खुलासा यौमिया वा शुधुर
خلاصة اليومية والشذور
शैलियों
فالشجاعة العسكرية عادة اصطناعية، والناس جبناء بطبيعتهم؛ أي أنهم سواء في الخوف من الموت حتى الجنود، على أن هؤلاء يتظاهرون أنهم لا يسوون فقط بين الموت والحياة، بل إنهم يعشقون الموت ويبغضون الحياة، فيقول أحدهم متهكما كلما انحنى جندي في ساحة الوغى من طريق رصاصة توشك أن تثقب صدره: أهي صديق تنحني له؟ كأنه ليس في نفوسهم من كراهة الموت ما يتجشمون من أجل اتقائه إحناء الرأس!
قال تولستوي، وهو قائد قديم: «إن شجاعة الجنود من جنس شجاعة البغال التي تقف إلى جانبهم مشدودة إلى مدافعها، تحاول الإفلات وما تستطيع انفلاتا.» فمهما أوتي المرء من الشجاعة فلا تصدق أنه يقتحم الحرب وله مندوحة عن اقتحامها، كذلك لا تصدق أن إنسانا يواجه الحرب بطبيعة ساكنة؛ لأن الطبيعة البشرية تأبى التعرض للخطر وتنفر من دواعي الهلاك؛ فالهمجيون يهيجون طبائعهم قبل الحرب إلى حد الجنون بدق الطبول وقرع الدفوف والولولة والصياح، والمتمدنون يتشاغلون عنها ويتحاشون ذكر القتلى والإصابات والخسائر وكل ما يخلق فيهم الشعور بحقيقة موقفهم، فيصرفون خواطرهم عن هذه الهواجس بسفساف القول وتوافه الأحاديث؛ فلا تسمع بينهم لحوادث الحرب ذكرا أو خبرا كأنما ليس فيها ما يستحق المبالاة، بينما تكون الحوادث سمر أخلاط الناس على بعد مئات الفراسخ والأميال. هذا على أن تعرض مئات الألوف من الناس في صعيد واحد لخطر واحد من شأنه أن يهون الأمر على كل منهم ويشدد عزيمته على اقتحامه.
وإنه ليس أسخف من أن تسمع ضابطا يشكو ويتأفف من حصن تنهمر عليه المقذوفات من كل جانب، وتنفجر حوله وعلى جدرانه القنابل بين كل دقيقة ودقيقة، وتسأله فيقول لك: إن الطريق إلى الحصن موحلة. فهو يعاني صعوبة في السير عليها.
قال بعض قواد الألمان حديثا: إن الحرب تنمي في النفس كثيرا من الصفات الممدوحة، وأهمها تضحية النفس في سبيل الواجب، على أن هذه هي الفضيلة الوحيدة التي لا تنميها الحرب وتنمي ما يناقضها تماما.
فكل جندي وكل ضابط نابليون صغير - كما يقول تولستوي - يزهق بقدر ما يمكنه من النفوس وييتم بقدر ما يمكنه من الأطفال، ويدمر بقدر ما يمكنه من الدور ليلصق بذراعه شريطا أو يحلي صدره بنيشان يخطف به أبصار البسطاء.
ومع هذا فمهما كان نصيب رأي ذلك القائد من الصواب، فالإنسانية يجب ألا تعول في اكتساب هذه الفضائل على مثل هذا البرنامج الصعب؛ فإنه برنامج يكلفها من النفوس والأموال ما هي في غنى عن احتماله.
فالأمم الآن لا تلجأ إلى الحرب إلا كآخر وسيلة لحل الخلاف، وأين هو الخلاف الذي يربو الضرر فيه على ضرر الحرب المترتبة عليه؟ وهل يبلغ تنازع البقاء بين أمتين في عصرنا هذا أن تسحق إحداهما الأخرى لتتخلص من مزاحمتها، ويخلو الجو لمتاجرها؟
إن أقوى بوادر الخلاف قائمة الآن بين إنجلترا وألمانيا، وهذا الخلاف لا حقيقة له؛ فهو مبني على توهم كل من الأمتين أنها قد تتعرض لمهاجمة الأخرى في المستقبل، فإذا سألت: هل مصلحة ألمانيا تقضي عليها بغزو إنجلترا أو إحدى مستعمراتها؟ وهل تقضي إنجلترا بغزو ألمانيا أو إحدى مستعمراتها؟ وهل الفوز في المنافسة التجارية يتوقف في المستقبل على هذه الوسائل العنيفة؟ كانت إجابتك على كل شواهد الأحوال سلبا.
والأمم لا تترك اليوم لكل أمة تمام الحرية في الموازنة بين مقتضيات الحرب وموانعها بالنسبة لها وحدها؛ فإن أكثر الأمم تشترك في تحمل خسائرها وإن لم تشترك في حشد الجنود وجمع الذخائر، فقد بلغ من استحكام الروابط الاقتصادية بينها أن أقل إشاعة بوقوع الحرب في أقصى المعمورة توقع الارتباك في السوق المالية، فتنخفض الأسعار وتهبط الأسهم وتتزعزع الشركات عدة أيام.
والذي يشاهد من انتشار نفوذ أحزاب الاشتراكيين والعمال، وهم الفريق الذي لا مصلحة له في الحرب، ذلك كله مما يقوي الأمل في أن يوم إبطال الحرب أقرب مما ينتظر بكثير.
अज्ञात पृष्ठ