني الشهير هوميروس على سبيل الرواية التاريخية، ولكن الظاهر أن تلك الحرب كانت أقل كثيرا مما وصفها هو؛ لأن الأشعار لا تخلو من المبالغة، وهوميروس أول الشعراء ورئيسهم، وكان شيخا أعمى يطوف البلاد ويتلو على الناس شعره .
واضعو الشرائع اليونانية
من أهم الأيالات اليونانية أيالة تدعى سبارطة أو لاكيديمون، أسسها للكس سنة 1516 قبل الميلاد، وقد أخذت قوانينها وشرائعها عن ليكورغوس الذي عاش في الجيل التاسع قبل الميلاد، وكان رجلا صارما لكنه كان حكيما عادلا، ومن أوامره أن يأكل الإسبارطيون معا على موائد عمومية، أراد بذلك أن لا يتمتع الأغنياء بما لا يناله الفقراء، أما الأولاد فلم يكن يسمح لهم بشيء يأكلونه إلا إذا استطاعوا سرقته، وهذه العادة القبيحة كانوا يتعودونها بناء على أنها تعلم أولادهم الاحتيال في الحرب، وقد رأى ليكورغوس أن الناس ميالون إلى المطامع والفخر؛ فأمر أن لا تضرب النقود لا فضة ولا ذهبا، بل حديدا، فكان حجمها كبيرا حتى يصعب حملها في الجيب، فالريال السبارطي يزن نحو 50 رطلا مصريا.
والأولاد كانوا يعيشون على نفقة الجمهور، وكانوا يوقفونهم قرب موائد الطعام لاستماع محادثات آبائهم الحكمية، وكان السبارطيون يبالغون في تنفير أبنائهم من شرب المسكر، ويبينون لهم عواقبه الوخيمة بأن يسقوا عبيدهم منه كميات كبيرة، فإذا شاهد الأولاد ما تئول إليه حال أولئك العبيد بعد السكر يظهر لديهم قبح نتيجة المسكر، فلما أتم ليكورغوس قوانينه ونظاماته برح سبارطة، وقبل سفره أخذ على السبارطيين المواثيق الوطيدة بأن لا يخلوا بواحدة منها ريثما يعود إليهم، ولكنه كان مصمما أن لا يعود.
وقد مات هذا الرجل منتحرا بالامتناع عن الطعام، وأوصى قبل موته أن يرمى رماده في البحر حتى لا يستطيع الإسبارطيون استرجاع جثته إليهم، فأصبحوا بذلك مقيدين بمواثيقهم أن يحافظوا على شرائعه إلى الأبد.
فما زالوا محافظين عليها نحوا من خمسمائة سنة كانوا في أثنائها شعبا قويا شجاعا محبين لوطنهم، على أن كثيرا من عوائدهم كانت أقرب إلى التوحش منها إلى التمدن.
أما أثينا فكان لها متشرعان شهيران دراكو وسولون، وكانت شرائع دراكو على غاية القسوة حتى قيل إنها كتبت بالدم بدلا من الحبر؛ لأنها تعاقب على أقل الجنايات بالقتل فألغيت سريعا.
أما شرائع سولون فكانت ألطف من ذلك كثيرا على أنها جزيلة الفائدة للشعب ، وإذ كان الأثينيون ميالين إلى التغيير أدخلوا فيها تغييرات كثيرة، وكانت أثينا أثناء ذلك جمهورية؛ أي إنها كانت مقيدة بمشورة الشعب، ولكن بعد أن وضع سولون شرائعه بقليل اختلس الحكم رجل من أهلها يقال له بيسيسترانس، فحكم فيها هو وأبناؤه نحو 50 سنة.
حرب اليونان مع الفرس
وفي الجيل الخامس قبل الميلاد أقام داريوس ملك الفرس حربا مع اليونانيين، فبعث قواده إلى تلك البلاد في عمارة من ستمائة شراع ونصف مليون من الرجال، ولم يكن أحد يستطيع الوقوف أمامهم إلا مائة ألف من الأثينيين، فظن داريوس أنه قد أوتي الفتح المبين فبعث مقادير كبيرة من الرخام مع جيشه ليرفع منها أعمدة، ويقيم منها قناطر النصر وعلامات أخرى، وكان قد أمر قواده أن يبعثوا كل الأثينيين مغلولين إلى بلاد فارس وهو لا يدري ما كمن له.
وكان على اليونانيين قائد يقال له ملنيادس، فسار في مقدمة جيشه لمحاربة جيش الفرس العظيم، فالتقى بهم في مراثون، وهي مدينة صغيرة على شاطئ البحر على مسافة خمسة عشر ميلا إلى الشمال الشرقي من أثينا.
وبينما كان اليونانيون يحاربون كان شيوخهم ونساؤهم وأولادهم باقين في أثينا كأنهم على جمر الغضى؛ لأنهم كانوا يعلمون أن الفرس إذا انتصروا فإنهم يدخلون المدينة ويحرقونها، وبينما هم كذلك دخل المدينة جندي مخضب بالدماء وفيه جروح كثيرة، وإنما كان مجيئه ليخبر من في المدينة بعاقبة الحرب، وكان وجهه ممنقعا فظن الأثينيون أن الفرس فازوا وأن هذا الرجل جاء هاربا.
فاجتمعوا حوله وسألوه عما جرى لملنيادس وجيشه، فاتكأ الجندي على رمحه وهو لا يستطيع التكلم من التعب، ولكنه تشدد أخيرا وصرخ قائلا: «افرحوا يا أبناء الوطن إن النصر لنا.» قال ذلك ووقع ميتا.
إلا أن الأثينيين لم يكافئوا ملنيادس مكافأة حسنة، على أنه لم يطلب منهم مكافأة على تحرير بلاده إلا إكليلا من ورق الزيتون الذي كان علامة للشرف بين اليونانيين، فلم يعطوه إياه، ثم حكموا عليه بعد ذلك بناء على ادعاءات طفيفة أن يدفع غرامة مقدارها خمسون ريالا، ولما كان غير قادر على دفعها مات في السجن.
وبعد موقعة مراثون انسحب الفرس من بلاد اليونان، ثم أراد داريوس تجديد الحملة عليها فمات قبل أن يتمها، فخلفه ابنه أكسركسبس (احشويرش) فجدد الحرب، وجاء بحملة عدد جندها مليونان ولكنهم عادوا منكسرين.
أعمال أثينا
وبعد حرب الفرس نبغ بين رجال أثينا سيمون وإرستيلاس وباريكليس، وكانوا أعظم رجال أثينا، وأخيرا أصبح باريكليس أكبر رجال الجمهورية ولم تلق أثينا أياما أحسن عزا وفخرا من أيامه؛ لأنه زين المدينة بالبنايات العظيمة وأكثر فيها من التعليم؛ فاشتهرت بالفنون الجميلة كبناء الهياكل ونظم الشعر، غير أن الأثينيين كانوا قليلي الشكر على النعمة لعظمائهم ولذلك لم يحسنوا مكافأة باريكليس.
وأصيبت أثينا في آخر أيامه بوباء شديد فكثرت الوفيات؛ حتى إن الناس كانوا يسقطون أمواتا في الشوارع فتتراكم جثثهم أكاما، وفي جملة من مات في ذلك الوباء باريكليس، ولما كان على فراش الموت أراد بعض أصدقائه أن يمدحه على الأعمال العظيمة التي أجراها في بلاده، فأجابه قائلا: إن أعظم فخر حزته في كل ما علمت أني لم أسبب كدرا لأحد الأثينيين.
وقبل وفاة باريكليس بثلاثة أعوام كان حرب بين أثينا وسبارطة، وكانتا أعظم أيالات اليونان، فنشأ بينهما التحاسد حتى آل ذلك إلى حروب اشترك فيها جميع أيالات بلوبونيسس (المورة)، وما زالت هذه الحروب مدة 38 سنة، وفي أثناء هذه الحروب اشتهر بين الأثينيين رجل يقال له: السيبيادس، وكان من الجمال والرقة على جانب عظيم فأحبه الشعب محبة عظيمة، فصار له عليهم نفوذ عظيم، لكنه كان طماعا لا يعرف له مبدأ فكان سببا لأتعاب كثيرة ليس لوطنه فقط، بل لجميع بلاد اليونان فتحول حب الشعب إلى كره، فاضطر أن يعتزل إلى قرية صغيرة في فريجيا من آسيا الصغرى، وسكن هناك مع امرأة يقال لها تيمندرا.
فبعث إليه أعداؤه جماعة ليقتلوه فأصلوا النار في بيته، وكان السيبيادس شجاعا فاخترق النيران مشهرا سيفه بيده للمدافعة عن نفسه، فأصيب بحربة كانت القاضية عليه وغودر طريحا في الأرض مضرجا بدمائه.
وكانت حرب المورة هذه سببا لأتعاب كثيرة على الأثينيين؛ فإن السبارطيين حاربوهم وهدموا أسوار المدينة، فأصبح الأثينيون تحت حكومة ثلاثين من قواد السبارطيين كانوا يلقبون بظلام أثينا الثلاثين، لكنهم لم يحكموا إلا ثلاث سنوات؛ لأن رجلا أثينيا اسمه ثراسيبولس حرك أبناء وطنه على استرجاع حريتهم، فنهضوا وحاربوا هؤلاء الثلاثين وطردوهم، وغدر الأثينيون ثراسيبولس بإكليل من أغصان الزيتون، وشرعت أثينا منذ ذلك الحين تتقدم حتى أعادت إليها حكومتها الأصلية سنة 402ق.م.
بداية حرب طيبة
وبعد التاريخ المتقدم ذكره بيسير أصبحت طيبة أشهر مدن اليونان، وكانت عاصمة مملكة بوتيا، ثم قام بين طيبة وسبارطة حرب سببها أن أحد قواد السبارطيين واسمه فيبيدس وضع يده على كدميا (أحد حصون طيبة) غلطا، فطلب أهل طيبة استرجاع ذلك الحصن، فامتنع السبارطيون عن تسليمه وأصروا على احتلاله، فارتأى شاب من شبان طيبة اسمه بيلوبيدس رأيا لاسترجاع ذلك الحصن؛ وذلك أنه جاء بأحد عشر من أصحابه ألبسهم الدروع والأسلحة وألبسهم فوقها لباس النساء، وسار بهم حتى أتوا باب الحصن فأذن لهم بالدخول.
وكان قضاة السبارطيين وضباطهم مجتمعين في احتفال عظيم، وكان أرخياس كبيرهم جالسا إلى رأس المائدة منهمكا هو وأصحابه بمائدتهم؛ فلم ينتبهوا لأولئك الاثني عشر الذين دخلوا القاعة وخصوصا لأنهم بلباس النساء، أما هؤلاء فانتظروا حتى دارت الخمرة برءوس المحتفلين فخلعوا لباس النساء، وأشهروا سيوفهم بأيديهم وهجموا على مائدة الإسبارطيين، فانذعر أولئك ولم يعودوا يعرفون كيف يقاومونهم، فقتلوا أرخياس وكثيرا من أصحابه قبل أن ينهضوا عن المائدة.
وهكذا تملك أهل طيبة ذلك الحصن غير أن سبارطة أثارت حربا على طيبة إثر ذلك، فاتحد معها بسبب تلك الحرب كثير من أيالات اليونان حتى تبين فوز السبارطيين وسقوط طيبة.
وكان على طيبة إذ ذاك قائد شجاع اسمه إيبامينوندس، فأمكنه بستة آلاف من جنده مقاومة 25 ألفا من السبارطيين تحت قيادة ملكهم كلومبروتس، فحصلت الموقعة في ليوكترا، وكان الفوز لآل طيبة وقتل كلومبرونس وألف وأربعمائة من رجاله.
ملحق بحرب طيبة
وكان إيبامينوندس من أفضل الرجال الذين عاشوا في الأزمنة القديمة؛ لأنه كان فاضلا محبا لوطنه شجاعا ، وقد قيل من فضائله إنه ما نطق كذبا عمره، فكان ينتظر أن يشعر أهل طيبة بفضله عليهم، وبالحقيقة إن أعاظمهم كانوا يعطونه حقه من الاحترام، لكن يسوءنا أن نقول: إن الرجال العظماء يكثر أعداؤهم.
فقد كانت فضائل هذا الرجل وعظمته توبيخا لأراذل الناس وأدنيائهم فبغضوه وسعوا في إهلاكه، وكان أعداؤه كثيرين بين أهل طيبة فسعوا في الحكم عليه بالموت بناء على أنه بقي قائدا للجيش مدة تتجاوز ما يوجبه الشرع، فدافع عن نفسه بأن ذلك كان للمحافظة على طيبة من الخراب فعفا القضاة عن حياته.
غير أن أعداءه ما زالوا يسعون جهدهم إلى التخفيض من قدره، فعينوه ناظرا لكناسي شوارع طيبة، أما هو فلم يغتظ من ذلك لعلمه أن هذا يجلب العار على أهل طيبة وليس عليه؛ لأنه كان يقول: إن الإنسان لا يشرفه منصبه، بل هو يشرف منصبه فاجتهد بواجباته نحو مصلحته الجديدة؛ حتى كنت ترى هذا القائد الظافر مهتما بتنظيف الشوارع من القاذورات اهتمامه بتدريب الجند في ساحة الحرب.
غير أن الحرب لم تكن قد انتهت فلم يلبث أهل طيبة حتى شعروا باحتياجهم إلى إيبامينوندس، فأخذوا منه المكنسة وقلدوه الحسام فاستلم قيادة الجيش بقوة أعظم من قوته قبلا.
وكان آل طيبة لا يرون عزا ولا فخرا إلا تحت قيادته، وآخر انتصار انتصروه على يده كان في متينيا؟ لكنه جلب عليهم الخسائر الفادحة؛ لأن إيبامينوندس أصيب بنبلة في صدره وهو يجاهد في وسط المعمعة، فاحتدمت نار الحرب بين الطيبيين والسبارطيين حول ذلك المجروح أولئك يريدون حمله من المعمعة وهؤلاء يريدون قتله، فتقهقر السبارطيون وقفل إيبامينونداس على الأذرع إلى خيمته.
وبقيت النبلة في صدره؛ لأن الأطباء قالوا: إنه حالما تخرج منه يموت، فبقي إيبامينوندس يتقلب على فراش الوجع، وما كان يستوقف أفكاره إلا انتصار أهل بلاده.
فجاء أخيرا رسول من ساحة الحرب وأخبره أن السبارطيين قد طلبوا الفرار، وأن أهل طيبة قد فازوا بالنصر المبين فقال إيبامينوندس حينئذ: «إذا هذا ما كنت أتمناه.» قال ذلك وأخرج النبلة من جرحه فمات حالا، وكان ذلك سنة 262 قبل الميلاد، وبعد موت إيبامينوندس انحطت شوكة أهل طيبة وأصبحوا كغيرهم من شعوب اليونان.
ديانة قدماء اليونان وخرافاتهم
وصلنا في ما تقدم من تاريخ اليونان إلى معظم مجدهم، فلنتبين كيف كان انقلاب دولتهم، وقبل ذلك نذكر شيئا عن ديانتهم وأشياء أخرى تتعلق بهم.
كان يعتقد اليونان بثلاثة صفوف من الآلهة وهي السماوية والبحرية والسفلى، وكانوا يظنون أن الأولى تسكن في أعالي السماء، والثانية في البحر، والثالثة في الأماكن المظلمة تحت الأرض. وكان لديهم فضلا عن هذه الآلهة أنواع أخرى من الآلهة السفلى التي كانت تسكن الأحراج والينابيع ومجاري المياه.
فالآلهة السماوية هي جوبيتر وأبولو والمريخ وعطارد وباخس وفلكان ويونيو ومنارفا والزهرة وديانا وسيرس وفستا، وأعظم هذه الآلهة جوبيتر، وكان اليونانيون إذا حصل رعد أو برق يظنون أن جوبيتر قد غضب عليهم، وكانوا يحتفلون مرة كل أربع سنوات احتفالا شائقا يلعبون فيه ألعابا يدعونها ألعاب الأولمبوس، وهي عبارة عن صفوف من المشاة والفرسان وراكبي المركبات يتسابقون ويتصارعون ويتبارون، وكان من أشرف الأمور عندهم أن ينال أحدهم الجائزة في ألعاب الأولمبوس.
وكانوا يزعمون أن أبولو ابن جوبيتر، وأنه سائق لمركبة أبيه وهي الشمس تجرها أربعة من الخيل المسرجة تسير بها حول العالم كل يوم، وكان أبولو عندهم أيضا إله الموسيقى والشعر والطب وسائر الفنون الجميلة، ورئيسا على الوحي في دلفي حيث يأتي الناس من أقصاء العالم ليفتشوا عن حوادث المستقبل.
وكان المريخ إله الحرب وعطارد إله اللصوص وباخس إله الخمر وفلكان إله الحدادين، ويظهر أن هذا الأخير أنفع آلهة الوثنيين؛ لأنه كان حدادا عظيما يشتغل بنشاط على سدانه.
أما الزهرة فاتخذوها إلهة الجمال، وكانوا يصنعون لها تماثيل على شكل امرأة جميلة لها ابن اسمه كوبيد يزعمون أنه يرمي الناس بالنبال، أما نبتون فكان رئيس آلهة البحر له عربة في شكل صدفة بحرية عظيمة تجرها أفراس أذنابها كأذناب الأسماك، فإذا مخرت الأمواج يحيط بها سرب من وحوش البحر يقال لها: تربتون.
أما رئيس الأماكن السفلى فكان اسمه بلوتو، وكان يجلس على عرش من حجر الكبريت في يده الواحدة صولجان وفي الأخرى مفتاحان.
وكان عند اليونانيين فضلا عن هذه الآلهة فئة يقال لها: الجبابرة، نصف أجسامهم إلهية والنصف الآخر بشرية، ومن هؤلاء الجبابرة هرقل وهو أشهرهم بالقوة.
هذا شيء يسير عن آلهة اليونان وخرافاتهم، ولو أردنا استيفاء الكلام لضاقت دون ذلك المجلدات الضخمة، فقد يروون عنهم أحاديث وخرافات تفوق الحصر، وقد بنى اليونانيون لآلهتهم هياكل عظيمة متقنة، وأقاموا لها تماثيل هائلة دقيقة الصنعة.
فلاسفة اليونان
فلاسفة اليونان أفراد نبغوا في بلاد اليونان، وكانوا يزعمون أنهم أوفر حكمة من سائر بني الإنسان، وهم عديدون عاشوا في أزمان مختلفة نذكر أشهرهم: (1)
الفيلسوف طاليس:
عاش بين القرن السادس والسابع قبل الميلاد، وكان في أيامه سبعة فلاسفة كان يقال لهم: حكماء اليونان السبعة، وكان طاليس معدودا في مقدمتهم، ومما يحكى عنه أنه كان ذات ليلة يتمشى وهو ينظر إلى السماء، ويراقب حركات الكواكب فسقط بغتة في حفرة أمامه، فأتت إليه عجوز كانت عائشة مع عائلته للخروج من تلك الحفرة وقد غشاه الوحل، وقالت له: «أنصح لك يا طاليس أن لا تشتغل بعلم ما فوقك فتبلى بجهل ما تحتك.» والظاهر أن هذه الامرأة كانت أوفر حكمة من الجميع. (2)
الفيلسوف بيتاكوس:
وكان أحب الناس للاعتدال والعفة ويكره شرب المسكر خاصة، فكان على كثرة أنواع المسكر في بلاده لا يشرب إلا ماء قراحا. (3)
الفيلسوف بياس:
عاش سنة 617 قبل الميلاد، ويقال: إن أحد الصيادين وجد في جوف سمكة كبيرة كأسا ذهبية محفورا عليها هذه الكلمات: «إلى أحكم الحكماء» فأخذ ذلك الكأس إلى بياس؛ لأنه كان معدودا أحكم حكماء زمانه، ولم يكن يحب الأموال فلما أخذت بلده وهم بها العدو اهتم أهلها بإخفاء أثمن مقتنياتهم، أما هو فلم يكلف نفسه تعبا وقال: «ما الأموال إلا ألعوبات تتناقلها الأيدي، أما الأموال الحقيقة فهي أفكاري ولا يستطيع أحد أن يسلبني إياها.» (4)
أبيمانيتس:
وكان فيلسوفا عجيبا ويحكى عنه حكاية لا يطلب من القارئ تصديقها على علاتها، وهي أنه لما كان شابا أرسله أبوه للتفتيش عن خروف ضال فبعد أن وجد الخروف دخل إلى كهف بجانب الطريق وجلس يطلب الاستراحة، وكانت الشمس حادة فغلب عليه النعاس فنام وبقي في غفلة زمنا طويلا يبلغ 57 سنة، فاستيقظ وقد علا رأسه الشيب فخرج من الكهف وعاد إلى المدينة التي كان عائشا فيها، وإذا بأبيه قد مات وأخوه الذي كان صبيا أصبح كهلا، أما المدينة فأصبحت كثيرة البيوت والسكان فكان ذلك تغيير عجيب لديه. (5)
فيثاغورس:
المشهور بمذهب التقمص، فمن رأيه أن الإنسان متى مات تلبس نفسه جسد بعض الحيوانات، وكان يعتقد أن نفسه كانت قبلا في جسد طاووس ولا أظن القارئ يصدق ذلك. (6)
هراقليطوس الأفسي:
وكان يدعى الفيلسوف المبهم؛ لأن أقواله كانت كلها معميات وألغازا، وكان من رأيه أن كل ما تستطيع العامة فهمه ليس من الحكمة، وكان يعتقد أن هذه الدنيا دار الأحزان فلم يكن ينظر إلى شيء فيها بدون أن يسكب العبرات عليه، ولذلك كان يدعى أحيانا الفيلسوف الباكي، وفي آخر أيامه اعتزل إلى كهف وقضى بقية حياته يتوسد الأرض، ويلتحف السماء ويقتات عشب البرية. (7)
ديموقريطوس:
وكان وسلفه على طرفي نقيض، فكان يقضي نهاره ضاحكا فلقبوه بالفيلسوف الضاحك؛ حتى ظن أهل وطنه أنه مختل الشعور وأظنهم مصيبين في ذلك. (8)
أنكساغورس:
وكان يزعم أن الفضاء مصنوع من الحجارة، وأن الشمس قطعة من حديد على درجة عظيمة من الحرارة، وسبب ذلك أن الناس إذ ذاك لم يكونوا يعرفون حجم الأرض. (9)
إمبيدوقليس:
كان يقيم في جبل أتنا في صقلية (سسليا)، وكان عبوسا متشامخا يميز نفسه بإكليل من الغار يضعه على رأسه؛ حتى يخاله الناس أنه على جانب من الحكمة، ولكنه لم يكتف بذلك فادعى الألوهية فأدب ذات يوم مأدبة فاخرة، ثم اختفى عن أعين الناس ولم يعد يراه أحد بعد ذلك، فظن الناس أنه صعد إلى السماء، وبعد قليل ثار بركان أتنا فقذف حذاء قديما من جوفه فوجدوه بعد الفحص أنه حذاء إمبيدوقليس، فعلم الناس أنه كان مختل الشعور، وأنه ألقى بنفسه إلى البركان إيهاما للناس أنه صعد إلى السماء. (10)
سقراط:
وكان من أعظم حكمائهم إلا أن الأثينيين لشقاء طباعهم لم يصبروا على حياته، فأجبروه على شرب كأس السم. (11)
ديوجيتس:
وهو من أغرب حكمائهم، وكان يدعى ديوجيتس الكلب وربما دعوه بذلك؛ لأنه كان يعيش عيشة الكلاب أو لأنه كان ينتهر كل إنسان يكلمه، ومن تعاليمه أن الإنسان كلما قلت ملذاته زادت سعادته، وكان ديوجيتس يطوف الشوارع والأزقة حافيا بثياب رثة حاملا كيسا وإبريقا وعصا، ثم صار يحمل بعد ذلك برميلا بالنهار لينام فيه بالليل، ويحكى عنه أن الإسكندر الأكبر جاء ليشاهده يوما فوجده يصلح برميله، فاتفق وقوف الإسكندر بينه وبين الشمس، فقال له الإسكندر: يا ديوجيتس لا بد أنك تقاسي عذابا بمعيشتك في هذا البرميل، ألا تظن أني قادر أن أجعل حالتك أحسن مما هي، فأجابه ديوجيتس: «لا. لا أريد شيئا إلا أن لا تكون حائلا بيني وبين الشمس، فلا تمنع ما لا تقدر أن تمنح.» (12)
أفلاطون:
وهو من كبار فلاسفتهم ولد سنة 439ق.م وقرأ على سقراط ثماني سنوات. وأرسطو تلميذ أفلاطون وأستاذ إسكندر الأكبر ومؤسس مدرسة الفلاسفة الذين كانوا يلقبون بالفلاسفة المشائين، وقد لقبوا بذلك لأن أرسطو كان يتمشى وهو يلقي دروسه على تلامذته.
أرسطو الفيلسوف اليوناني.
أما أفلاطون فكان كغيره من فلاسفة اليونان يقرأ عليه عدد من الشبان، وكان يلقي خطبه في غاب قرب أثينا يدعى أكادميا، ومن ذلك الحين صارت هذه اللفظة (أكادميا) تطلق على المدارس العالية أو الجمعيات العلمية.
وكان أفلاطون بعيد الصيت حتى جاء أكبر رجال العالم ليقرأ عليه، وكان ذا تصورات عالية في الدين والفضيلة والصدق، وكان يلقي كل ذلك بفصاحة وبلاغة حتى يسحر السامعين، فكان اليونانيون يقولون: إنه أفلاطون الإلهي.
وهناك فلاسفة آخرون من اليونان، لكن لا بد لنا من الإغضاء عن ذكرهم مراعاة للمقام. ونتكلم عن شعرائهم، أولهم وأشعرهم وأقدسهم هوميروس، وربما يصح القول إنه أشعر شعراء العالم، أما مولده وتاريخ ولادته ونوع معاشه ومحل وفاته فأمور غير مقطوع بها، غير أن المظنون أنه عاش نحو القرن العاشر قبل الميلاد، وأنه كان شاعرا متجولا من مكان إلى آخر يتلو أشعاره على الناس وينشدها، ومن أشعاره الإلياذة والأودسا، وكل منهما عبارة عن رواية شعرية باللغة اليونانية القديمة، جمعهما ليكورغس ورتبهما بيستراتس، وموضوعهما أعمال الأبطال والآلهة التصورية ويتضمنان حقائق تاريخية كثيرة عن حروب تروادة وغيرها.
هوميروس الشاعر اليوناني.
وهناك شعراء آخرون كثيرون يونانيون بعضهم بعيد الشهرة مثل الأكربون، وقد نظم عن المحبة والخمر، وبندار نظم قصائد عالية، وفيوقرنس وكان ينشد عن الرعاة والراعيات الذين كانوا في بلاده، وغير هؤلاء نظموا قصائد لأجل الألعاب منهم أخيلس وصوفوقليس وبوربيدس وغيرهم.
ولا يخفى عليك أن اليونان على كثرة فلاسفتهم وشعرائهم قد جهلوا حقائق كثيرة يعلمها صغار صبياننا؛ فقد كانوا يجهلون دوران الأرض وحركات الأجرام السماوية، فلا تنتظر إذا أن تستفيد شيئا من تعاليمهم عن الجغرافية والفلك.
أنواع المعيشة عند اليونانيين القدماء
كان يلبس رجالهم رداء داخليا يقال له صدرة، ويلبسون فوقه وشاحا، وكان القدماء منهم يجولون حاسري الرءوس، ثم بعد ذلك اتخذوا القبعة التي كانوا يربطونها تحت أذقانهم.
أما النساء فكن يسترن رءوسهن بقناع مسترسل على أكتافهن، وكن يزين شعورهن ببعض الجنادب المصنوعة من الذهب، ويجعلن في آذانهن أقراطا، أما ما بقي من ثيابهن فصدرة مقفلة تحيط بها منطقة عريضة مسترسلة إلى أقدامهن.
أما طعامهم الاعتيادي وساعات الطعام فكانت على هذه الصورة: أولا الفطور، وكانوا يتناولونه عند شروق الشمس. ثانيا الغداء في منتصف النهار. ثالثا الطعام العصر. رابعا العشاء، وكان أهم وقعات أكلهم؛ لأنهم كانوا يتناولونه بعد انقضاء أشغالهم.
أما أنواع الطعام فكانت في أقدم أزمانهم من ثمار الأرض وشرابهم من مياهها، ثم اتخذوا لحوم الحيوانات، وكانوا يعتنون بالطعام، وقد تقدم أن السبارطيين كانوا يأكلون على موائد عمومية، أما فقراؤهم فكانوا يقتاتون على الجنادب وأطراف الأغصان، ويقال بالإجمال: إن اليونانيين كانوا يحبون اللحوم، أما شرابهم الاعتيادي فالماء إما باردا أو حارا، وفي الغالب كانوا يبردون الماء بالثلج، على أنهم كانوا يستعملون الخمور، وبعض الأغنياء كانوا يشربون الخمور المعطرة.
وكان من عوائدهم إذا دعوا إلى احتفال عمومي أن يغتسلوا ويتطيبوا قبل ذهابهم، فإذا وصلوا مكان الدعوة يستقبلهم صاحب الضيافة، وقد يقبل شفاههم أو أيديهم أو ركبهم أو أقدامهم تبعا لنسبته إليهم، وفي كل حال لم يكن يختلط النساء منهم بالرجال في احتفال واحد.
وإذا جلسوا إلى الطعام فيجلسون منتصبين على كراسي، ثم ينكثون على الفراش، وقبل أن يشرعوا في الأكل يقدم قسم من الطعام ذبيحة للآلهة، وكانوا يشربون النخب على صحة الحاضرين أو الغائبين، وكلما ذكروا اسم شخص يسكبون بعضا من الخمر على الأرض ويدعون ذلك السكيبة.
ولما ينتهي الاحتفال ينشدون نشيدة إلى الآلهة، ثم تضرب الموسيقى ويبدأ الرقص وما شاكل ذلك من دواعي السرور.
أما أبنيتهم فالأغنياء كانوا يصنعونها من الحجارة وقد يكللونها بالنقوش، أما عامة الشعب فكانوا يسكنون في أكواخ مصنوعة من حجر خشن مبني بالدلغان.
أما أسلحتهم فكانوا يستعملون في الحرب أنواعا كثيرة من الأسلحة، فكان بعضهم ينقل القوس والنشاب وبعضهم النبال، وآخرون الرماح وآخرون المقلاع، وكانوا ينقلون الأتراس لدفع أسلحة أعدائهم.
ولا يخفى على القارئ أنه لم يكن في ذلك الزمن بارود، وعليه لم يكن ثم منفعة للبنادق والمدافع، وفي الحرب كان يلتحم الجيشان قدم لقدم وصدر لصدر، ولما كان الإنسان في أول أزمانه محبا للحروب، فكانوا يقيمون حول المدن أسوارا عالية دفعا للأعداء، ودام ذلك زمنا طويلا، ولا تزال آثار هذه الأسوار ظاهرة في سائر المدن والبلاد.
أما إبطال الأسوار في هذه الأيام؛ فلأنها لا تدفع مهاجما؛ إذ إن المدافع تحفها بالأرض مهما كان عظمها، وإذا لم تقو عليها المدافع فباللغوم.
فيليب المكدوني وقدومه إلى اليونان
يتذكر القارئ أننا سكتنا عن تاريخ اليونان عند انتهائنا من حروب طيبة، والآن نعود إلى استيفاء الكلام عن تاريخهم فنقول: لم يمض على حروب طيبة زمن يسير حتى داهمت اليونان حرب أخرى دعيت الحرب المقدسة، وسبب ذلك أن شعب قوقس كان قد حكم عليهم بأمر مجلس الإمفكتيون بدفع غرامة عظيمة؛ لأنهم حرثوا حقلا من ملك هيكل أبولو في دلفي، فعوضا من أن يدفعوا الغرامة جردوا للحرب، واتحد معهم شعوب أثينا وإسبارطة وإخائية، أما شعوب طيبة ولقربة وتسالية فانحازوا إلى المجلس، وطلبوا إلى فيليب ملك مكدونية أن يتحد معهم.
يذكر بعض المؤرخين مملكة مكدونية في جملة أيالات اليونان، ويقول آخرون: إنها مستقلة، ومع أنها تأسست قبل ذلك الحين بنحو 500 سنة، فهي لم تبلغ شيئا من القوة إلا لما تولاها فيليب، وكان هذا الملك طماعا محبا للحروب، فحالما سار جيشه إلى اليونان عن له أن يستولي عليها كلها لنفسه، ولم يكن اليونانيون إذ ذاك مثلما كانوا عليه قبلا من السطوة، ولم يعد لديهم أحد مثل ليوتيدس وسلتبادس أو إيباميتندس.
ولم ير فيليب في حروبه صعوبة إلا بسبب ديموستينس أحد خطباء الأثينيين، بل هو أخطب الخطباء فإنه خطب في الأثينيين خطبا ضد فيليب، فكان يجدد قواهم ويثير حميتهم ويشدد قلوبهم لدفعه، ولكن الأثينيين غلبوا في خرونيا سنة 338ق.م فوضع فيليب يده على أعمال اليونان إلى موته، وربما كان أجدر بالحكم من غيره من اليونانيين إلا أنه لم يكن يخلو من الرذائل التي من جملتها حب المسكر، فإنه كان سكران ذات يوم وحكم في قضية حكما جائرا، فصاح المحكوم عليه: «إني أستأنف دعواي من فيليب السكران إلى فيليب الصاحي.» وبالفعل لما صحا فيليب من سكره وعرضت عليه الدعوى حكم للرجل.
ومما يحكى عنه أن امرأة كان لها عنده شغل فالتمست مقابلته مرارا، فكان يماطلها من وقت إلى آخر بقوله أن لا فرصة عنده لمقابلتها، فقالت له مرة: «إذا لم يكن لك وقت لإجراء العدل فليس لك حق بالملك.» فخجل فيليب من ذلك وتعلم منها كيف يجب أن يقوم بواجباته نحو مملكته.
وعاش فيليب بعد استيلائه على اليونان نحوا من سنتين، وكان هناك شاب من الأشراف اسمه بوسانياس من ضباط الحرس، وكان قد ظلمه أحد أقارب فيليب فعرض دعواه لفيليب فلم ينصفه، فأصر بوسانياس على قتل الملك فاغتنم يوم زفاف ابنته وكمن له داخل قاعة الزفاف وكانت مزدحمة بالناس، فهجم بوسانياس حالا وطعن الملك بقلبه طعنة قضت عليه ، ففرح الأثينيون بموت فيليب وقرروا جهارا بمكافأة بوسانياس بإكليل من الذهب جزاء له على قتل فيليب؛ لأن كل أيالات اليونان كانت ضده.
الإسكندر الأكبر وفتوحاته.
وتولى الملك بعد موت فيليب المكدوني ابنه الإسكندر، وكان سنه إذ ذاك 20 سنة، ولقب بعد ذلك بالأكبر، وقد أظهر الإسكندر على صغر سنه بسالة وإقداما جعلتاه مفتتح العالم.
وأول أعماله الحربية إخضاع ولايات اليونان، ولم يكلفه ذلك أكثر من واقعة واحدة، ثم جند من اليونانيين وتم تحت رايته جند كبير، وأخذ يسعى إلى حرب مع الفرس فسار إليها في جيش مؤلف من خمسة وثلاثين ألف رجل، فقطع به بوغاز الدردنيل وسار مخترقا آسيا الصغرى قاصدا بلاد فارس، وقبل أن يبلغ حدودها التقى في إيسوس بداريوس ملك الفرس وقد جمع جيشا عظيما، فحاربه وانتصر عليه وقتل من جيشه مائة وعشرة آلاف.
فعاد داريوس وجمع جيشا بلغ نصف مليون من الرجال، وتقدم لملاقاة الإسكندر في إربلا سائرا في وسط جيوشه على مركبة عظيمة أشبه بعرش ماش يحيط به حرسه بالسلاح التام، فلما التقى الجيشان جرت واقعة شديدة أظهر فيها الفرس بسالة عظيمة، لكنهم لم يستطيعوا الثبات أمام جيوش الإسكندر فالتمسوا الفرار وتركوا ملكهم وحده في مركبته، وهو لم يتمكن من امتطاء جواده والفرار من الموقعة إلا بعد جهد عظيم، ولكنه لم ينج من الموت، فذبحه اثنان من رجاله فتم النصر للإسكندر فتقدم إلى فرسيوليس عاصمة الفرس إذ ذاك، وكانت مدينة عظيمة في قصرها الملوكي تمثال هائل لإكسرزيس (احشوريش)، أما المكدونيون فحطموا التمثال ودكوه إلى الأرض.
ولما ذاق الإسكندر حلاوة النصر انهمك بملذاته وأكثر من شرب المسكر، فبينما كان ذات ليلة في مأدبة بفرسيوليس، أقنعته إحدى فتيات قصره من اليونان أن يحرق المدينة فأحرقها للحال.
وكان لما أخضع الفرس هم بالمسير إلى الهند وهي تحت رعاية ملك يورس، ويقال إن طوله كان سبع أقدام ونصف، وجند جيشا عظيما وسار لملاقاة الإسكندر، وكان في جملة جيش يورس عدد من الأفيال تعلمت الهجوم على الأعداء لمحاربتهم، ولم يكن عند الإسكندر شيء منها غير أن السعد كان لا يزال خادما له، فعادت العائدة على جيش الفرس فقبض على ملكهم وقيد مغلولا إلى خيمة الإسكندر، فنظر إليه الإسكندر مندهشا لعظم هامته وطول قامته قائلا: كيف أعاملك؟ فأجابه يورس: «معاملة الملوك.» فأمعن الإسكندر في ذلك الجواب وفكر في نفسه؛ كيف كان يريد أن يعامل هو لو كان في تلك الحالة فجعل يعامل ذلك الملك بكل إكرام.
نعم، إن الإسكندر أظهر في أول حياته أعمالا يعجز عنها كبار الرجال غير أن نجاحه وتأييد مساعيه آلا أخيرا إلى خرابه؛ إذ قاده الكبر والخيلاء إلى أن يحسب نفسه في مصاف الآلهة وشوه أعماله تشويها لا يليق بإنسان مثله، وأقبح تلك الأعمال قتل كليتوس أحد الذين حاربوا في أيام أبيه، وكان قد أنقذ حياته مرة من الموت وقد حصل بسبب ذلك على حرية التكلم معه.
ففي ذات ليلة بعد أن شربوا كثيرا من الخمر أخذ الإسكندر يطنب بأعماله أمام كليتوس، وبالغ فيها كثيرا، فقال له كليتوس: إن أباه فيليب فعل ما هو أعظم من ذلك كثيرا، فاغتاظ الإسكندر واختطف للحال رمحا من أحد الخدمة وطعن كليتوس طعنة قتالة، لكنه لما رأى جثة ذلك الرجل تخبط في الأرض ندم على قتله؛ لأنه كان سببا لحياته إلا أن ندمه هذا لم يبق طويلا، فأصر على كونه من الآلهة، وأنه ابن جوبيتر فقاومه أحد الفلاسفة واسمه كالستينس مقاومة شديدة ورفض السجود له، فحبسه الإسكندر في قفص من حديد فقتل نفسه من اليأس.
ولما عاد الإسكندر من الهند إلى الفرس أصيب بمصيبة عظيمة وهي موت أعز أصدقائه هافستيون، مات من مرض نتج عن الإفراط بشرب المسكر، وبقي الإسكندر بعد موته ثلاثة أيام مطروحا على الأرض لا يتناول طعاما وبنى لفقيده نصبا من الأطياب ومواد أخرى ثمينة أنفق عليها أموالا طائلة، ووضعت جثة هافستيون على قمة ذلك النصب، وأوقد فيها النار وجعل ينظر إلى جثة صديقه نظر الحزن وهي تتحول إلى رماد.
وكان موت هافستيون بسبب المسكر عظة للإسكندر، لكنه لم يستفد منها شيئا، بل قد ذهب هو نفسه فريسة ذلك الشراب النجس؛ وذلك أنه بينما كان في بابل وقد احتفل بمأدبة فاخرة وأكثر من الشرب داهمه مرض شديد عقبه الموت.
أما ما يقال عن فضائل الإسكندر فيظهر في ما قاله له أحد القرصان (لصوص البحر)؛ وذلك أن أحد جنود الإسكندر قبض على ذلك السارق وجاء به أمام الإسكندر، فسأله كيف يجوز له معاطاة السرقة؟ فأجابه القرصان: «إن الحق الذي يخول لي السرقة هو نفس الحق الذي يخول لك الافتتاح، وإنما الفرق بيني وبينك أن أتباعي قليلون وأضراري قليلة، أما أنت فأتباعك كثيرون وأضرارك كثيرة.»
وبعد موت الإسكندر حنطت جثته ونقلت إلى الإسكندرية ودفنت فيها، وبالغ المصريون في إكرامه كأنه أعظم مصلحي العالم، وقد حاول بعضهم في هذه السنين الأخيرة العثور على جثته، وظنوا أنهم عثروا بها، ولكنهم وجدوا بعد ذلك أنهم كانوا واهمين ولا نظنهم يعثرون على ذلك.
فتوح الغاليين لبلاد اليونان
لما كان الإسكندر على فراش الموت سأله أتباعه عمن يريد أن يتولى مملكته بعده، فأجاب: «يتولاها من يستحقها.» ولكن يظهر أنه لم يكن بين رجاله من هو جدير بذلك الاستحقاق، وكانت تلك المملكة شاسعة الأطراف تمتد من بلاد اليونان إلى أقاصي الهند وفيها كثير من الأمم، فآل الأمر إلى انقسامها بين ثلاثة وثلاثين من كبار قواده، وقد أباحوا لأكبرهم استيلاء أكثر من سهم، وفي سنة 312ق.م أصبحت المملكة في يد أربعة منهم، وذلك بعد موت الإسكندر بإحدى عشرة سنة، وكان قد هلك كل أقاربه وأولاده.
أما اليونانيون فلما علموا بموت الإسكندر طمعوا باسترجاع حريتهم، وحاولوا ذلك لكنهم لم يفوزوا، فأصبحت بلادهم تحت سلطة كاسندر الذي كان قائدا لفرسان الإسكندر، وبعد يسير توفي كاسندر، ولم يبق بعد ذلك في تاريخ اليونان حوادث تتلى ما خلا الفواحش المتعاظمة والكوارث المتتابعة والمصائب المتراكمة.
وفي سنة 278ق.م سطا الغاليون أو الكلتيون على اليونان، وكان الغاليون إذ ذاك شعبا بربريا يسكنون البلاد التي تدعى الآن فرنسا، وقائدهم كان يدعى برنس وعددهم قيل إنه بلغ 160 ألفا، فسار برنس في جيشه لا يدافع إلا بالأمر اليسير حتى أتى دلفي على نية أن يستولي على الأموال الموجودة في هيكل أبولو المشهور، وقد قال برنس: إن إلها مثل أبولو لا يحتاج إلى هذه الأموال، أما أنا فلا غنى لي عنها؛ لأني إنسان، وبعث رجاله إلى الهيكل حتى أتوا إلى واجهته وكانت تحسب أقدس قسم فيه، وهناك كان يهبط الوحي العجيب الذي نتج عنه نبوات غريبة على ما يزعمون، فبينما كانت جيوش الغاليين قاصدة ذلك الهيكل صدمتهم زوبعة شديدة رافقتها رعود وإعصار، وتبع كل ذلك زلزلة اهتزت لها الأرض فأجفل الغاليون.
وكان الغاليون قد تألبوا للدفاع عن الهيكل، فلما رأوا الخلل قد تمكن من الغاليين هجموا عليهم بالسيوف، وكان الظلام قد سدل حجابه فلم يعد الغاليون يميزون صديقهم من عدوهم فصاروا يقتلون بعضهم بعضا حتى بادوا.
هذا ما نقله إلينا قدماء المؤرخين عن هذه الواقعة ولا نظنها تخلو من المبالغة؛ لأن بعض أجزائها يصعب تصديقه، وعلى كل فإنها آخر الوقائع التي انتصر فيها اليونانيون.
نهاية الاستقلال اليوناني
وأصبح اليونانيون بعد ما قاسوه من الحروب قليلي التعلق بالحرية وبالفضائل الأخرى التي كانت تميزهم من سائر الأمم، ويؤيد ذلك ما نقل الرواة عن أجيس ملك سبارطة، وكان ملكا شابا شديد الرغبة في إصلاح سبارطة وإعادة الشرائع القديمة التي كان قد وضعها ليكورغوس المتقدم ذكره، لكن السبارطيين لانغماسهم في الملذات والشهوات استولى عليهم الجبن حتى كرهوا اسم ليكورغوس، وعولوا على رفض قوانينه؛ لأنها صارمة، وبناء على ذلك قبضوا على ملكهم وقادوه إلى السجن وحكموا عليه بالموت، فلما جاءت ساعة تنفيذ الحكم نظر إليه الجلاد وبكى فقال له أجيس: لا تبك لأجلي؛ لأني أسعد حالا من الذين حكموا بقتلي.
وبعد قتله ببرهة وجيزة جاءت أمه وجدته إلى السجن لترياه وهما غير عالمتين بقتله، فقادوهما إلى سجنه وقتلوهما ورموا جثتيهما فوق جثته.
وبعد تلك الفعلة الشنعاء بمدة تولى على الإسبارطيين ملك يقال له نابس، وكان ظالما كثيرا حتى خيل للناس أنه إنما أرسل لعذاب الناس، وكان في قصره تمثال جميل جدا يشبه زوجته وعليه غطاء ثمين يليق بالملكة، ولكن صدر ذلك التمثال وزنديه ملآنة بالمسامير الحادة، إلا أنه مغطى بثياب جميلة، فكان الملك نابس إذا أراد استخراج مال من أحد دعاه إلى قصره أوقفه أمام ذلك التمثال، فيحتضنه التمثال بيديه ويضمه إلى صدره بواسطة آلات غير منظورة، فإذا حاول الرجل النجاة لا يستطيع؛ لأنه مسمر بين يدي التمثال، فيبقى والمسامير قد غرزت في لحمه حتى يدفع لنابس المال الذي يريده.
فلا يعجب القارئ من بعد ما علم من تصرف ملوك اليونان هذا إذا رأى الرعية تميل إلى التخلص من حكمه، ففي سنة 146ق.م دخلت اليونان تحت سلطة رومية.
هذا ملخص تاريخ الدولة اليونانية القديم، وقد رأيت أن فيه كثيرا من الأمور المهمة، أما تفصيله فتتكفل به المجلدات الكبيرة.
تاريخ اليونان الحديث
أما تاريخ اليونان الحديث فمتصل بتاريخ الأمم الأخرى، ولم يعد اليونانيون بعد دخولهم في حوزة الرومانيين على شيء من السطوة، وانحطت منزلتهم إلا فيما يتعلق بشعرائهم ومؤرخيهم وناحتيهم، وفي الجيل الثالث بعد الميلاد انقسمت المملكة الرومانية إلى قسمين شرقي وغربي، وكانت عاصمة المملكة الشرقية القسطنطينية، أما بلاد اليونان فكانت تحت حكومة هذا القسم، وكانت تدعى أحيانا المملكة الشرقية باسم مملكة اليونان.
وفي سنة 1450م افتتح العثمانيون مملكة الرومان الشرقية، فدخلت اليونان في حوزتهم، وما زال العثمانيون يعاملون اليونان معاملة الرعية مدة أربعة أجيال.
أخيرا في سنة 1821 ثار اليونانيون على دولتهم، فحصلت بينهما حرب دامت مدة طويلة، وحدث أثناءها أعمال فظيعة من الجانبين، وقد ساعد اليونانيون في تلك الحروب كثير من الأمم الأخرى، فإن الإنكليز والفرنساويين والروسيين أمدوهم بالعمارات البحرية، وكانت سواحل اليونان ملآنة بالبوارج الحربية جميعها تحت قيادة الأميرال الإنكليزي اسمه السر أورد كدرنتون، وفي أوكتوبر (تشرين الأول) سنة 1827 هاجمت هذه العمارات عمارة عثمانية مؤلفة من مائتي دارعة في بوغاز نفارينو بالمورة، فغرقت دوارعهم وبعضها احترق، وأصبح اليونانيون من ذلك اليوم مستقلين.
غير أن الدول الأخرى رأت أن اليونانيين ليسوا أهلا لأن يحكموا أنفسهم كما يجب، فاختارت لهم إنكلترا وفرنسا وروسيا ملكا اسمه أوثو، وكان شابا يبلغ الثامنة عشرة من العمر من عائلة ملوك بافاربا، تولى الملك سنة 1829، على أنه لم تكن فيه كل الكفاءة لإرضاء الشعب، فأنزل سنة 1862 وبقيت اليونان مدة قصيرة تحت حكومة وقتية.
وفي سنة 1863 اهتم اليونانيون في انتخاب ملك، فانتخبوا البرنس الفرد ابن ملكة إنكلترا، غير أن الحكومة الإنكليزية لم تصادق على ذلك الانتخاب، فانتخبوا ابن ملك الدنمارك فجاء إلى بلاد اليونان في نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1863، واستلم زمام الأحكام ودعي جورج الأول، وقد كانت جزائر اليونان قبلا تحت حماية الإنكليز فأضيفت إلى حكومة اليونان، وأصبح اليونان من ذلك الحين مستقلين استقلالا تاما.
جدول حوادث اليونان
الحدث
ق.م
تأسيس أبناخس لبلاد اليونان
1856
تأسيس سيكروبس لأثينا
1556
تأسيس كورنثوس
1520
تأسيس ليكس لسبارطة
1516
تأسيس قدمس لطيبة
1500
الحملة الأرغونونية
1262
اتحاد أيالات اليونان الاثنتي عشرة
1257
حصار تروادة
1193
ولادة هوميروس الشاعر
900
وضع ليكورغوس لشرائع سبارطة
884
وضع صولون لشرائع أثينا
643
ظهور الفيلسوف بهاس
617
موقعة ماراتون
490
وفاة بركليس
429
إعادة الحكومة الأصلية إلى أثينا
402
موقعة ليوفطرا
271
وفاة إيبامنينداس
262
موقعة خيروتيا
228
موت فيليب ملك مكدونية
326
موت الإسكندر الأكبر
222
خضوع اليونان لكسندر
222
انقسام مملكة الإسكندر
212
غزو الغاليين لليونان
278
وفاة أجيس
244
دخول اليونان في حوزة الرومانيين
146
الحدث
ب.م
فتوح العثمانيين القسطنطينية وسائر المملكة الشرقية
1452
ثورة اليونانيين ضد العثمانيين
1821
موقعة نافارينو
1827
تولية أوثو مملكة اليونان
1829
اعتراف الباب العالي باستقلال اليونان
1830
ثورة في أثينا
1842
خصام بين العثمانيين والباب العالي
1854
خراب كورنثية بزلزلة
1858
خلع أوثو
1862
انتخاب جورج الأول
1863
زفاف جورج الأول إلى البرنسس أولغا
1867
مملكة رومية
حالة إيطاليا الآن
إيطاليا قطعة من الأرض تمتد من جنوبي أوروبا مستدقة في البحر المتوسط على شكل القدم، وكأن جزيرة سيسيليا على إبهامها حسنة الإقليم، ويغلب فيها الربيع والصيف، تربتها في غاية الخصب، ومن محصولاتها أنواع الخمور وأحسن زيوت أوروبا والحرير بكثرة، وسائر أنواع الحبوب والبرتقال والليمون والرمان واللوز والعنب والتين والسكر والكمثرى والمشمش؛ وغير ذلك من الأثمار.
وقد نبغ في إيطاليا جماعة كبيرة من رجال السياسة والمؤرخين والشعراء والموسيقيين والمصورين والحفارين وسائر الفنون الجميلة.
والإيطاليون حسنو الملامح متناسبو الأعضاء، أما لباسهم فتابع لعوائد البلاد التي كانوا يحتلونها، وهم على جانب من الرقة واللطف وحسن الذوق، ولكنهم مع ذلك كثيرو الخرافات ومحبو الانتقام.
وفي إيطاليا مدن كثيرة كبيرة يسكنها آلاف من الناس، وفيها كثير من الكنائس الكبيرة والقصور الجميلة معظمها مبني من الرخام، غير أنك إذا شاهدتها تقرأ عليها ملامح الانحلال، ويظهر لك أنها على عظمتها لا تقارنها السعادة.
ومن مدنها فلورنسا ورومية ونابلي ومدن أخرى، وفيها مجموعات من الصور والتماثيل في غاية من الجمال، وجميع هذه الصور من مصنوعات الصناع المشهورين الذين عاشوا في إيطاليا أثناء القرون الخمسة الأخيرة، أما التماثيل فمن مصنوعات الناحتين الذين عاشوا في أزمنة مختلفة أثناء العشرين جيلا الأخيرة، ويظن أن بعضها مصنوع على عهد اليونانيين في أيام باركلس.
وتقسم هذه المملكة إلى أقسام سبعة وهي: (1)
جزيرة سردينيا نحو الشمال، ومن مدنها جنوا ونبقا ونورين. (2)
لومبارديا ومن مدنها ميلانو وفيرونا وفينيس أي البندقية. (3)
بارما. (4)
مودينا وقصبتها مدينة بارما ومودينا. (5)
توسكانا وقصبتها مدينة فيورنسا. (6)
أملاك البابا وقبتها مدينة رومية. (7)
نابولي وقصبتها نابولي ولها جزيرة سيسيليا.
وقد كانت هذه الولايات مستقلة أحكامها بعضها عن بعض إلى سنة 1620 فاتحدت إلى مملكة واحدة تحت اسم إيطاليا.
وليس في إيطاليا ما يهم البحث عنه أكثر من خرائب رومية القديمة؛ لأن بين هذه الخرائب ما لا يزال قائما ينطق بعظمة بانيه، كما تشاهد في مصر آثار المصريين القدماء وفي اليونان آثار اليونانيين القدماء.
وأشهر البنايات الحديثة في إيطاليا وأعظمها كنيسة القديس بطرس في رومية يبلغ ارتفاعها نحو خمسمائة قدم، وبجانبها الفاتيكان وهو القصر الجميل الذي يسكنه البابا.
فإذا سرت إلى نابولي تشاهد على بضعة أميال منها جبلا مشهورا يقال له: جبل فيزوف، وهو بركان يتصعد من قمته دخان ولهب ومعادن ذائبة في أوقات معلومة من السنة، وهذا الجبل قديم في تلك الحالة، وقد سبب ثورانه هذا خراب مدن كثيرة مجاورة له.
فإذا سرت إلى سيسيليا تشاهد هناك جبلا آخر بركانيا يدعى جبل أتنا يخرج منه أيضا من وقت إلى آخر بخار ودخان ومواد ذائبة، ومع ذلك فإن على سفحه قرى ملآنة بالسكان، وتشاهد هناك كروم العنب خصبة وحدائق جميلة وأحراشا من التين والبرتقال والزيتون.
تأسيس رومية
رومية أشهر أقسام إيطاليا وتاريخها كتاريخ غيرها من المدن القديمة كله حروب وقتل وظلم، وهي واقعة على نهر تيبر في إيطاليا، تبعد عن البحر 16 ميلا، ويظن أن مؤسسها روملس سنة 752ق.م وكان روملس رئيسا لثلاثة آلاف من المنفيين فابتنوا أكواخا على تل يقال له بلاتين، وأحاطوا تلك الأكواخ بسور يحمون به ذمارهم، هكذا كان أول منشأ هذه المدينة التي أصبحت أعظم مدن العالم.
ويقال: إن ذلك السور كان واطئا حتى إن ريمش أخا روماس وثب من فوقه وقال: أتدعون هذا سور مدينة، فاغتاظ روملس من ذلك وضرب أخاه ضربة قتله بها، وكان هو أول قتيل لطخ دمه أسوار رومية.
فلما استقر المقام لروملس وأصحابه في تلك المدينة رأوا أنفسهم في احتياج إلى النساء لحفظ نوعهم، وكان في إيطاليا إذ ذاك كثير من القبائل المتوحشة وفي جملتها قبيلة الصابنيين، وكانوا يسكنون بجوار رومية، ولا يسمحون بزواج بناتهم للرومانيين، فاخترع روماس حيلة ليأخذ بها النساء قهرا؛ وذلك أنه دعا كل الصابنيين لمشاهدة ألعاب يلعبها هو وأصحابه، فقبل الصابنيون الدعوة وجاءوا ومعهم كل الفتيات اللواتي كن في المدينة، وهم لا يعلمون بالحيلة، وفي أول الأمر انسر الصابنيون بالألعاب التي أجراها الرومانيون، ولكن بعد قليل أشار روملس إلى أصحابه وهجموا على الصابنيين بغتة وفي أيديهم السيوف، فانذعر الصابنيون وطلبوا الفرار، فاختطف كل من الرومانيين أجمل ابنة وصلت إليها يده، وسار بها إلى بيته حتى لم يبق أحد بغير امرأة.
وحصل بسبب ذلك حرب بين الرومانيين والصابنيين دامت زمنا طويلا، وأخيرا أخرج الصابنيون حملة كبيرة إلى رومية وتهددوها وهي ضعيفة كما رأيت، فخرجت نساء الرومانيين وهم بنات الصابنيين إلى خارج المدينة يلتمسن الصلح، وقلن لآبائهن إن الحرب مضرة بنا مهما كانت غايتها ، فأنتم آباؤنا والرومانيون أزواجنا وهاك أولادهم على أيدينا، فأثر ذلك في قلوب الصابنيين وانتهت الحرب بالسلم وعقدت معاهدة الصلح.
وأول حكومة أقيمت في رومية كانت مؤلفة من الملك والشيوخ، فانتخب روملس ملكا وحكم 37 سنة، وقد اختلف المؤرخون في كيفية انقضاء حكمه قال بعضهم: إنه بينما كان جالسا في بيت المشيخة يبلغ أوامره بشأن البلاد؛ إذ أظلمت القاعة بغتة والشمس لا تزال مشرقة في الخارج، ثم أشرقت الشمس من داخل فشوهد كرسي روملس فارغا وقيل: إنه أخذ إلى السماء.
وقال آخرون: إن رجال مشيخته غضبوا عليه لظلمه، فجروه من كرسيه ومزقوه إربا، ويغلب على الظن صدق الرواية الأخيرة، وعلى كل حال إن روملس اختفى من رومية بغتة ولم يعد يشاهد فيها.
محاربة الهوارتيين والكورياتيين
وبعد روملس تولى على رومية توما بومبيليوس، وكان ملكا حكيما محبا للسلام قضى إحدى وأربعين سنة في وضع الشرائع ونشر الصنائع ولا سيما الزراعة.
وخلف توما تولوس هوستيلوس وكان محبا للحرب، وفي أيامه تخاصم الرومانيون والألبانيون وكانوا جيرانا، واتصل الخصام إلى الحرب وتراضى الجانبان بالمبارزة بين ثلاثة من أحد الفريقين وثلاثة من الآخر، وكان في جيش الألبانيين ثلاثة إخوة، وكل منهم يدعى كورياتوس، وكان بين الرومانيين أيضا ثلاثة يدعى كل منهم هوراتوس، فتقرر أن يكون البراز بين هؤلاء، فلما ابتدأ البراز تقدموا إلى ساحة البراز والجند من الجانبين وقوف بأسلحتهم ينتظرون نتيجة ذلك البراز.
فظن الناس في بادئ الرأي أن الفوز للكورياتيين؛ لأن اثنين من الهوارتيين قتلا ولم يبق إلا الثالث، فخاف الرومانيون؛ لأن في انكسار هذا الثالث انكسارهم واستعبادهم عند الألبانيين، ولكن الكورياتيين كانوا قد أصيبوا بجراح وكان الهوارتي عالما بذلك فتقهقر مظهرا الفرار فتبعوه، وبما أن جراحهم كانت تتفاوت تأثيرا تأخر بعضهم عن بعض، فلما صار بين الواحد والآخر مسافة بعض الأمتار، عاد هوراتوس إليهم فالتقى بالأول فزجه، ثم بالثاني فألقاه صريعا بضربة، وهكذا فعل بالثالث.
فلما رأى الألبانيون ذلك علا وجوههم الاصفرار، وطرحوا أسلحتهم من أيديهم وتنازلوا عن حريتهم.
أما الرومانيون فصاحوا صيحة التهليل لهوراتوس؛ لأنه أنقذهم من الاستعباد وعادوا إلى المدينة فرحين به وبأعماله ، وبينما هم عند باب المدينة لاقتهم امرأة تصفق صفقة الحزن، وكانت أخت هوراتوس، وسبب مجيئها على تلك الحالة أنها كانت تحب أحد الكوراتيين، فلما رأت أخاها جعلت توبخه؛ لأنه قتل حبيبها.
وكان السيف الملطخ بالدماء لا يزال بيد هوراتوس وسورة الانتقام لا تزال في رأسه، فلم يمكنه احتمال ما رآه من أخته؛ لأنها ندبت أحد المقتولين بيده ولم تندب أخويها، وزد على ذلك أنها وبخته على مشهد من الناس، فطعنها بالسيف فسقطت لا حراك بها.
فحكم على هوراتوس من أجل ذلك بالإعدام، ثم عفي عنه مكافأة لما أتاه من الأفضال على المملكة الرومانية، فإن ذلك الذنب ليس شيئا بالنسبة للفخر الذي اكتسبه ببسالته وتدبيره.
تولية إنكوس مارتيوس إلى طرد الملوك
وبعد موت هوستيليوس انتخب الرومانيون إنكوس مارتيوس، ثم خلفه تركوين الأكبر ابن أحد التجار العظماء، وعقب هذا سرفيوس طولوس، وبعد أن حكم سرفيوس 44 سنة قتله صهره تركوين طمعا بالملك.
ففرحت طوليا امرأة تركوين وهي ابنة الملك على أمل أن تكون ملكة، فركبت مركبة وسارت لتهنئة زوجها، فمرت في الشارع الذي كانت فيه جثة أبيها المقتول مطروحة على الأرض فأراد سائق المركبة أن يحول عنان الخيل لئلا تدوس الجثة، فانتهرته وأمرته أن يسير مستقيما فأطاع أمرها، وكان الشارع ضيقا فمرت المركبة فوق جثة الملك وتلك الشقية لم تتأثر من ذلك مطلقا مع أن عجلات مركبتها تلطخت بدماء أبيها.
فتولى زوجها مملكة رومية ودعي تركوين المتعجرف، لقبوه بذلك لأنه كان متكبرا ظالما مستبدا لا شيء يرجعه عن استبداده، ويقال عنه أقاصيص يضيق عنها هذا المختصر.
ومما يروى عنه أن امرأة جاءته مرة وفي يدها تسعة كتب ولم يعلم أحد من أين أتت، ولا ما هي تلك الكتب وطلبت إلى الملك أن يشتري الكتب، ولكنها طلبت ثمنا كبيرا فامتنع تركوين عن ابتياعها، ولا سيما وأنه لم يعلم ما تتضمنه.
فمضت المرأة وأحرقت ثلاثة منها، وعادت بالبقية إلى تركوين ليشتريها وطلبت بها الثمن الذي طلبته بالتسعة، فأبى تركوين أيضا.
فخرجت المرأة، ثم عادت حالا وفي يدها ثلاثة كتب فقط وعرضتها على الملك بالثمن عينه، فتراءى لتركوين أن في تلك الأعمال سرا، فأخذ الكتب ودفع الثمن، أما المرأة فجعلت الكتب في يد الملك وخرجت ولم تعد تظهر بعد ذلك.
ففتح الملك الكتب فإذا هي نبوات تتعلق بالحوادث التي ستحصل لرومية، وقد حفظت تلك الكتب في مكتبة رومية أجيالا، وقلبها ملوك كثيرون يستطلعون منها مستقبل حوادثهم على ما يزعمون.
ولا يبعد أن تكون هذه الحكاية خرافة، ويروون كثيرا من أمثال هذه الحكاية وقد أغفلنا ذكرها.
وبعد أن حكم تركوين المتعجرف عشرين سنة أخرجه الشعب مع عائلته من رومية، وكان سبب خروجه أن ابنه سكستوس سبب انتحار إحدى السيدات الشريفات واسمها لوكرينيا.
وكان إخراج تركوين وعائلته من رومية سنة 506 قبل الميلاد، وهو آخر ملوك رومية، وأصبحت حكومة رومية بعده مؤلفة من المشيخة وقاضيين يقال لهما قنصلين، ينتخبان كل سنة، وأول من انتخب لذلك بروتوس وكولاتينوس.
ومما يروى عن عدالة بروتوس الصارمة أنه حكم على ابنيه بالإعدام؛ لثبوت اشتراكهما بدسيسة تتعلق بإعادة حكم تركوين، وأمر بتنفيذ الحكم بحضوره حالا.
تاريخ كورليانوس
كانت أعمال الفروسية مشهورة بين الرومانيين في تلك الأعصر، وكان فيهم شاب اسمه موسيوس سكيفولا مشهورا بقوته، وكان قد أخذ أسيرا عند جيوش أورسا ملك أتروربا أو تسكانا، وكانت بينه وبين رومية حرب وكان موسيوس عازما على قتل ذلك الملك فلم ينجح ولذلك تهدد بالتعذيب.
فأوقد بجانبه نارا ووضع يديه في وسط اللهيب وما زال صابرا حتى احترقت وتطاير دخانها، فأظهر بذلك لأورسا أن لا نوع من أنواع العذاب يغير شيئا من شجاعته، وربما كان في هذه القصة كثير من المبالغة.
ويقال بالإجمال إن الرومانيين كانوا منذ تأسيس رومية منقسمين إلى قسمين أشراف وعوام ما يشبه شعب إنكلترا اليوم، وكان في جملة الأشراف المشيخة ومعظم أغنياء البلاد وكذلك القناصل، ولذلك كانت القوة كلها تقريبا في أيدي الشرفاء، وقد نتج عن ذلك خصام متواتر بين الفريقين، وتقرر أخيرا انتخاب خمسة قضاة من العامة يتألف منهم مجلس يقال له مجلس القضاة ويكون انتخابه سنويا.
فحط هذا المجلس من نفوذ الأشراف شيئا، ولذلك فإن أعضاءه كانوا مبغضين منهم، وكان بين الأشراف رجل يقال له: كورليانوس حاول إلغاء مجلس القضاة مرارا، لكنهم كانوا أشد منه بأسا ففازوا عليه حتى تمكنوا من نفيه، فخرج كورليانوس من المدينة وصار إلى أراضي الفولسيين، وكانوا ألد أعداء الرومانيين فجند منهم جندا عظيما، وسار لمحاصرة رومية فارتاع أهل المدينة لما سمعوا ذلك، فبعثوا لملاقاته وفدا مؤلفا من كبار المشيخة يريدون حل المشكل، فعادوا بخفي حنين فبعثوا إليه وفدا من الكهنة فلم ينجح هذا أيضا.
أما كورليانوس فما زال يتقدم حتى نصب خيامه على مسافة قصيرة من أسوار رومية، وأخذ ينظر إلى المدينة واستعد للهجوم عليها في اليوم الثاني، وبينما هو في ذلك جاءه وفد ثالث من نساء الرومانيين بأشد الحزن والكآبة تتقدمهن فيكتوريا والدة كورليانوس وفرجيليا امرأته ومعها أولادها تقودهم بيدها، فلما اقترب الوفد منه جثت والدته عند قدميه، وتضرعت إليه أن لا يكون سببا لخراب تلك المدينة التي ولد فيها، فحاول كورليانوس دفع ما ترجوه كما دفع مطالب المشيخة والكهنة، ولكنه مع كل ما بقلبه من القساوة والكبر لم يستطع مقاومة والدته، فأجابها يا والدتي فليكن كما تريدين، واعلمي أنك قد أنقذت رومية، ولكن قد عدمت ابنك وهكذا حصل؛ لأن الفولسيين لما علموا بكفه عن مهاجمة المدينة وانسحابه منها اغتاظوا عليه وقتلوه في أنطيوم.
غزو الغاليين رومية وأول حرب البونيين
وعقب الحوادث المتقدم ذكرها تغييرات عديدة في الحكومات الرومانية، وذلك أن نفوذ العامة فاق نفوذ الأشراف كثيرا؛ فنتج عن ذلك نجاح رومية داخليا وخارجيا، لكنهم أصيبوا سنة 390 قبل الميلاد بخطب عظيم، وذلك أن جيشا من الغاليين (اليوم الفرنساويون) جاءوا لافتتاح رومية، وكانوا تحت قيادة برنوس ففتحوها، وساروا توا إلى دار المشيخة، فاجتمعوا بكبار الشيوخ في قاعة فاخرة على كراسي من العاج، وكان هؤلاء الشيوخ قد علموا بافتتاح المدينة، ولكنهم أنفوا من الفرار فلبثوا في أماكنهم بعزيمة ثابتة، فلما شاهدهم الرومانيون هابوا شيخوختهم، ولم يحاولوا مسهم بسوء إلا أن أحد العساكر كان فظا فأمسك بلحية أكبر الشيوخ وشدها إليه، وكان اسم ذلك الشيخ بابيروس فاغتاظ لتلك الإهانة، فرفع كرسي العاج وضرب به ذلك الجندي على رأسه، وكانت تلك الضربة سببا لضربة عظيمة على الرومانيين؛ لأن الغاليين استعظموا ذلك، فبادروا إلى الانتقام فذبحوا بابيروس وكل من كان هناك من الشيوخ، وأضرموا النار بالمدينة فاحترقت كلها ورومية إذ ذاك بما نعلمه من العظمة والزخرفة، وفيها كثير من البنايات الهائلة أعظمها الكابيتول، وهذا لم يفتحه الغاليون؛ لأن أشجع الرومانيين اجتمعوا فيه وأصروا على الدفاع حتى الموت، فحاصره الغاليون مدة حتى كادوا أن يستولوا عليه لولا أن الحرس استيقظ من صياح الوز ونهضوا للدفاع، وكانت النتيجة فرار الغاليين، وأصبح الرومانيون من ذلك الحين يحترمون الوز ولا يذبحونه ولا يأكلونه.
وأخرج الغاليون من رومية مغلوبين مذعورين بهمة رجل روماني اسمه كاميليوس، ويقال: إن الغاليين لم يرجع أحد منهم إلى بلادهم، وقيل خلاف ذلك.
وما زال الرومانيون بعد ذلك بحروب متواصلة حتى تمكنوا من إخضاع سائر أيالات إيطاليا.
وكان من ألد أعداء الرومانيين قرطجنة، وكانت مدينة منيعة في شمالي أفريقيا بالقرب من تونس الآن، وبينها وبين رومية أربعمائة ميل.
وقامت بين الرومانيين والقرطجنيين حروب دعيت الحروب البونية، أول حرب منها ابتدأت سنة 264ق.م استمرت 22 سنة حصل أثناءها حروب معظمها في البر.
كان القرجنيون شعبا بربريا إذا لم ينجح قوادهم في الحرب صلبوهم، فوقع في أيديهم مرة قائد روماني يقال له رغولوس، فأذاقوه عذابا مرا، ومن جملة ما أبدعوا به أنهم قطعوا أجفانه وعرضوا مقلتيه عريانتين إلى أشعة الشمس، ثم وضعوه في برميل مبطن بحسك الحديد.
ثم عقد بين رومية وقرطجنة صلح، وكان باب هيكل يالوس في رومية يفتح في مدة الحرب، ففي أثناء حرب قرطجنة بقي ذلك الباب مفتوحا خمس سنوات، فلما عقد الصلح أغلقوه وسمروه إشارة إلى الكف عن الحرب.
الحربان البونيان الثاني والثالث
وما لبثت أبواب هيكل يالوس حتى فتحت ثانية؛ إذ قامت بين الرومانيين والغاليين حرب انتهت بانكسار الغاليين .
وفي سنة 218ق.م أنشبت حرب أخرى بين الرومانيين والقرطجنيين عرفت بالحرب البونية الثانية، وكان القرطجنيون تحت قيادة هنبال وهو من أشهر قواد العالم، فسار بجيشه فقطع البحر المتوسط حتى أتى الأندلس (إسبانيا)، وسار منها إلى إيطاليا، وكانت جبال الألب في طريقه وهي من أعلى جبال العالم، ارتفاعها آلاف من الأقدام يعلو قممها الثلج مدار السنة، فقطع هنبال هذه الجبال وهو أول من قطعها ولم يقطعها أحد بعده إلا نابوليون الأول.
وبعد أن قطع هذه الجبال حصلت بينه وبين الرومانيين حروب عديدة كان الفوز له فيها، وفي آخر الأمر جرد قناصل الرومانيين جيشا كبيرا وساروا به لملاقاة هنبال في كنا، وفي هذه الواقعة انكسر الرومانيون شر كسرة، فانهزم أحد القناصل وقتل الآخر، وكان جملة من قتل في تلك الواقعة سبعين ألف مقاتل.
فلم يبق في رومية بعد ذلك جيش ليدافع عنها، فلو استتبع هنبال سيره توا إليها لما نجت من يده، لكنه تأخر كثيرا فترك للرومانيين فرصة كافية لإعداد مهمات الدفاع.
ولم يفز هنبال مثل فوزه في كنا؛ لأن الرومانيين نظموا جيوشا جديدة، وجاهدوا في قتال عدوهم جهادا حسنا حتى سار شيبيو أحد قوادهم في البحر لفتح قرطجنة فتبعه هنبال حالا.
فحصل بين هذين القائدين واقعة في زاما، وكان عند القرطجنيين عدد من الأفيال أصابتها نبال الرومانيين فانذعرت، وعادت تدوس جيوش هنبال، فعادت العائدة على القرطجنيين ونجا هنبال من الموقعة حافيا، وهكذا كانت نهاية الحرب البونية الثانية.
ثم جرت حرب بونية ثالثة بعد خمسين سنة، وكان الرومانيون تحت قيادة شيبيو (غير المتقدم ذكره)، أما القرطجنيون فقد ذهب هنبالهم ولم يعد عندهم هنبال آخر، وانتهت هذه الحرب بخراب قرطجنة حرقا، وما زالت النار تأكلها سبعين يوما، وكان ذلك سنة 146ق.م.
فعاد شيبيو إلى رومية ظافرا فنال جائزة الانتصار، وهي نوع من الاحتفال كان يجريه الرومانيون احتفالا بمن يفوز في الحرب من قوادهم، وهي أفخر جائزة عندهم.
سلا وماريوس
وبعد خراب قرطجنة أصبحت إسبانيا أيالة رومانية، ثم حصلت حرب بينهم وبين نوميديا وهي مقاطعة في أفريقيا يقال لها الآن جزائر الغرب، ففاز الرومانيون وأسروا يوغرطا ملك نوميديا وأودعوه السجن حتى مات.
وفي سنة 90ق.م ابتدأت حرب أهلية حصلت بين الرومانيين والأيالات الإيطالية المجاورة التي كانت من أشد أنصار الرومانيين، وقد قتل من كلا الجانبين أثناء هذه الحرب نحو ثلاثمائة ألف رجل، ثم انتشبت حرب مع متريداتس ملك بنطس في آسيا الصغرى ثبت فيها هذا القائد أمام الرومانيين نحوا من 40 سنة، ثم خضع لهم قهرا.
وفي أثناء هذه الحروب كلها اشتهر بين الرومانيين قائدان عظيمان أحدهما اسمه ماريوس والآخر سلا، وكان ماريوس فظا جريئا لا يعرف شيئا غير الحرب، أما سلا فمع كونه شجاعا محاربا فإنه كان أيضا بليغا مهذبا، وقد عظم أمر هذين القائدين حتى نشأ بينهما التحاسد، فقامت بينهما حرب أهلية أي بين الرومانيين أنفسهم وكانت فظيعة كما ترى مما يأتي.
يقال: إن أحد عساكر سلا قتل جنديا من جنود ماريوس وأخذ يجرده من سلاحه، وبينما كان يرفع الخوذة عن رأس ذلك الميت تأمل في وجهه فإذا هو أخوه فأخذ الجثة ودفنها، ثم قتل نفسه.
وفي أول هذه الحرب انتصر سلا، أما أخيرا فتمكن ماريوس من امتلاك رومية، وأقر على قتل كل من لم يكن على دعوته، فقتل المشيخة وغيرها من أعيان البلاد جهارا حتى أصبحت الجثث ملقاة في شوارع المدينة آكاما، لكن ماريوس لم ينج بعد هذه القساوة من تبكيت الضمير؛ لأن الندم حمله على شرب المسكر تلطيفا لتبكيته فأصيب بحمى ذهبت بحياته.
وبعد موت ماريوس عاد سلا إلى رومية بجيش عظيم ودعى نفسه سلطانا، ووضع شريعة لم يبق في رومية غيرها، وأقر أيضا على ذبح كل أعدائه فقتلوا وجيء برءوسهم إليه، وبعد أن سفك ما شاء من الدماء تنازل عن الملك، فتعجب الناس لذلك، لكنهم لم يأسفوا، وبعد قليل مات سلا ولم يحزن عليه الشعب كثيرا.
كنيوس بومبيوس ويوليوس قيصر
لو كان الرومانيون في أيام ماريوس وسلا ميالين إلى الحرية كما كانوا قبلا لما أمكنهم احتمال استبدادهما، لكنهم كانوا قد انصرفوا بكليتهم إلى الترف والبذخ بما اكتسبوه من فتوحاتهم في العالم، وبالنسبة لتتابع الحروب اعتادوا المبالغة في إكرام رجال الحرب فنتج عن ذلك خضوع العساكر لقوادهم خضوعا أعمى، وكان الشعب الروماني كله عساكر، وهذا ما جعل الأمة الرومانية شديدة البأس ظافرة على أعدائها، وكان سببا في استعباد تلك الأمة لكبار قوادها.
فبعد موت سلا وماريوس ظهر بومبيوس وقيصر، فكان بومبيوس أكبر سنا من قيصر، وهو الذي اشتهر بغلبة متريدانس وأمم أخرى، وأخضع خمس عشرة مملكة وافتتح ثمانمائة مدينة.
وكان يوليوس قيصر أجمل إنسان في رومية، وقد حارب الغاليين والجرمانيين والبريطانيين، وتغلب على ثلاثة ملايين من الناس وقتل مليونا، وكانت عساكره يعبدونه فقام بينه وبين بومبيوس ما قام بين سلا وماريوس، وأخذ كل منهما يجمع إليه جندا حتى ضاقت المملكة بمقاصدهما، ولم يبق جندي من جنود الرومانيين لم يستعد للحرب.
فالتقى الجيشان في فرساليا من تساليا، وكان القسم الأعظم من جيش بومبيوس من شبان الرومانيين الأشراف الذين لم يعتادوا ركوب الأهوال، وكانوا جميلي الصورة، وربما كان ذلك السبب في انكسار بومبيوس؛ لأن قيصر أمر رجاله وكانوا أشداء محنكين في الحروب أن يوجهوا نبالهم إلى وجوه أعدائهم، فخاف أولئك الشبان أن تشوه وجوههم فيذهب جمالهم، فحولوا الأعنة وطلبوا الفرار، فتم النصر لقيصر وفر بومبيوس إلى مصر، ولكنه قتل هناك وجيء برأسه إلى قيصر فحول قيصر وجهه لتأثره من ذلك المنظر المرعب، ولما رأى نهاية حياة ذلك القائد على تلك الصورة بكى.
اختلاس قيصر للسلطة العليا
فلما علمت المشيخة الرومانية بانتصار قيصر قدموا تشكرا مقدسا للآلهة، وعهدوا إليه السلطة العليا طول حياته ولقبوه بواضع الشريعة، وصرحوا بأن شخصه مقدس وحرمته واجبة، وجعلوا تمثاله بين تماثيل الآلهة والأبطال في الكبنول قرب تمثال جوبيتر، وكتبوا عليه «تمثال قيصر نصف الإله»، ولا شك أن ذلك يدل على استعباد الرومانيين.
ولم يعد لدى قيصر إلا مطمع واحد وهو لقب الملك، فسعى في اكتساب حزب العساكر والشعب لعله ينال بغيته بواسطتهم، وأنفق في سبيل ذلك مبالغ عظيمة في الاحتفالات والزين استجلابا لرضاء الشعب، ومن جملة ذلك وليمة دعا إليها الشعب الروماني كافة، فنصب في شوارع رومية اثنتين وعشرين ألف مائدة عليها كل أنواع الطعام اللذيذ والشراب الفاخر، وجعل لأصغر صعلوك من الشعب الحرية التامة يجلس ويتناول ما أراد من الطعام والشراب، وكان الرومانيون إذ ذاك قد فقدوا عزة النفس التي كانت في آبائهم، واستسلموا إلى الذل ورضوا بحكومة أي كان بشرط أن يطعمهم ما يشتهونه ويمتعهم بالمناظر الجميلة كما فعل قيصر، ولا يخفى أيضا أن قيصر كان عزيز النفس وديعا وذلك ما حبب الشعب إليه، فارتاحوا إلى أن يشاهدوه في الأماكن العمومية جالسا على كرسي مذهب وعلى رأسه تاج من ذهب، ولو أراد هو أن يسجدوا له ويعبدوه لأطاعوا.
وكان بين الرومانيين شرذمة يحبون الحرية المجردة، وكان بعضهم يبغضون قيصر حسدا منه فاتفقت هاتان الفئتان على إهلاكه بإغراء اثنين وهما زعيما تلك الفعلة، واسمهما بروتوس وكاسيوس، وكان بروتوس يحب الحرية حبا شديدا، ويحب رومية ويحب أيضا قيصر وقيصر كان يحبه، ولكنه ساعد في قتله إنقاذا لبلاده من الاستعباد، أما كاسيوس فكان فعله بغضا بقيصر.
ووافق هذين القاتلين ستون من المشائخ، واجتهد كل منهم أن تكون فعلتهم هذه ليلا، ولكنها لم تتم إلا في رابعة النهار وفي قاعة المشيخة نفسها.
مقتل يوليوس قيصر
خرج قيصر في صباح يوم من منزله وحوله جماعة من المملقين والأصدقاء الكذبة، وفيما هو نازل على السلم تقدم إليه فيلسوف ذو لحية بيضاء مخترقا الجمع، ووضع في يد قيصر ورقة وفيها تفصيل الحيلة التي نصبت له، فلو قرأها لقضت بقتل كل المواطئين على قتله وإنقاذ حياته، لكنه أعطاها إلى أحد كتبة أسراره واستمر في طريقه، وفيما هو مار في شوارع رومية كان يلتفت، فإذا حوله رجال حاشيته يعظمونه ويحتفلون به، ثم يسمع أصوات الشعب بالتهليل والنداء، فيشعر بأنه أرفع البشر وأرقى بني الإنسان، إلا أن قلبه لم يكن مسرورا لعلمه أنه استعبد بلاده.
وما زال في الموكب سائرا حتى وصل دار المشيخة، فصعد السلالم ودخل القاعة، وكان في تلك القاعة عدة من تماثيل أعاظم الرومانيين، وفي جملتهم تمثال بومبيوس الذي جيء برأسه إلى قيصر كما تقدم، فلما وصل قيصر أمام تمثال بومبيوس تقدم إليه أحد المواطئين واسمه متلس سمبر وجثا أمامه ولمس ثوبه، وكان ذلك علامة للهجوم عليه وكان وراء قيصر كاسكا أحد المواطئين، فاستل خنجرا وطعنه به في كتفه، فصاح قيصر: «ويلك ماذا تفعل؟!» وتناول النصل من يده فهجم عليه المواطئون كلهم دفعة واحدة، فدافع بشجاعة معهودة به وطالما ظهر بها في مئات من الوقائع.
وأخيرا هجم صديقه بروتوس وطعنه بخنجره، فلما رأى قيصر أن يد أعز أصدقائه مدت إليه كف عن المقاومة، والتفت إلى بروتوس التفات التوبيخ قائلا: «وأنت أيضا يا بروتوس.»
فغطوا رأسه بوشاحه لكي لا يرى أعداؤه غمرة الموت على وجهه، فسقط عند تمثال بومبيوس وكأن التمثال ينظر إلى قيصر شامتا به.
فغمس المواطئون أسلحتهم في دم قيصر وكان سائلا في أرض القاعة، ثم وقف بروتوس ورفع الخنجر بيده ونادى شيشرون خطيب رومية المشهور وقال له مشيرا إلى جثة القيصر: «افرح يا والد هذه الأمة إن رومية قد تحررت.»
وقد فاتهم أن الشعب إذا استسلم إلى الذل لا يحرره دم رجل واحد، فقد ذهب دم ذلك القائد العظيم هدرا وحاول أعداؤه نيل الحرية عبثا.
عواقب موت قيصر
وكانت وفاة قيصر سنة 43 قبل الميلاد، وعقب موته اختلال أعمال رومية؛ لأن أصحاب قيصر أقنعوا الشعب أنه قتل ظلما، فاضطر بروتوس وكاسيوس وأصحابهما إلى الفرار من المدينة، فتولى الأحكام ثلاثة آخرون وهم ماركوس أنطونيوس وليبدس وأوكتافيوس ابن أخ قيصر، وكان يوليوس قد تبناه، ودعوا هذه الحكومة ثلاثية إشارة إلى أنها مؤلفة من ثلاثة حكام.
وارتأى هؤلاء الحكام قتل كل من هو ضدهم تعزيزا لمركزهم، فكتبوا قائمة فيها أسماء ثلاثمائة شيخ ونحو ألفي فارس، وفرضوا جوائز للذين يقتلونهم فقتلوهم شر قتلة، ومما يحكى أن أحد هؤلاء الثلاثة قدم رأس أخيه لزميليه، وأحدهم أتى برأس عمه، وبالجملة إنهم لم يتركوا قريبا ولا صديقا ولا وطنيا اشتبهوا بكونه على غير دعوتهم إلا أذاقوه حتفه.
وكان بروتوس وكاسيوس أثناء ذلك في بلاد اليونان وقد جيشا جيشا من مائة ألف مقاتل، فسار ماركوس وأوكتافيوس لمحاربتهم، فحصلت بين الفريقين واقعة في فيليبي انكسر فيها بروتوس وكاسيوس فانتحرا.
وبعد تلك الموقعة خلا الجو للحكومة الثلاثية، وأصبحت القوة كلها في أيديهم، لكنهم ما لبثوا حتى قام الاختلاف فيما بينهم، فحكم على أحدهم لبيدس بالعزل من منصبه وإبعاده، ثم نشأت بين ماركيوس وأوكتافيوس حرب كالتي قامت بين سلا وماريوس وبين بومبيوس وقيصر، فساعد الحظ أوكتافيوس فغار على رفيقه، أما ماركوس فعظم عليه الفشل فقتل نفسه بيده، فلم يعد لدى أوكتافيوس مناظر فأصبح الحاكم الوحيد في رومية ومملكتها، لكنه لم يكن يتجرأ أن يدعو نفسه ملكا فدعى نفسه إمبراطورا مع لقب (أوغسطوس)، فصار اسمه أوغسطوس قيصر، ثم لقبته المشيخة ألقابا أخرى في جملتها (أبو وطنه)، ولم يكن ذلك منهم إلا تزلقا وتمليقا له، ولم يكن إذ ذاك في رومية أناس يعتد بهم، ولذلك أتيح لأوكتافيوس أن يستعمل نفوذه، وأصبح حكمه من ذلك الحين سلاما وسكينة، ولم يحدث بعد ذلك حوادث تستحق الذكر في هذا المختصر، على أن العالم كله تقريبا كان تحت سلطة أوغسطوس قيصر هذا، فلم يكن له فرصة يزيد بها أملاكه بالفتح، فطلب المجد من وجهة أخرى فعكف على نظم الشعر.
وكانت مدة حكمه 41 سنة، وتوفي في السنة الرابعة عشرة للميلاد وسنه 76 سنة.
المملكة الرومانية في أيام أوغسطوس قيصر
وكانت مملكة الرومانيين في أيام أوغسطوس قيصر على معظم اتساعها وثروتها، فكانت شاملة لجميع أوروبا إلا بعض أقسامها الشمالية، فمن جملة الممالك التي كانت في حوزتها إنكلترا وفرانسا وإسبانيا، وقسم من جرمانيا وإيطاليا واليونان وتركيا أوروبا وغيرها، هذا في أوروبا أما في آسيا فكان في حوزتها آسيا الصغرى وسوريا وفلسطين وشبه جزيرة العرب وبلاد فارس وبارنيا وبلاد أخرى، أما في أفريقيا فامتدت سلطته في شمالي أفريقيا إلى جزائر الغرب ومراكش، وفي شرقيها إلى الحبشة وهي البلدان التي كانت معروفة من أفريقيا إلى ذلك العهد.
وجعل الرومانيون على كل قسم من هذه الأقسام حاكما رومانيا مع حامية من الجند الروماني.
وكان للرومانيين إذ ذاك حذاقة غريبة في صناعة البناء والحفر والتصوير وسائر الفنون الجميلة، فانتشرت هذه الفنون في سائر أقطار المملكة، فأقيمت البنايات الكبيرة كالهياكل والقصور المصطنعة من الرخام في كثير من المدن في أقسام مختلفة من أوروبا وأفريقيا وآسيا، ولا تزال آثار هذه المدن وأبنيتها وما أنشئوه فيها من التماثيل الجميلة والرسوم المتقنة باقية إلى الآن.
وليس ذلك فقط فإن الرومانيين أقاموا مشروعات كثيرة عمومية عظيمة الفائدة كتمهيد الطرق والشوارع وترصيفها، وإقامة الجسور، وأقنية المياه لري المدن، ولا يزال كثير من آثار ذلك ظاهرا في كثير من المدن التي كانت تحت سلطتهم، وقد مر عليها نحو ألفي سنة تقريبا.
غير أن رومية كانت أجمل مدينة في العالم، وكان اتساعها في أيام أوغسطوس عظيما حتى بلغ محيطها خمسين ميلا، وفيها أربعة ملايين من الناس، وكانت كغيرها من المدن القديمة محاطة بأسوار عظيمة الارتفاع لها 37 بابا.
أما داخل المدينة فكان مما يقصر عنه الوصف لفرط الجمال والزخرفة والزينة؛ لأنهم كانوا يسلبون القواد الذين يفتحون المدن الأخرى كل ما يأتون به من تلك المدن من الأمتعة والأموال وسائر الأسلاب، وينفقون ذلك كله في إصلاح رومية، وكان في تلك المدينة أيضا كثير من التماثيل الجميلة اليونانية والمسلات والأعمدة المصرية، وغير ذلك من مصنوعات آسيا، فضلا عن الهياكل ومعظمها من الرخام، والمشاهد العمومية والملاعب والحمامات العمومية والأروقة والأفنية.
وبالاختصار فإن مدينة رومية كانت مدينة مبنية ومزينة بأموال سائر العالم.
الوسائل التي ارتقت بها مملكة رومية
أما أول الوسائل التي استخدمت لتوسيع المملكة الرومانية فهي الفتوحات، فكان القواد الرومانيون يسيرون في عرض الأرض وطولها يفتتحون الممالك ويخضعون الأمم طلبا للمجد واستكثارا للثروة، فيقتلون الناس بغير شفقة وينهبون أموالهم وأراضيهم، ويدخلونهم تحت النير الروماني ولا يراعون الحقوق الإنسانية، فبمثل هذه الوسائل وسع الرومانيون مملكتهم، وعلى مثل هذه الدعائم أقاموها يوم لم يكن ما يمنع القوي عن استعباد الضعيف، نعم إن بعض القواد ورجال المشيخة والقناصل والحكام وبعض الجند قد عاشوا بسبب ذلك في رغد وثروة، ولكن كم من الأنفس التي وقعت في الحزن واليأس والشدة، فكم من الملايين أصيبوا بجروح أليمة، وكم من الملايين فقدوا أصدقاءهم، وكم من الملايين سلبت أموالهم، وكم من الملايين وقعوا تحت ربقة الاستعباد، وكانت سياسة رومية مؤسسة على حب الذات، ولكننا لا ننكر أنه قام بين الرومانيين أناس عرفوا الفضيلة والشهامة، كما قام بين اليونانيين والفرس والمصريين والأمم الأخرى القديمة.
على أن تينك الفضيلة والشهامة مهما كان من شأنهما فإنهما ناقصتان لبعد الناس إذ ذاك عن التعاليم الدينية، ولإغفالهم الآية الذهبية القائلة: «لا تفعل بالآخرين ما لا تريد أن يفعل الآخرون بك.»
ولا يليق بنا ختم هذا الفصل قبل تقرير هذه الحقيقة؛ وهي أن الأمم والممالك التي قامت قديما وتقوم اليوم لا تعرف العدالة الحقيقية والصدق والرحمة ما لم يكن أساس عمرانها أحد الأديان الصحيحة؛ لأنها إذا لم تتخذ ذلك قاعدة تسلط عليها حب الذات وقادها إلى الخراب كما حصل في مملكة رومية.
رومية تحت سلطة الإمبراطرة
بلغت رومية في أيام أوغسطوس قيصر أعلى درجة من الارتقاء، وفي أيامه أيضا ابتدأت بالهبوط؛ لأن حكامها فسدوا فكانت أشبه شيء بشجرة كثيرة الأغصان واسعة الأطراف، ولكنها قائمة على جزع منحور.
تولى رومية بعد موت أوغسطوس 36 إمبراطورا أثناء ثلاثمائة وخمسين سنة، ولكن الذين يستحقون الذكر منهم قليلون؛ لأن معظمهم عاشوا غارقين بالملاهي والترف والظلم والاستبداد.
وتولى رومية بعد أوغسطوس قيصر طيباريوس، وكان إمبراطورا مخيفا قبيح المنظر، وكان أقرع وجسمه مغشى بالجروح، ولم يكن يرضيه شيء، وكان يظن السوء بكل الذين هم حوله ويتهمهم بالسعاية في قتله.
فقتل أنفسا عديدة حتى كانت جثثهم أحيانا تتراكم آكاما على مشهد من الناس، ويقال إنه حكم مرة على امرأة مسكينة بالموت؛ لأنها كانت تندب ابنها ميتا فأصيب طيباريوس أخيرا بعواقب أعماله، فخنقه جنده ولفوه بثياب نومه، وتولى بعده كاليغولا وود لقساوة قلبه أن يكون للشعب الروماني رأس واحد ليقتله بضربة واحدة، ولكنه مات مقتولا بسيف حرسه، وتولى بعده كلوديوس وكان أبله ومات مسموما بيد امرأته، وتولى بعده نيرون وكانت مدة حكمه كلها سفك وقتل، فقتل والدته وامرأته، ويقال: إنه أحرق رومية ليتمتع بمشاهدة لهيبها، فلما كانت المدينة تتلظى باللهيب جلس على قمة أحد الأبراج العالية يضرب على كنارته سرورا، ولكنه أخيرا عزل وحكم عليه بالإعدام ضربا بالعصي فقتل نفسه تخلصا من ذلك.
وتلاه إمبراطوران وهما غلبا وأوثو، فالأول قتله جنده والثاني قتل نفسه، ثم تولى فيتليوس، وهذا كان يسر بزيارة ساحات الحرب واستنشاق روائح الجثث البالية، فلما مل الرومانيون منه جعلوا حبلا في عنقه وجروه إلى أكبر شوارع المدينة وأكثرها ازدحاما وقد تلطخ بالأوحال فقتلوه شر قتلة، وقطعوا رأسه وعلقوه على سنان رمح وألقوا جثته في نهر تيبر.
ونلتمس من القارئ عذرا في الإمساك عن ذكر من بقي من هؤلاء الإمبراطرة؛ لأن القلب لا يزيد بذكرهم إلا توجعا وأسفا، ونرجو أن ينسى القراء ما قد ذكرناه من هذا القبيل أو إذا لم ينسوه فليتذكروا أن تلك الأعمال الشريرة لم تنتج إلا عن نقص في الحاسة الأدبية، وأن الشعب لم يحتمل تلك المظالم إلا لأنه لم يذق طعم الحرية.
المملكة الرومانية الغربية
وقام بين إمبراطرة الرومانيين جماعة صالحون مثل قسباسيان وتيطس وأنطونيوس وماركس وأوريليوس وإسكندر سفيروس وأورليان وديوكليتيان، لكن هؤلاء لم يتولوا تلك الإمبراطورية إلا لسوء حظهم.
وأول إمبراطور اعتنق الديانة المسيحية قسطنطين الأعظم، ابتدأ حكمه سنة 306م، وهو الذي نقل كرسي مملكته من رومية إلى القسطنطينية، وكان المسيحيون إلى ذلك العهد يقاسون أشد الاضطهاد فأمر بالرفق بهم، ثم اعتنق تلك الديانة هو نفسه سنة 311م، ويقال: إن سبب تنصره أنه بينما كان راكبا في مقدمة جيشه رأى في السماء صليبا عظيما مكتوبا عليه «اغلب بهذه العلامة»، ويظن أن هذه الرؤية هي التي أقنعته وحملته على التنصر، ومن ذلك الحين انتعش المسيحيون وأخذت خرافات اليونان والرومان بالاضمحلال، وتحول كثير من الهياكل الوثنية إلى كنائس، وبدلا من السجود إلى تمثال جوبيتر صاروا يسجدون للإله الحقيقي.
وفي سنة 364 بعد الميلاد انقسمت المملكة الرومانية إلى قسمين شرقي وغربي، وجعلوا عاصمة المملكة الشرقية القسطنطينية وكانت تدعى قبلا بيزانتيوم.
أما عاصمة المملكة الغربية فكانت رومية إلا أن هذه المدينة لم تعد في شيء من القوة التي كانت لها قديما، حتى إنها لم تعد تستطيع المدافعة عن نفسها أمام الممالك التي كانت تحت سلطتها؛ فسطا عليها قبائل من البرابرة جاءوا من شمالي أوروبا وفيهم المونيون والغوطيون والفيدانيون وغيرهم، وسنذكر تفاصيل هؤلاء القبائل فيما بعد، أما هنا فنكتفي بأنهم كانوا يحبون الحرب والغزو، ولم يأتوا إيطاليا إلا طمعا بسلب ثروتها والتمتع بأموالها.
وكان أول هؤلاء المفتتحين الشماليين وأشدهم بأسا ملك الغوطيين، ويقال له: العريق، جاء رومية بجيش عظيم وتهددها بالدمار، فخاف الرومانيون ووعدوه بمال كثير يدفعونه فداء عنهم، لكنهم أخلفوا الوعد، فدخل المدينة وأمعن فيها قتلا ونهبا، فأصبحت رومية بعد ستة أيام خرابا صفصفا، وقد قتل فيها ألوف من الناس واحترق قسم عظيم منها، وكان ذلك سنة 410 بعد الميلاد، ثم انسحب العريق منها.
وفي سنة 445 جاء أتيلا زعيم الهونيين مقتديا بالعريق، لكنه مات قبل أن يتم مشروعه فنجت رومية من شره، وفي سنة 476 أصبحت المملكة الرومانية الغربية وفيها رومية بقبضة أودواسر زعيم قبيلة أخرى من قبائل البرابرة الشمالية يقال لها: هرولي، وبقيت في حوزتهم أعواما كثيرة.
وفي سنة 537م بعث إمبراطور المملكة الرومانية الشرقية قائدا عظيما من قواده اسمه باليساريوس، فأخرج أولئك البرابرة على أعقابهم، فعادت المملكتان الشرقية والغربية مملكة واحدة تحت سلطان واحد، غير أن ذلك لم يدم إلا يسيرا، وما زالت إيطاليا من ذلك الحين هدفا لأغراض الطامعين؛ فتارة تدخل في سلطة ملوك الشمال، وطورا في سلطة إمبراطور اليونان.
سقوط مملكة الرومانيين
ادعى أوثو إمبراطور جرمانيا في القرن العاشر للميلاد أن إيطاليا قسم من مملكته، فرفض تلك السلطة كثير من المدن فسار أوثو إمبراطور جرمانيا بجيشه إلى إيطاليا وافتتحها، ثم سار إلى رومية فاستولى على القصر الإمبراطوري، وأخذ يستعد لاحتفال عظيم دعا إليه أعيان المملكة، وجلس هو عند رأس المائدة على كرسي فاخر فجلس المدعوون ينتظرون ما أعده لهم.
وقبل أن يباشروا الطعام أبدى أوثو إشارة فامتلأت القاعة بالرجال المسلحين، ثم أمر جميع الضيوف أن يبقوا في أماكنهم ولا ينتقلوا ولا يتكلموا، وأن كل من يبدي حراكا يقتل حالا، فخاف الجميع وتمنوا لو لم يكونوا في تلك الوليمة.
ثم وقف أحد ضباط الإمبراطور وقرأ بصوت عال أسماء الذين كانوا يقاومون سلطته، وكان هؤلاء من جملة المدعوين وقد جلسوا على المائدة، فأمر الإمبراطور أن يساقوا إلى منتصف القاعة ويقتلوا حالا، وكان الجلاد مستعدا وفي يده سيف ثقيل، فقتلهم الواحد بعد الآخر، فتدحرجت رءوسهم في أرض القاعة ولم يشفق أحد عليهم.
فلما أتم ذلك العمل الفظيع عاد إلى مائدته وتحول غضبه إلى رقة ولطف، وقدم إلى مدعويه كل ما يسرهم، ولكن شهوة الطعام قلما زادت بعد مشاهدة تلك الجثث مخضبة بالدماء، ولم نذكر هذه الحكاية إلا تمثيلا لأعمال الملوك في تلك العصور.
ثم انقسمت إيطاليا إلى عدة أيالات أو ممالك صغيرة أكبرها نابولي وتسكانا وبارما ولمبارديا وجينوا والبندقية، أما رومية فأعطيت إلى البابا مع أراض أخرى.
وقبل إتمام تاريخ رومية نذكر شيئا عن عوائد وأخلاق الرومانيين القدماء.
ولا يخفى عليك أن مملكة رومية تغيرت كثيرا عما كانت عليه في أيام أوغسطوس، ولم يقتصر ذلك التغيير على انقسامها وتبددها، ولكن مدينة رومية العظمى فقدت مجدها الأول، فقل سكانها وخرب معظم هياكلها، وأصبح أهلها بعد اختلاطهم بالبرابرة أقرب إلى البربرية، حتى إن لغتهم تطرق إليها التغيير، فبعد أن كانت لاتينية خالطتها ألفاظ وتراكيب من لغة البرابرة، فنشأت عنها اللغة الإيطاليانية الحديثة.
عوائد الرومانيين القدماء وأخلاقهم
كان شعب رومية يقسم إلى فئتين الأشراف والعامة، ومن الخصام الذي قام بين هاتين الفئتين نشأ معظم المتاعب للملكة، ثم أضيفت إلى هاتين الفئتين فئة ثالثة هي فئة الفرسان (لقب شرف)، ثم إن استعباد أهالي البلاد المفتتحة جعل فيهم فئة رابعة وهم المستعبدون.
وقد رأيت أيضا أن حكومة رومية قاست تغييرات عديدة؛ فكانت تارة ملكية وطورا قنصلية وأخرى إمبراطورية وغير ذلك، أما قادة الدين فلم يكونوا فئة مستقلة عند الرومانيين، لكنهم كانوا ينتخبون من أتقياء البلاد وأشرافها، ووظيفتهم الاعتناء بتقديم الحيوانات ذبائح للآلهة وغير ذلك من الطقوس الدينية، ثم إن كثرة الخرافات في تلك الأيام حملتهم على إنشاء مدرسة العرافين، وفائدتها تفسير الأحلام والوحي وإتيان المعجزات والتنبؤ عن الاستقبال.
وكانوا يبنون تفاسيرهم ونبواتهم على ظواهر السماء وطيران الطيور وظواهر الوحوش، مما لم تخرج عن حد الشعوذة والتنجيم التي نعثر عليها يوميا في أسواق القاهرة وغيرها من مدن مصر، مما يدلك على درجة معرفة الرومانيين بالنسبة إلى أبناء هذا العصر، وكان من واجبات العرافين تفسير إرادة الآلهة في إشهار الحرب أو عقد الصلح.
وكانت العرافة معدودة من أشرف المهن عندهم، فيسعى إليها أعيان البلاد ورجال المشيخة فتعاطاها جماعة كبيرة من كبار رجالهم، منهم كانو وشيشرون، والظاهر أنهم كانوا يرغبون في تلك المهنة مع إقرارهم بأنها من الخرافات، ويروى عن كانو أنه كان يتعجب كيف ينظر العراف إلى عراف آخر ولا يضحك.
ديانة الرومانيين القدماء وآلهتهم وهياكلهم وزيجتهم
أخذ الرومانيون ديانتهم عن اليونانيين وفي جملتها عبادة جوبيتر وآلهة أخرى، وكان عندهم لكل فضيلة أو رذيلة، ولكل قوة من قوى العقل والجسد، ولكل قوة من القوى الطبيعية التصورية والحقيقية؛ إله مخصوص حتى إنهم جعلوا للأحراج والجبال ومجاري المياه آلهة بأسمائها وألهوا أبطالهم وحكماء بلادهم، وكانوا يحتقرون ديانة اليهود والمسيحيين احتقارا شديدا حتى أتيح للديانة المسيحية، فأصبحت ديانتهم الرسمية سنة 311 كما تقدم.
ونشأ عن تكاثر الآلهة عند الرومانيين تكاثر الهياكل المقامة لأجلها، وكان يجتمع إليها الكهنة يذبحون عندها الأغنام والثيران وحيوانات أخرى، وكان في كل بيت من بيوت الأغنياء غرفة مخصوصة للعبادة.
أما الزيجة فكانت الشرائع الرومانية تأمر بها، وتقاص الذين لا يتزوجون قصاصا صارما، وبالغوا في ذلك حتى أخذوا قسما عظيما على شبان رومية أن يتزوجوا عند بلوغهم سنا معينا، وزاد أوغسطوس قيصر القصاص على من لا يتزوجون، وأمر بمكافأة الوالدين الذين تكثر ذريتهم.
وكانوا يعقدون الخطبة قبل ميعاد الزيجة بزمن، فإذا جاء الميعاد احتفلوا احتفالات عديدة يحضرها الكهنة والعرافون، ثم يكتب عقد وفاق الزيجة بحضور الشهود، ثم تثبت بقطع قشة بين الزوجين، ويأتي العريس بخاتم الزيجة ويقدمه للعروس، وكانوا يلبسون الخاتم في الإصبع الوسطى من اليد اليسرى بناء على اعتقادهم أن بين هذه الإصبع والقلب اتصالا عصبيا.
وكانوا يلبسون العروس أفخر الملابس ويفرقون شعرها فرقا بسن الرمح إشارة إلى أنها ستكون زوجة لرجل محارب، ثم يجعلون على رأسها إكليلا من الزهر، وعلى وجهها قناعا مختصا بالزيجة، فإذا تم ذلك أخذها إلى بيت العرس ثلاثة صبيان آباؤهم أحياء فيسيرون ليلا، وأمام العروس خمسة مشاعل ومغزل، فلما تصل باب البيت تأخذ بيدها خيطانا من الصوف مغمسة بالشحم الذائب وتربط بها أعمدة البيت منعا للسحر، وفي دخولها البيت لا تطأ العتبة، بل يحملونها ويمرون بها من فوقها، فلما تصير داخل الغرفة يأتي العريس ويدفع إليها المفاتيح ووعاءين فيهما نار وماء، ثم يأدب مأدبة فاخرة لكل الحضور، وفي أثناء الاحتفال لا ينكف الناس عن ضرب الموسيقى والرقص والتراتيل والإنشاد احتفالا بالعروسين.
مآتم الرومانيين
إن المآتم عند الرومانيين مما تلذ مطالعته، وإحراق الموتى وإن يكن عادة يونانية قديمة فإن الرومانيين لم يستعملوها إلا في أيام الجمهورية الأخيرة، ثم عم استعمالها وما زال حتى دخلت الديانة المسيحية فأخذت بالتناقص حتى اضمحلت.
ولم يكن الرومانيون يتخذون خدمة أو ممرضين للقيام على خدمة مرضاهم، ولكن أهل المريض وأصدقاءه هم كانوا يعتنون به إلى آخر ساعة من حياته، وعند ذلك يودعونه الوداع الأخير.
وإذا مات لهم صديق حملوا إليه الأطياب وألبسوه أحسن اللباس، ثم وضعوه في مركبة تغشاها الزهور وظللوا باب البيت الخارجي بأغصان السرو، وكان في اعتقادهم أن شارون لا ينجي روح فقيدهم من الستبكس بدون أن يدفعوا عنه جعلا معلوما، فكانوا يجعلون في فم الميت قطعة من النقود بمنزلة الجعل المطلوب، وكان الرومانيون يحتفلون بالجناز على نور المشاعل فيحمل الجثة أصدقاء الفقيد وأقاربه على تابوت مغطى بثياب ثمينة، ويسير في الاحتفال الجلادون بثياب سوداء حفظا للنظام، وإذا كان الفقيد جنديا جعلوا علامات رتبته ظاهرة للعيان وسيروا أمامه الفرقة التي هو تابع لها منكسة السلاح، وكانوا يحملون أمام التابوت صور الفقيد وآبائه تتبعها الموسيقى والنادبات المأجورات للندب، والرقاصون والمهرجون وبينهم رجل بلباس الميت يمثل حركاته بحياته.
أما عائلة الفقيد فيتبعون التابوت وهم يندبون فقيدهم والذكور رءوسهم مغطاة، والبنات رءوسهن مكشوفة وشعورهن محلولة، ويحضر الاحتفال أيضا القضاة والأعيان مجردين من علامات الزينة، وفي ختام الكل يسير العبيد الذين تحرروا بموت ذلك الرجل وعلى رءوسهم طاقيات يقال لها: طاقيات الحرية، فإذا كان الفقيد من أصحاب المراتب العليا يمتاز احتفاله بخطاب يتلوه أحد أصدقائه عند الجثة، وكانوا يتلون ذلك الخطاب في الكبيتول، ثم في أيام الجمهورية الأخيرة عمومها، أما الدفن قلما أن يضعوا الجثة بغير تابوت أو أن يجعلوها في نوع من اللحود يدعونها سركوفاغس، وهي مصنوعة نقرا في الحجارة.
فإذا تم الاحتفال غطوا القبر بالزهور وتقدم الناس بوداع أهل الميت فينضح الكهنة الحضور بالماء، ثم ينصرفون، ولما أدخلوا حرق الموتى في عوائدهم صاروا يضعون التابوت على كومة من الخشب على شكل المذبح، ثم يتقدم أحد أقارب الفقيد وبيده مشعال يحرق به تلك الكومة، فإذا اتقدت ألقوا فيها أنواع الأطياب والعطريات، فلما تخمد النيران وتتحول إلى رماد يسكبون على الرماد خمرا، ثم يجمعونه في قارورة ثمينة يجعلونها في قبر العائلة، وإذا كان الفقيد جنديا دفنوا معه سلاحه والأسلاب التي كان قد ربحها في حروبه.
ومن قبائح اعتقاد الوثنيين أن الأرواح تسر بالدم، فكانوا يذبحون عند قبر الميت الحيوانات التي اقتناها في حياته، وكان الناس في الأزمنة الخالية الهمجية يذبحون عوضا من هذه الحيوانات أناسا ومنهم العبيد أو أسرى الحرب، وأحيانا كانوا يذبحون بعض الأصدقاء إذا قدموا أنفسهم حبا بالفقيد.
ولم يكونوا يبيحون دفن الموتى داخل سور المدينة إلا للعذارى المتنسكات القائمات على العبادة، وبعض العائلات الشريفة، أما قبور رجال الجند فكانت غالبا في حقول يقال لها حقول المريخ، وقبور أهل المدينة في بساتين القرى أو على جوانب الطرق، ولا يزال بعض تلك القبور باقيا إلى الآن، وكانوا ينقشون على قبور الأغنياء والعظماء ألقابهم وبعض أعمالهم، أما قبور الفقراء فكانت في غاية البساطة ليس عليها سوى بعض الآيات الحكمية.
رومية تحت سلطة الباباوات
فبعد أن ذكرنا شيئا عن أخلاق الرومانيين وعوائدهم نتقدم إلى إتمام تاريخهم، فالبابا لقب كان يعطى للأساقفة في الأزمنة الأولى للتاريخ المسيحي، وكان بابا رومية في بادئ الأمر كسائر كبار خدمة الكنيسة، ثم أصبح بعد ذلك رئيسا لها ونال سلطة أرفع من سلطة الملوك والإمبراطرة.
وما زال الباباوات في رومية زمنا طويلا محصورة قوتهم في المواد الدينية، لكن غريغوريوس الثالث قاوم إمبراطور اليونان الذي كان حاكما على إيطاليا، وجعل للكرسي الباباوي الحق بالسلطة الدنيوية على رومية، وكان ذلك سنة 731، وأخذ الباباوات من ذلك الحين يزدادون قوة ونفوذا فبلغوا سنة 760 مبلغا عظيما من الثروة، فازداد نفوذهم وتقلدوا بدل التاج ثلاثة تيجان الواحد فوق الآخر دعوها التاج المثلث، وكانوا إذا أرادوا الركوب على خيلهم جعلوا الملوك والإمبراطورين يمسكون لهم الركاب.
وفي سنة 1077 ألزم البابا غريغوريوس السابع الملك هنري الرابع إمبراطور جرمانيا أن يقف ثلاثة أيام من أبرد أيام الشتاء حافيا أمام باب قلعته التماسا للعفو، وفي سنة 1191 رفس أحد الباباوات تاج أحد الإمبراطرة برجله وهو جاث أمامه؛ ليظهر له أن البابا يمكنه أن يولي الملوك ويعزلهم حينما يشاء.
وفي سنة 1100 قرر أحد باباوات رومية أن لقب البابا لا يعطى إلا لأسقف رومية، وفي ذلك الحين كانت سلطة الباباوات على معظمها، وما زالت سلطتهم في مثل ذلك أربعمائة سنة يأمرون وينهون ولا مرد لقضائهم.
وفي أثناء ذلك كان الظلمة الأدبية متسلطة على أوروبا وآسيا وأفريقيا، ومع أن رومية إذ ذاك كانت مركز البابا ومرجع السلطة، فقد كان أهلها على جانب من الغباوة والانحطاط، وأخذ الإصلاح ينتشر منذ بداية القرن السادس عشر غير أنه لم يتم حتى سفكت من أجله دماء غزيرة، أما الآن فإن البابا لا يزال رئيسا للكاثوليكية الرومانية، وأصبحت رومية منذ سنة 1879 قسما من مملكة إيطاليا، ومدينة رومية الآن يبلغ محيطها ثلاثة عشر ميلا، ويظهر عليها ملامح الخراب، وفيها كثير من آثار القصور والهياكل القديمة الرومانية، ويظن أن كثيرا من التماثيل الهائلة مدفون تحت ترابها.
أيالات إيطاليا القديمة
كانت تقسم إيطاليا إلى عدة ممالك صغيرة مستقلة، ولكل من هذه الممالك أو الأيالات تاريخ مستقل، وهاك ملخص تاريخ بعض منها.
من هذه الممالك مملكة نابولي، وتشتمل على جزيرة سيسيليا والطرف الجنوبي لشبه جزيرة إيطاليا، أما تاريخ هذه المملكة بعد انفصالها من المملكة الرومانية فقليل الأهمية.
وفي سنة 1859 اتخذ فيكتور عمانوئيل الثاني ملك سردينيا ولاية لومبارديا، وهم قسم من ولايات البابا ودوكية بارما ومودينا، وسنة 1860 أخذ دوكبة تسكانا ومارش وأومبريا ونابولي وحكم فيها بلقب ملك إيطاليا، وتوفي سنة 1878 وخلفه ابنه أومبرتو الأول.
أما تاريخ البندقية (فينيسيا) فأكثر أهمية، وذلك أن برابرة الشمال لما فتحو إيطاليا سنة 452 كان في جوار فينيسيا الآن شعوب تسكن الغياض والآجام على سواحل البحر، وكانوا يعيشون على صيد السمك واصطناع الملح والتجارة.
وفي سنة 809 ابتدءوا ببناء مدينة البندقية على جزيرة تدعى ريلتو، ونقلوا إلى ذلك المكان كل أموالهم، وما زالوا ينتشرون عددا ويقوون حتى صارت البندقية أيالة من أعظم أيالات العالم.
وكان أهلها يعتنون اعتناء خصوصيا بالتجارة، فكثرت مراكبهم حتى تمكنوا في الجيل الحادي عشر من إرسال عمارة مؤلفة من مئتي شراع لمساعدة الصليبيين، وما زالت قوة البندقية تزداد حتى تمكن جيشها من افتتاح القسطنطينية بمساعدة الصليبيين، وقد نقل كثير من أسلابها الثمينة والمجوهرات والكتب والرسوم والتماثيل والمسلات وغيرها إلى البندقية.
وما زالت تزداد ثروة وقوة عدة سنين، غير أن الشعب كان على نوع ما مظلوما، وفي الجيل الثامن عشر خضعت لفرانسا، وفي سنة 1798 خضعت لأوستريا، وما زالت كذلك إلى سنة 1866 عند ختام الحرب بين روسيا وأوستريا، وكانت إيطاليا منتصرة لبروسيا فدخلت البندقية في حوزة إيطاليا.
أما جينوا فيحكى عنها حكايات كثيرة منها أنها كانت مناظرة للبندقية، ومثل ذلك توسكانا التي كانت تحسب أجمل أقسام إيطاليا، وكذلك مملكة سردينيا وفيها الآن الأقسام الشمالية من إيطاليا ونابولي، ونظرا لاختصار هذا الكتاب نترك تفاصيل ذلك إلى كتب أخرى.
أهم حوادث مملكة رومية
الحدث
ق.م
بناء رومية
752
تولية توما بومبيلوس
715
تولية تولوس هوستيليوس
672
موت تركوين المتكبر ونفي عائلته
509
انتخاب مجلس القضاة
490
افتتاح الغاليين لرومية
290
تأسيس النياترات
261
حرب الرومانيين مع السامنتيين
242
استعمال الساعة الشمسية
212
بناء أقنية المياه
211
خضوع كل إيطاليا لرومية
270
ابتداء الحرب البونية الأولى
264
ابتداء الحرب البونية الثانية
218
ابتداء الحرب البونية الثالثة
149
خراب قرطجنة
146
دخول إسبانيا في حوزة رومية
124
ابتداء الحرب الأهلية
91
حرب سلا وماريوس
88
غلبة بومباي لميثريداتس
62
افتتاح قيصر لبريتانيا
55
حرب فرساليا وموت بومباي
48
موت قيصر
44
افتتاح الرومانيين لغاليا
25
الحدث
ب.م
موت أوغسطس قيصر
14
موت نيباريوس
27
موت كاليغولا
41
تولية كلوديوس
54
موت نيرون
68
تولية نينلبوس
69
تولية نيطوس
79
تيطوس أول. دعي بابا
154
بداية حكم قسطنطين
206
تنصر قسطنطين
211
انتقال عاصمة المملكة إلى القسطنطينية
229
انقسام المملكة الرومانية إلى قسمها الشرقي والغربي تحت سلطة ثيودوسيوس
295
افتتاح العربق لرومية
410
افتتاح اتيلا لرومية
445
افتتاح أودواسر لرومية
476
إخراج الغوطيين من رومية بواسطة بيساريوس
527
إقامة سلطة البابا على الكنيسة
607
بداية سلطة غريغوريوس الثالث
721
توطيد سلطة البابوات الزمنية
755
تأسيس البندقية
809
تولية ليون التاسع، أول من اتخذ جيشا
1054
وقوف هنري الرابع ثلاثة أيام على باب البابا
1077
دخول سلطة البابا إلى إنكلترا
1079
رفس الباب لتاج أحد الإمبراطرة
1191
انتقال مقر البابا إلى إفينيون في فرنسا
1208
ابتداء الإصلاح
1517
سجن البابا أكلمندوس
1527
انتقال مقر البابا إلى إفنينون ثانية
1521
إبطال نفوذ الباب في أوروبا
1787
إلحاق البندقية بأوستريا
1798
غلبة بونابرت للبابا بيوس السادس
1798
صيرورة إيطاليا مملكة
1805
إقامة مملكة إيطاليا وانقلاب نابليون
1811
انتقال جينوا إلى ملك سردينيا
1816
وفاة ملك إيطاليا السابق ابن بونابرت
1822
التصريح بسلطة البابا في رومية
1843
وصول البابا من بورتيس إلى رومية
1850
تعيين البابا الأربعين كردينالا
1751
وفاة الأب روطان زعيم الجزويت
1853
التوقيع على اتفاق بين أوستريا والبابا
1856
إخراج الفرنساويين والسردينيين للأوستريين
1859
ثورة في توسكانا وبارما ومودينا وبولونيا
1859
افتتاح غاليباردي مملكة نابولي
1860
إعادة تأسيس مملكة إيطاليا
1861
عود رومية عاصمة لإيطاليا
1870
अज्ञात पृष्ठ