खिताब व तघैयुर इज्तिमाई
الخطاب والتغير الاجتماعي
शैलियों
أما الذي يمكننا التساؤل عن صحته فهو: إن كانت مثل هذه النظرية ومثل هذه البحوث تعترف بالأهمية التي دائما ما تمتعت بها اللغة في الحياة الاجتماعية، وإن لم تكن قد حظيت بالتقدير الكافي من قبل، أو إن كان يتجلى فيها فعلا زيادة الأهمية الاجتماعية للغة. وعلى الرغم من احتمال صحة هذا وذاك، فأعتقد أننا شهدنا تحولا كبيرا في العمل الاجتماعي للغة، وهو التحول الذي يتجلى في بروز دور اللغة في جوانب التغير الكبرى التي حدثت على امتداد العقود القليلة الماضية، ولا يقتصر عدد كبير من هذه التحولات الاجتماعية على استعمال اللغة، بل إن وجوه التغير في الممارسات اللغوية قد ساهمت إلى حد كبير في إحداث هذه التحولات الاجتماعية، وربما وجدنا أحد المؤشرات على الأهمية المتزايدة للغة في التغير الاجتماعي والثقافي في طبيعة المحاولات المبذولة للتحكم في مسار التغيير، إذ أصبحت تضم محاولات متزايدة لتغيير الممارسات اللغوية؛ ولأضرب الآن بعض الأمثلة:
انظر أولا إلى ما شهدته بلدان كثيرة في الآونة الأخيرة من بروز التوسع في فكرة التسويق، بحيث امتد مفهوم السوق ليشمل مجالات جديدة في الحياة الاجتماعية؛ إذ أصبحت بعض القطاعات مثل التعليم والرعاية الصحية والفنون مطالبة بإعادة هيكلتها، وإعادة تحديد مفاهيمها حتى تتسق أنشطتها مع مبدأ إنتاج السلع وتسويقها بين المستهلكين لها (أوري، 1987م)، وقد كانت لهذه التغييرات آثارها العميقة في أنشطة العاملين في هذه القطاعات، وعلاقاتهم الاجتماعية وهوياتهم الاجتماعية والمهنية. ويضم جانب كبير من تأثيرها جوانب تغيير في الممارسات الخطابية، أي جوانب تغيير في اللغة؛ ففي مجال التعليم، على سبيل المثال، يجد الناس أنهم يتعرضون للضغوط الرامية إلى الانخراط في أنشطة جديدة تحددها الممارسات الخطابية إلى حد كبير (مثل التسويق) وإلى اللجوء إلى ممارسات خطابية جديدة داخل الأنشطة القائمة (مثل التدريس)، ويتضمن هذا «إعادة صياغة» للأنشطة والعلاقات، مثل إعادة تسمية الطلاب بوصفهم بأنهم «مستهلكون» أو «عملاء»، ووصف المناهج العلمية بأنها «بضائع» أو «منتجات»، كما يتضمن إعادة هيكلة خفية للممارسات الخطابية للتعليم - فيما يتعلق بأنماط الخطاب المستخدمة فيها (من حيث الأنواع والأساليب وهلم جرا) - و«استعمار» التعليم من جانب أنماط خطابية من خارجه، بما في ذلك الإعلان، والإدارة، وجلسات إسداء المشورة.
ونقول أيضا إن الصناعة تتجه الآن إلى ما يسمى مرحلة الإنتاج «فيما بعد فورد» (باجولي ولاش، 1988م؛ باجولي، 1990م)، التي تعني أن العمال لم يعودوا يمارسون عملهم بصفتهم أفرادا يؤدون مهام متكررة في إطار عملية إنتاج لا تتغير، بل باعتبارهم أعضاء في فرق تجمع بينهم وتربطهم علاقة تتسم بالمرونة في عملية سريعة التغيير. أضف إلى ذلك أن الإدارة أصبحت تنظر إلى العلاقات التقليدية بين العامل/الموظف والشركة، باعتبارها فاشلة في هذا السياق، ومن ثم حاولت تغيير ثقافة مكان العمل، وقد يكون ذلك مثلا بإنشاء مؤسسات تضفي المزيد من طابع المشاركة على علاقة العاملين بالإدارة مثل ما يسمى «حلقات الجودة». ووصف هذه التغيرات بأنها ثقافية ليس مجرد ألفاظ تقال؛ إذ إن التغيرات تهدف إلى إرساء قيم ثقافية جديدة، وإذكاء روح الجد عند العمال، بحيث يتمتعون بدوافع ذاتية، وكما يقول روز (في بحث غير منشور) بالقدرة على «الإدارة الذاتية». وتعتبر هذه التغييرات في التنظيم وفي الثقافة، إلى حد كبير، تغييرات في الممارسات الخطابية؛ إذ إن استعمال اللغة يكتسب أهمية أكبر باعتباره من وسائل الإنتاج والرقابة الاجتماعية في مكان العمل، وإذا شئنا المزيد من التحديد قلنا: إن المتوقع اليوم أن يشتبك العمال في تفاعل مباشر فردي وجماعي باعتبارهم متحدثين وسامعين، وتؤكد جميع توصيفات الوظائف المكتبية تقريبا، حتى على أدنى المستويات، مهارات التواصل. ومن نتائج هذا أن الهويات الاجتماعية للعاملين، التي كان ينظر إليها بالصورة التقليدية باعتبارها «وظيفية» وحسب، قد أصبحت تنتمي إلى مجال الحياة الشخصية، ومن المعالم البارزة لهذه التغييرات أنها تتجاوز الحدود القومية، فأساليب الإدارة الجديدة والأشكال الجديدة مثل «حلقات الجودة»، مستوردة من البلدان الناجحة اقتصاديا مثل اليابان، بحيث نجد أن جوانب التغيير في الممارسات الخطابية في مكان العمل قد بدأت تكتسب طابعا دوليا إلى حد ما. والنظام العالمي الجديد للخطاب يتميز إذن بانتشار التوتر ما بين الممارسات المستوردة التي يزداد طابعها الدولي وبين التقاليد المحلية.
وتوجد أمثلة أخرى كثيرة على التغيير، مثل أنواع التغيير في العلاقات بين الأطباء والمرضى، وبين السياسيين والجمهور، وبين الرجال والنساء في أماكن العمل وفي الأسرة، وهي التي تعتمد في بنائها إلى حد ما على الممارسات الخطابية الجديدة. أضف إلى ذلك أن ازدياد ظهور الخطاب في التحولات الاجتماعية يوازيه - كما ذكرت عاليه - اهتمام بالتحكم في الخطاب؛ أي بإحداث تغييرات في الممارسات الخطابية في إطار استحداث التغير الاجتماعي والثقافي. إننا نشهد ما أسميته «إخضاع الخطاب للتكنولوجيا» (فيركلف، 1990م، ب)؛ إذ نشهد التكنولوجيات الخطابية التي تعتبر نمطا من أنماط «تكنولوجيات الحكومة» (روز وميلر، 1989م) التي يجري تطبيقها الآن بصورة منتظمة في شتى المنظمات، ويتولى ذلك تكنولوجيون محترفون يجرون البحوث في الممارسات الخطابية، ويعيدون تصميمها، ويقومون بالتدريب على استخدامها، وكان من بين الأمثلة المبكرة لهذا التطور نشأة من يوصفون بأنهم متخصصون في علم النفس الاجتماعي ويتولون التدريب على اكتساب مهارات معينة (انظر أرجايل، 1978م). وقد بدأ النظر إلى التكنولوجيات الخطابية، مثل إجراء المقابلات الشخصية أو جلسات إسداء المشورة باعتبارها تقنيات لا ترتبط بسياق معين، أو من المهارات التي يمكن تطبيقها في شتى المجالات المختلفة. كما يجري على نطاق واسع إخضاع الممارسات الخطابية المؤسسية للمحاكاة؛ إذ إن الممارسات الخطابية للمحادثات، وهي التي تنتمي بصورة تقليدية إلى مجال الحياة الخاصة، أصبحت تخضع بانتظام للمحاكاة داخل بعض المنظمات (وسوف نعود لمناقشة تكنولوجيات الخطاب في الفصل السابع).
هدفي إذن وضع مدخل لتحليل الخطاب يمكن استخدامه باعتباره منهجا من بين مناهج أخرى للبحث في جوانب التغير الاجتماعي، مثل التي أشرت إليها عاليه. وتتوقف فائدة أي منهج من مناهج تحليل الخطاب في مثل هذه السياقات على تلبيته عددا من الشروط كحد أدنى، وسوف أعلق على أربعة منها، وفي غضون ذلك أورد بعض التفاصيل الخاصة بمدخلي الذي ذكرته آنفا. لا بد أن يكون أولا منهجا صالحا للتحليل المتعدد الأبعاد؛ إذ إن مدخلي الثلاثي الأبعاد يتيح تقييم العلاقات بين التغير الخطابي والتغير الاجتماعي، ويتيح إقامة العلاقة بين الخصائص التفصيلية للنصوص بصورة منتظمة وبين الخصائص الاجتماعية ل «الأحداث الخطابية» باعتبارها من أمثلة الممارسة الاجتماعية.
ولا بد أن يكون ثانيا منهجا صالحا للتحليل المتعدد الوظائف، فالممارسات الخطابية المتغيرة تسهم في التغير في المعرفة، (بما في ذلك المعتقدات والمنطق السليم) والعلاقات الاجتماعية، والهويات الاجتماعية، والمرء يحتاج إلى مفهوم للخطاب ومنهج للتحليل يعمل حسابا للتفاعل بين هذه جميعا. ولدينا نقطة انطلاق صالحة تتمثل في النظرية المنهجية للغة (هاليداي، 1978م) التي ترى أن اللغة متعددة الوظائف، وترى أن النصوص تقوم في آن واحد بتمثيل الواقع، وتحديد العلاقات الاجتماعية، وإنشاء الهويات. وسوف تزداد فائدة نظرية اللغة المذكورة إذ اقترنت بتأكيد الخصائص الاجتماعية البناءة للخطاب في المداخل الاجتماعية النظرية إلى الخطاب، مثل مداخل فوكوه.
ولا بد أن يكون ثالثا منهجا للتحليل التاريخي، أي إن على تحليل الخطاب أن يركز على عمليات الهيكلة أو عمليات «الإفصاح والربط» في بناء النصوص، وأن يركز في الأجل الطويل على «نظم الخطاب» (أي الصور الكلية للممارسات الخطابية في مؤسسات معينة، أو حتى في مجتمع برمته). وأما على مستوى النصوص، فأنا أنظر إلى هذه العمليات من زاوية «التناص» (انظر الفصل الرابع)، فالنصوص تبنى من خلال نصوص أخرى يجري الإفصاح عنها وترابطها بطرائق معينة، وهي طرائق تعتمد على الظروف الاجتماعية وتتغير بتغيرها. وأما على مستوى نظم الخطاب، فالعلاقات بين الممارسات الخطابية والحدود بينها في مؤسسة ما، أو في المجتمع كله، تتغير بالتدريج بطرائق تتفق مع اتجاهات التغير الاجتماعي.
ولا بد أن يكون رابعا منهجا نقديا؛ إذ إن العلاقات بين التغير الخطابي والاجتماعي والثقافي ليست في العادة شفافة عند الأشخاص الذين يرتبطون بها، وقس على ذلك إخضاع الخطاب للتكنولوجيا، والوصف بأنه «نقدي» يعني ضمنا أنه يبين الروابط والأسباب الخفية، كما يعني التدخل كذلك، بمعنى توفير الموارد للذين يضارون بسبب التغيير. ومن المهم في هذا الصدد أن نتجنب صورة التغيير الخطابي باعتبارها عملية ذات اتجاه واحد يمتد من القمة إلى القاعدة؛ إذ إننا نجد صراعا حول هيكلة النصوص ونظم الخطاب، وقد يقاوم الناس أو يتبنون جوانب التغيير القادمة من المستوى الفوقي، أو يجارونها وحسب. (انظر مناقشة ذلك في الفصل الثالث، والفصل السابع أدناه.)
وختاما لهذه المقدمة أقدم عرضا موجزا مسبقا لدراسة التغير الخطابي في الفصول 3-7. أما الفصل الثالث فيقدم التركيب الذي أنجزته، والذي يجمع بين مفاهيم الخطاب ذات التوجه الاجتماعي والتوجه اللغوي. ويرتكز وصفي للتحليل على مستوى البعد الخاص بالممارسة الخطابية على مفهوم التناص. وأما وصفي للتحليل على مستوى البعد الخاص بالممارسة الاجتماعية فيرتكز على مفهوم الأيديولوجيا، وخصوصا الهيمنة؛ بمعنى أنها أسلوب للسيطرة يقوم على التحالفات، وضم الجماعات الثانوية، وتوليد الرضا. والواقع أن ضروب الهيمنة داخل منظمات ومؤسسات معينة وعلى المستوى المجتمعي يجري إنتاجها، وإعادة إنتاجها، ومعارضتها وتحويلها داخل الخطاب. أضف إلى ذلك أنه يمكن النظر إلى هيكلة الممارسات الخطابية بطرائق معينة داخل نظم الخطاب بحيث تصبح «مطبعة» وتحظى بالقبول على نطاق واسع، باعتبارها في ذاتها شكلا من أشكال الهيمنة (الثقافية بصفة خاصة). وهكذا فإن الجمع بين مفهومي التناص والهيمنة هو الذي يجعل إطار الفصل الثالث مفيدا للبحث في التغير الخطابي في علاقته بالتغير الاجتماعي والثقافي، وأما تحديد النصوص وأنماط النصوص السابقة التي تعتبر مصدرا ينهل منه (أي «حادثة خطابية» خاصة)، وكيف تفصح عن نفسها، فيعتمد على موقف الحادثة الخطابية إزاء أنواع الهيمنة وضروب الصراع حول الهيمنة، أي إذا ما كانت الحادثة الخطابية تعارض، مثلا، ممارسات وعلاقات الهيمنة القائمة أو تسلم بوجودها وتقبلها كما هي. والمدخل للتغير الخطابي المبين في الفصل الثالث يجمع بين صورة النص والممارسة الخطابية المأخوذة من باختين من طريق مفهوم التناص عند كريستيفا (باختين، 1981م و1986م، وكريستيفا، 1986م، أ)، وبين صورة السلطة المأخوذة من نظرية الهيمنة عند جرامشي (جرامشي، 1971م؛ بوسي - جلوكمان، 1980م).
وأتناول بالتفصيل الإطار المبين في الفصل الثالث في الفصول التي تليه؛ فالفصل الرابع يتناول مفهوم التناص من حيث التمييز بين التناص «الواضح» (أي الوجود الصريح لنصوص أخرى داخل نص ما) وبين «التفاعل الخطابي» (أي تكوين نص من مجموعة من أنماط النصوص أو الأعراف الخطابية)، وأقدم فيه طريقة للتمييز بين الأنواع المختلفة من أعراف الخطاب، وتحديد العلاقات بينها، مثل «الأنواع»، و«ضروب الخطاب» و«الأساليب»، و«أنماط النشاط». ويناقش الفصل التناص أيضا من زاوية علاقته بالإسهام الاجتماعي للنصوص والتحولات التي تتعرض لها، وعلاقته ببناء الهوية الاجتماعية في الخطاب. وأما في الفصلين الخامس والسادس، فأنا أركز على تحليل النصوص، ويتصدى هذان الفصلان لبعض جوانب النص، مثل المفردات والنحو، والتماسك، وبناء النص، وقوة النص وترابط معناه (وانظر مناقشة هذه المصطلحات في الفصل الثالث). والفصلان يتناولان أيضا فكرة تحليل الخطاب باعتبارها متعددة الوظائف، فالفصل الخامس يتناول أساسا وظيفة الخطاب في تشكيل الهويات الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية، ويركز الفصل السادس على تشكيل نظم المعرفة والعقيدة في الخطاب وإعادة إنتاجها وتغييرها. وأما الفصل السابع فيركز على بعد معين من أبعاد الخطاب، وهو بعد الممارسة الاجتماعية، ويؤكد خصوصا بعض اتجاهات التغيير العريضة ذات التأثير في نظم الخطاب المعاصرة (مثل إضفاء الديمقراطية أو الطابع السلعي أو التكنولوجي على الخطاب) وعلاقتها بضروب التغير الاجتماعي والثقافي.
अज्ञात पृष्ठ