खिताब व तघैयुर इज्तिमाई
الخطاب والتغير الاجتماعي
शैलियों
وعلى الرغم من أن الهيمنة هي الشكل التنظيمي السائد فيما يبدو للسلطة في المجتمع المعاصر، فإنها ليست الشكل الوحيد؛ إذ نرى أيضا بقايا شكل كان أشد بروزا يوما ما، إذ تتحقق الهيمنة فيه بالفرض الصارم للقواعد والمعايير والأعراف. ويبدو أن ذلك يتفق مع النموذج الشفري للخطاب، أي الذي يرى الخطاب باعتباره تحقيقا لشفرات تتميز بأطر قوية وتصنيف محكم (بيرنشتاين 1981م) وممارسة معيارية صلبة التنظيم. وهذا يمثل عكس ما يمكن أن نسميه نموذج الخطاب «الترابطي» الموصوف آنفا والذي ينتمي إلى شكل تنظيمي للهيمنة. والنماذج الشفرية ذات توجه مؤسسي إلى حد بعيد، على عكس النماذج الترابطية ذات التوجه الأقوى إلى الجمهور أو العملاء، قارن الصورة التقليدية لخطاب قاعة الدرس أو خطاب الطبيب والمريض بالصورة الحديثة لهذا وذاك (وأنا أناقش نماذج محددة من النوع الأخير في الفصل الخامس أدناه). ومن ناحية أخرى نجد أن من يكتبون عن مذهب «ما بعد الحداثة» يشيرون إلى ظهور شكل تنظيمي للسلطة يصعب تحديده بعض الشيء، لكنه يمثل زيادة الابتعاد عن التوجه المؤسسي (المرتبط بافتراض هدم مركزية السلطة)، ويبدو أنه يقترب من نموذج «فسيفسائي» للخطاب يميز الممارسة الخطابية باعتبارها إعادة ترابط دائم لا يكاد يخضع لأية قيود بين العناصر. ويشار إلى الممارسة الخطابية التي تتفق فيما يبدو مع هذا النموذج بأنها «ما بعد حداثية» (جيمسون 1984م) وأوضح أمثلته الإعلانات (انظر فيركلف، 1989م، أ، 197-211). وسوف أعود إلى هذه النماذج الخاصة بالخطاب في الفصل السابع أدناه، في غمار مناقشة لاتجاهات عامة معينة تؤثر في نظم الخطاب المعاصرة.
وتلخيصا لما سبق أقول: إنني حددت، في إطار تحليل الخطاب ذي الأبعاد الثلاثة الذي عرضته آنفا، الاهتمام الرئيسي برصد الرابطة الشارحة في أمثلة معينة من الخطاب بين طبيعة الممارسات الاجتماعية التي تعتبر هذه الأمثلة جزءا منها، وبين طبيعة ممارستها الخطابية، بما في ذلك الجوانب المعرفية الاجتماعية لإنتاجها وتفسيرها. ومفهوم الهيمنة يعيننا على فعل هذا؛ إذ إنه يوفر للخطاب إطارا - أي أسلوبا - لتحليل الممارسة الاجتماعية التي ينتمي إليها الخطاب من زاوية علاقات السلطة، أو التساؤل عما إن كانت تعيد إنتاج الهيمنة القائمة أو تعيد بناءها أو تطعن فيها، ونموذجا، أي أسلوبا لتحليل الممارسة الخطابية نفسها باعتبارها شكلا من أشكال الصراع على الهيمنة، وهو الذي قد يعيد إنتاج نظم الخطاب القائمة أو يعيد بناءها أو يطعن فيها. ومن شأن هذا تأكيد صحة الصبغة السياسية للممارسات الخطابية، وما دامت صور الهيمنة تتسم بأبعاد أيديولوجية، فإن ذلك يفتح الباب أمام تقييم الصبغة الأيديولوجية للممارسات الخطابية. ومن المزايا الكبرى لمناقشة الهيمنة في السياق الحالي أنها تسهل التركيز على التغيير وهو الذي يمثل آخر اهتماماتي في هذا الفصل. (5) التغير الخطابي
يركز هذا الكتاب على التغير الخطابي في علاقته بالتغير الاجتماعي والثقافي؛ والمبرر المنطقي لكتابته مذكور في «المقدمة» ويقول إنه النظر في العمل الذي يؤديه الخطاب في الحياة الاجتماعية المعاصرة. والواقع أن لدينا بؤرتين تتفقان مع الجدلية الدائرة بين نظم الخطاب والممارسة الخطابية أو الحادثة الخطابية. فالمرء يحتاج، من ناحية معينة، إلى أن يفهم عمليات التغيير في الصورة التي تتخذها في الأحداث الخطابية، ويحتاج من ناحية أخرى إلى التوجيه حتى يعرف كيف تؤثر إعادة الترابط في نظم الخطاب. وأناقش الآن هاتين المسألتين بالترتيب.
للتغيير في الحادثة الخطابية أصول ودوافع مباشرة تكمن في الإشكالية التي تنشأ في أعراف منتجي النصوص ومفسريها بأساليب منوعة. فعلى سبيل المثال نرى أن الإشكالية التي نشأت في أعراف التفاعل بين المرأة والرجل قد انتشرت في شتى المؤسسات والمجالات. وأمثال هذه الإشكاليات تقوم على التناقضات، وهي التناقضات في هذه الحالة بين مواقع الذوات التقليدية للجنسين التي درج الكثير منا على اكتسابها في أثناء التكيف الاجتماعي، وبين العلاقات الجديدة بين الجنسين. وعلى مستوى مختلف إلى حد ما، يمكن أن نعتبر أن الخطاب السياسي للسيدة ثاتشر قد نشأ من الإشكالية التي تعرضت لها الممارسات الخطابية اليمينية التقليدية في الظروف التي اتضحت فيها التناقضات بين العلاقات الاجتماعية، ومواقع الذوات، والممارسات السياسية التي نشأت منها، والعالم المتغير. وعندما تنشأ الإشكاليات يواجه الناس ما يسميه بيليج وآخرون (1988م) «معضلات». وكثيرا ما يحاول الناس التغلب على هذه المعضلات بأساليب تجديدية خلاقة، أي بالتكيف مع الأعراف القائمة بطرائق جديدة، وبذلك يسهمون في التغيير الخطابي. ويؤدي التناص الراسخ - ومن ثم الطابع التاريخي لإنتاج النصوص وتفسيرها - إلى إقرار النزعة الخلاقة باعتبارها أحد الخيارات المتاحة. ويضم التغيير أشكالا من التعدي، وتجاوز الحدود، مثل إعداد تشكيلات جديدة من الأعراف القائمة، أو الانتفاع بالأعراف في حالات تحول عادة دون ذلك.
وأمثال هذه التناقضات والمعضلات والرؤى الذاتية للمشكلات في المواقف العملية تتجسد اجتماعيا في تناقضات بنائية وصراع على المستويين المؤسسي والمجتمعي. فإذا تابعنا المثال الخاص بالعلاقة بين الجنسين رأينا أن مواقع الأفراد المتناقضة في الأحداث الخطابية والمعضلات الناجمة عنها ذات أصول في التناقضات البنائية في علاقات الجنسين داخل المؤسسات والمجتمع كله. وأما العامل الحاسم الذي يحدد تجليات هذه التناقضات في أحداث معينة فهو علاقة هذه الأحداث بالصراعات الدائرة حول تلك التناقضات. واستقطاب إمكانيات أشد تركيبا وتعقيدا يعني أن الحادث الخطابي قد يمثل إما إسهاما في الحفاظ على العلاقات وضروب الهيمنة التقليدية بين الجنسين وإعادة إنتاجها، مستندا بذلك إلى الأعراف الإشكالية، وإما إسهاما في تحويل طابع هذه العلاقات من خلال الصراع على الهيمنة، محاولا بذلك حل المعضلات من خلال التجديد. وللأحداث الخطابية نفسها آثار تراكمية في التناقضات الاجتماعية والصراعات الدائرة حولها. وموجز القول إذن أن العمليات المعرفية الاجتماعية يمكن أن تكون تجديدية فتسهم في التغيير الخطابي، ويمكن ألا تكون كذلك، طبقا لطبيعة الممارسة الاجتماعية.
فلننتقل الآن إلى البعد النصي للخطاب. إن التغيير يخلف آثارا في النصوص تتخذ شكل تواجد عناصر متناقضة أو غير متسقة، كأن تكون ضروبا من المزج بين الأسلوبين الرسمي وغير الرسمي، والمفردات التقنية وغير التقنية، والعلامات الدالة على السلطة أو على الألفة، وأشكال من التراكيب المميزة للكتابة والتراكيب المميزة للغة المنطوقة وهلم جرا. فإذا كتب لاتجاه معين من اتجاهات التغيير أن يشيع ويصبح مقبولا، أي أن يكتسب صلابة العرف الجديد الناشئ، فإن النصوص التي كانت تبدو للمفسرين متناقضة الأسلوب في البداية سوف تفقد ما كانت توحي به من أنها «قص ولصق» وتبدو بلا ثغرات. ومثل هذا التطبيع لا غنى عنه في إنشاء ضروب جديدة من الهيمنة في مجال الخطاب.
ويؤدي بنا هذا إلى المسألة الثانية التي نركز عليها وهي نظم الخطاب. فلما كان منتجو النصوص ومفسروها يجمعون بين أعراف خطابية وشفرات وعناصر بطرائق جديدة في الأحداث الخطابية التجديدية، فإنهم ينتجون بصورة تراكمية تغييرات بنائية في نظم الخطاب: أي إنهم يفككون نظم خطاب قائمة، ويعيدون هيكلة نظم خطاب جديدة، أي ضروب هيمنة خطابية جديدة. وقد تؤثر أمثال هذه التغييرات البنائية في نظام الخطاب «المحلي» فقط لإحدى المؤسسات، وقد تتجاوز المؤسسات وتؤثر في النظام المجتمعي للخطاب. ومن ثم ينبغي أن يستمر انتقال التركيز، أثناء إجراء البحوث في التغيير الخطابي، بين الحادث الخطابي وأمثال هذه التغييرات البنائية، لأنه من المحال تقدير قيمة الأول وأهميته لعمليات التغير الاجتماعي الأوسع نطاقا، من دون الاهتمام بالأخير، تماما مثلما يستحيل تقدير مدى إسهام الخطاب في التغيير الاجتماعي دون اهتمام بالأول.
فلأضرب أمثلة توضح القضية التي يمكن للمرء أن يبحثها في إطار دراسات التغير في نظم الخطاب، مشيرا إلى نمطين متصلين من أنماط التغيير التي تؤثر حاليا في النظام المجتمعي للخطاب (وسوف أتوسع في مناقشة هذين في الفصل السابع أدناه). الأول إضفاء الديمقراطية ظاهريا على الخطاب بالتقليل من الدلائل السافرة على التفاوت في السلطة بين الأشخاص الذين تتفاوت سلطتهم المؤسسية، أي: مثلا بين المعلمين والتلاميذ، وبين المديرين والعمال، وبين الآباء والأطفال، وبين الأطباء والمرضى، وهو ما يتضح في الكثير من المجالات المؤسسية. والمثال الثاني هو ما سبق لي أن أسميته ب «الطابع الشخصي المصطنع» (فيركلف، 1989م، أ) أي اصطناع نبرة الحديث الشخصي بين اثنين فقط في الخطاب العام الموجه للجماهير (في الصحف والراديو والتليفزيون). ولنا أن نربط هذين الاتجاهين بانتشار خطاب المحادثة وانتقاله من المجال الخاص لعالم الحياة إلى المجالات المؤسسية. وقد رسخت جذور هذين الاتجاهين الاجتماعيين الخطابيين من خلال الكفاح، ولكن رسوخ جذورهما محدود، الأمر الذي ينذر بأن عناصرهما غير المتجانسة سوف يتضح تناقضها الذي يؤدي إلى المزيد من الصراع والتغيير.
ومن جوانب انفتاح نظم الخطاب على الصراع أن عناصر أي نظام من نظم الخطاب لا يتضمن قيما أو أشكالا لصبغة أيديولوجية ثابتة. ولننظر مثلا في جلسات المشورة؛ إنها، فيما يبدو، أسلوب بريء من إصدار التعليمات أو الأحكام، بل نهج للتعاطف مع الناس والتحادث معهم حول أنفسهم ومشاكلهم في جلسات تقتصر على فردين فقط. ورغم أن جلسات المشورة ذات أصول علاجية، فإنها تشيع الآن باعتبارها تقنية معينة في العديد من المجالات المؤسسية، نتيجة لإعادة بناء نظام الخطاب إعادة لها مغزاها، ولكن هذا التطور أصبح ذا معنى شديد الالتباس من الزاويتين الأيديولوجية والسياسية. فمعظم مقدمي المشورة يرون أنهم يقدمون مساحة فردية للأشخاص في عالم تزداد معاملته لهم بصفتهم أصفارا، وهو ما يجعل جلسات المشورة تبدو ممارسة مضادة للهيمنة، وتجعل استعمارها لمؤسسات جديدة تزداد أعدادها بانتظام يبدو تغييرا تحرريا. ومع ذلك فإن جلسات المشورة تستخدم اليوم بديلا مفضلا عن الإجراءات التأديبية السافرة في مؤسسات منوعة، وهو ما يجعلها تبدو في صورة تقنية من تقنيات الهيمنة ما دامت تدخل بعض جوانب الحياة الشخصية للأفراد، ببراعة خفية، إلى مجال السلطة. ويقع الصراع على الهيمنة، فيما يبدو، من خلال جلسات المشورة وانتشارها في جانب منه، ويقع حولها في جانب آخر منه. ويتفق هذا مع ما يقوله فوكوه: «ضروب الخطاب عناصر تكتيكية أو سدود تعمل في ميدان علاقات القوة؛ ومن الممكن أن توجد ضروب مختلفة بل ومتناقضة من الخطاب داخل الاستراتيجية نفسها؛ وعلى العكس من ذلك تستطيع أن تنتشر من دون تغيير شكلها من استراتيجية معينة إلى استراتيجية أخرى معارضة لها» (1981م، 101).
ومن الممكن أن يسهم استكشاف اتجاهات التغيير داخل نظم الخطاب إسهاما كبيرا في المناظرات الجارية حول التغير الاجتماعي. فمن الممكن البحث في إضفاء طابع السوق - أي التوسع في نشر النموذج السوقي في مجالات جديدة - من خلال النظر في الظاهرة الحديثة وهي الاستعمار الواسع النطاق لنظم الإعلانات وغيرها من أنماط الخطاب (انظر فيركلف، 1989م، أ، والفصل السابع أدناه). وإذا كان إضفاء الديمقراطية على الخطاب والطابع الشخصي المصطنع يمكن ربطهما بإضفاء قدر من الديمقراطية الحقة على المجتمع، فمن الممكن أيضا ربطهما بإضفاء طابع السوق عليه ، خصوصا إزاء التحول الظاهر في ميزان السلطة من المنتج إلى المستهلك، وهو ما يرتبط بالنزعة الاستهلاكية وأنواع الهيمنة الجديدة المترتبة عليها. وقد يكون من المفيد أيضا وجود بعد خطابي في المناظرات الدائرة حول الحداثة وما بعد الحداثة. فعلى سبيل المثال: هل يمكننا أن نرى أن إضفاء الديمقراطية والطابع الشخصي المصطنع وانتشار المحادثة ووصولها إلى المجالات المؤسسية يمثل إلغاء الفوارق بين المجالين العام والخاص (جيمسون 1984م) أم تفتيتا للممارسات المهنية التي كانت تتمتع بأبنية متماسكة من قبل؟ (في الفصل السابع مناقشة أوفى.)
अज्ञात पृष्ठ