أتظنون أن رجلا لم يأخذه الدهش والذعر، ولم يتأثر ضميره كل التأثر عندما كانت البلاد بأسرها تسمع وترى تلك الفضائح، عندما فاجأ الأمة ذلك النبأ الغريب، وهو أن من مئات الملايين التي أنفقتها ذهب نحو الثلثين إسرافا وتبذيرا عندما أتيح لها أن تشهد الفساد جامعا بين رجال السلطة وأصحاب الأعمال، ورأت بعينيها تآخي المجلس والبنوك على حساب المساهمين.
أتظنون أنه لم يكن شيئا مذكورا يوم علمت البلاد أن وزراء ستساق إلى المحاكم، وأن أشياء هائلة ستعلن وتقال؟ يوم جاءت ساعة مثل فيها البعض أمام محكمة التحقيق عالي الرأس، والبعض ملعثم اللسان ساعة تساوى فيها هذا المجلس وندوة العدل، ساعة كان فيها عظماؤنا يمرون من ساحات المجلس المضيئة إلى أروقة القضاء المظلمة؟
أتظنون أن هذا لم ينتج شيئا؟ تذكروا كلام الشاعر القديم «التراب هو شقيق الأوحال» ورددوا في أنفسكم أن كل هذا الغبار المحرق غبار التعصب الفوضوي الذي أعمى في طريقه بعض الأشقياء، هو شقيق أوحال الرأسمال والسياسة.
وله في موقف آخر
رأيت أحيانا في طريق الجبل بعض الفلاحات العجائز عائدات من الغابة حاملات فوق ظهورهن أحمالا من الأغصان الخضراء، فكانت الريح عند مرورها بتلك الأغصان المورقة توقظ من حول الفلاحة العجوز حفيف الأحراج الواسعة، ولكن العجوز لم تكن تسمع هذا الحفيف، بل كانت تمشي بخطاها المتثاقلة دون أن تعي نشيد الأحلام الذي كانت تسره في أذنيها قطعة الغاب المحمولة على ظهرها.
أجل هكذا هو العامل المسكين يمشي محاطا بنسمات الطبيعة دون أن يسمعها. كيف تريدون منه بعد جهده الطويل من طلوع الشمس إلى غيابها عندما يشعر أن عمله المنهك ليس عملا حرا، وأنه قد يجرد منه في الغد لغير ما سبب، عندما يجد نفسه مقيدا بأدواته التي تضنيه، وربما فارقها في غده مكرها؟ كيف تريدون منه وهو على هذا الوجه متعب مستعبد يساوره الوجل والإشفاق ألا يتاح له في غده ما يطعمه ويطعم ذويه؟ كيف تريدون منه أن يرتفع فكره بالحلم فوق ضجيج المصانع الذي يصم الآذان ليقول في نفسه إن هذا الضجيج الخارج من الأدوات العاملة هو جزء من الموسيقى الكونية؟
هذا الشيء سيعرفه في الغد عندما نعطيه الحرية. (17) فيفياني
من خطبة له بعد الانتخابات وهو وزير الأشغال في وزارة كليمانصو
ما الذي يخيفكم إذن؟ إن الذي ترتجفون فرقا منه ليس ما تحويه المطالب الاجتماعية، بل ما تظهره أو تتنبأ عنه. إن الذي تجزعون من أجله هو هذه المواقف الثابتة، والإرادة التي لا تتزعزع، هو الشدة والأهواء الطافحة بها، هو هذا الإشعاع الفكري الدائم، هو هذه الحمى السارية في عروق الجميع.
نعم ولكن من المذنب إن كان ثمة ذنب؟ من خلق هذا العمل الثوروي؟ أي يد أبدعت إنسان اليوم بما فيه من رغائب وجهاد وجسارة وعناد؟
अज्ञात पृष्ठ