هذه الآية يجب أن تطبع بأحرف من نور على الأبواب والجدران وكل مكان، يجب أن تطبع في أعماق القلوب، وتكون حديثنا الدائم لنتعلم منها إلى أي حد يمكن الاتكال على ظواهر الثروة وصداقة البشر.
ألم أقل لك غير مرة أن الغنى ظل زائل فلم تصدق. كنت أقول فتغضب. كنت أقول لك إن الذين يحرقون بخور الثناء بين يديك ليسوا بأصدقائك، وإن تعنيفي لأجدى لك من تمليقهم، وإن الجراح التي تؤتى عن يد الصديق لأفضل من قبلات الخائن فلو احتملت هذه الجراح لما كنت الآن تئن من جور الساعين إلى هلاكك.
أين هم ضيوفك الذين كانوا يمجدونك بالأمس لينجدوك اليوم؟ هيهات! لقد نفروا منك واختفوا عنك مخافة أن يقال إن لهم صلة بك، أما نحن الألى احتملوا غضبك وجورك فإننا نحميك بعد سقوطك، وهذا المعبد الذي حاربته يفتح صدره لك ويبسط جناحه عليك.
لا أريد الشماتة والاشتفاء، ومعاذ الله أن أحاول إغراق شقي غلبت عليه الزوبعة، ولكني أريد أن أظهر الخطر لمن ينام آمنا غدرات الزمان، فليعتبر كل مغرور تسكره خمرة الفوز بما أصاب هذا الرجل.
لقد رأيتموه بالأمس عندما توافدت رسل الإمبراطور للقبض عليه، وقد علت صفرة الموت جبينه، واصطكت أسنانه فرقا، ونفضت الرعدة في مفاصله، ولا تزال نافضة حتى الساعة.
أنا لا أسدد نحوه سهام اللوم، ولا أزيد شقاءه بالإهانة، فالشقاء لا يدعو إلا إلى الرحمة، وهذا ما أطلبه منكم، فلتكن رحمتنا على قدر شقائه ، ولتلن القلوب القاسية التي تلومنا لأننا لم نقفل في وجهه أبواب هذا الهيكل.
أيها الإخوان علام تغضبون؟ ألأننا حمينا في الكنيسة من حاربها؟ أو ليس الأصح أن نسر ونحمد الله؛ لأنه حبانا النصر، وأجبر هذا العدو ألا يجد عونا إلا في قوة كنيسته ورحمتها؟ أقول قوتها لأنه لم يهو إلى الحضيض إلا لأنه ناوأها، وأقول رحمتها لأنها تريد اليوم أن تحمي من اضطهدها وتفتح له كالأم صدرها. هل ثمة نصر مبين كهذا النصر؟ أو يمكن أن تفحم أعداءها بأبلغ من هذا البرهان؟ وأي برهان كالعفو عن عدوها المترامي على أقدامها ودرء غضب الناس عنه، والوقوف لحمايته بين غضب الأمير وانتقام الأمة؟ ألا تجدون أنه أجمل وسام يرصع به صدر هذا الهيكل؟
رب معترض يقول: كيف نسمي انتصارا تدنيس هذا المقام بوجود الخائن الأثيم فيه. على رسلكم يا إخواني! أنسيتم تلك الخاطئة التي ارتمت على قدمي السيد وأخذت تقبلهما. حذار أن لا يكون إيمانكم سوى حب انتقام، واذكروا ما قال المسيح: «سامحهم لأنهم لا يعرفون ما يعملون.»
قد يعترض أيضا أنه هو الذي قفل هذا الملجأ في وجهه بالشرعة التي سنها. ألا فانظروا عبرة ذلك فإنه اليوم أول من عصى هذه الشرعة، فيستطيع أن يتبين فسادها، وكأني به يقول لكم لا تقتفوا أثري ولا تترسموا خطاي إذا أردتم أن لا تتعذبوا عذابي، ما أبلغ هذا المصاب! وما أقوى النور المتفجر من هذا المقدس! ما أبهى العظمة التي تكتنفه منذ قبض على هذا الأسد! هكذا صورة الأمير لا يعليها في عيوننا التاج المرصع وحلة الأرجوان، بل يعليها البربر المقيدون بالسلاسل عند قدميه؛ أيديهم وراء ظهورهم ورءوسهم منحنية إلى الأرض.
لم تشهد البلاد في أعظم أعيادها حفلا كهذا. لقد أقفرت الدور والخدور والطرق، وأقبلتم جميعا رجالا ونساء لتشهدوا تقهقر الضعف البشري، وزوال المجد الدنيوي، وانصرام أسباب الفخر الكاذب، ما أعظمها عبرة للأغنياء! رجل كان بالأمس يهز العالم بحركة من حاجبيه يصبح اليوم يرجف فرقا كأحقر الحيوان! بل هي عظة للفقير أيضا يتعلم بها العزاء فلا يشكو ولا يتذمر، بل يحمد الفقر الذي جعله في مأمن من هذه التقلبات والغير. فاليوم هو درس للجميع أغنياء وفقراء، كبارا وصغارا، عبيدا وأحرارا. كل يجد لدائه دواء ولآلامه عزاء.
अज्ञात पृष्ठ