खुलासा यौमिया वा शुधुर
خلاصة اليومية والشذور
शैलियों
فما شككت في أن المسكين معتوه قد خسر رأسه وسوف يخسر رأس ماله، وتوقعت له الخراب الجائح القريب؛ إذ من أين له يزاحمني في تجارتي وأنا مبتدع التجارة وهو المقلد، وأنا أبيع إرادة الجد والعمل، وهو يبيع إرادة اللهو والكسل، ولكن سرعان ما أخطأ حسابي وارتد علي تكهني، وما راعني إلا الجماهير على أبوابه يتكوفون وبضائعه في كل واد تسير، بحيث لم تخل منها المدينة والقرية، والبيت والحانوت، والحانة والنادي، ولم ينته الشهر، ففتح دكانا جديدا إلى جنب دكانه، ودار الحول فكان له في الحي خمسة دكاكين، وأصبح أعظم تاجر في الديار.
أما أنا فقد أعطيت في اليوم الأول تلك العلبة لذلك السكران فكانت أول وآخر ما صدر من دكاني، ومرت أيام وأيام، وتلتها شهور وشهور، وتمت ثلاث سنوات مجرمات، وأنا بتلك الحال أراقب التلف يدب في بضاعتي وأعاين السوس ينخر في إرادتي - وما الإرادة إلا كالسيف يصدئه الإهمال ويشحذه الضراب والنزال - فدهشت وغضبت ثم صبرت وتعللت، ثم يئست وسلمت، فأقفلت الدكان وطلقت التجارة، وهأنذا أسأل عن المحكمة لأودعها الدفاتر والمفاتيح.
الشجاعة والعدوى
لا أحسب أحدا يجهل أن هناك فرقا بين الشجاعة وحب الموت، كفرق بين الجبن وحب الحياة، فقد يهجم اليائس الموتور على حتفه، ويطرح بنفسه مطارح الهلكة، وهو بعد الجبان المنخوب، وربما كان هجومه هذا آية جبنه وجزعه، وقد يبرز الوحش الضاري للفارس الصئول أو يدهمه القطار أو يسقط عليه الحجر العظيم فيتحاشاه ويفر منه ...
وهو الجريء على الحمام المقبل
وإنما يحمد الاستخفاف بالحياة والاجتراء على الموت إن كان ذلك الواجب تصغر الحياة فيه، ويتحتم الموت لأجله، وأما فيما سوى ذلك فلا واجب على الحي أقدس من واجب صيانة الحياة ودفع الموت عنه، ولا جناح عليه أن يحب البقاء أبد الدهر لو كان إلى البقاء سبيل.
إن كان ذلك كذلك فلا فائدة لك ولا للناس في أن تدخل مع جراثيم الحميات والأوباء في وقعة مشكوك فيها، وأنت وحدك وهي - أبادها الله وشتت شملها - قد شبت على الاتحاد والتكاثر وإن كانت في جو مصر! فتهاجمك في الماء والهواء، ومن بين يديك ومن تحت قدميك، وأنت لا تراها ولا تشعر بها، ونحن مع ما نعلم من أن الحكومات تكافئ كل شجاع على استقبال الموت في حومات الوغى وبين نيران الحريق، ما علمنا قط أنها علقت نوطا أو وساما على صدر أحد؛ لأنه صارع الميكروب فصرعه وانتصر عليه، اللهم إلا إن كان بعض الأطباء قد يظفر منها بالنوط أو الوسام تنويها بنصره عليه وفتكه به، ولكنك خليق ألا تغرك شجاعة هؤلاء الأطباء؛ فإنهم يحاربون الجراثيم وهي مكتوفة في الأنابيب ومخدرة بالعقاقير، وليس هذا من أصول الحرب ولا من شروط المناجزة في شيء.
وإن من غرائب الخليقة وطرف العقول أن يكون بين إخواننا في الآدمية من تراه يقيم في وسط بؤرة تصعد منها رائحة البلى، ويركد فيها الهواء من ثقل ما على كاهله من القذر والقذى، وتسمع فيها الميكروب كالذباب ...
هزجا يحك ذراعه بذراعه
وينادي فيها عزريل ليلا ونهارا: ألا من حي فأزهقه؟ ألا من نأمة فأسكتها؟ ألا من تعب مكدود فأحمله؟ ويمر أمام بصره في تلك البؤرة مركبات الأموات حثيثة العدو من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة ... وتقول له: انج يا صاحبي بروحك واسلم بعمرك، وقد يكون من مذهبك أن من ينتظر مثل هذه النصيحة من سواه غير جدير بأن يحرم الحفار أجرة قبره والبزاز ثمن كفنه، فتغلظ على نفسك، وتأخذك الهوادة في مذهبك وتنصحه بالرغم من ذلك فيقول لك: معاذ الله أن أخاف الموت أو أفر من قرب الله ... يقولها الملعون وكأنه يعتقد أن الله بعيد إلا عن تلك البؤر التي يفوح نتنها وتطرد الملائكة وخامتها، ويقولها الملعون وهو يجهل أن عمر بن الخطاب فر من الطاعون، ولما لامه أبو عبيدة وقال له: أتفر من قدر الله ؟ قال: نعم، إلى قدر الله ... وناهيك بعمر شجاعة وصبرا وإيمانا بالله واتكالا عليه.
अज्ञात पृष्ठ