265

ख्याल के विचार

خواطر الخيال وإملاء الوجدان

शैलियों

لا يغدو الأسد عادة من مربضه إلا بعد الغروب ويروح إليه قبل الشروق فلا يفارقه سحابة النهار إلا نادرا طلبا للماء أو هربا من البعوض أو القيظ؛ لأنه يقضي النهار في عرينه نائما مستريحا في الغابات ليهضم مطمئنا في الدعة والسكون ويتغلب عليه حينئذ الكسل والخدر فلا يلتفت إلى الإنسان وقتئذ إن صادفه، ولكنه يكون بالعكس ليلا ويشاهد بجميع مظاهر قوته وافتراسه ورغبته في الهجوم ، فإن صادفه مدلج منفرد هلك وأعيته الحيل.

وحينما يوجد الأسد مع أليفته تزأر هي أولا عند مبارحتها العرين، ويشمل الزئير اثني عشر صوتا تقريبا مختلفة تبتدئ بنوع خافت أشبه بالتنهد، ثم يزيد شيئا فشيئا حتى ينتهي كما ابتدأ، وبين الصوت والآخر بضع ثوان ويجاوبها الأسد بالتبادل، وإن أرادا الهجوم على دار لافتراس أنعامها يزأران من ربع ساعة لآخر حتى يصلا إليه، وحينما يشبعان يستمران في الزئير لغاية الصباح، ووقتما يكون الأسد منفردا يزأر عند ما يستعد للخروج ويأتي في الغالب صامتا إلى المنازل.

والآساد تفتك فتكا ذريعا في جميع الأقطار التي تسكنها، فلا تدع الإنسان ولا الحيوان وتعد ضحاياها بالمئات، من قرية أعيتها الحيل فهاجر أهلوها وتركوها قاعا صفصفا تزأر فيها الضياغم، وقد تعطلت سكة «أوغاندا» الحديدية بسبب افتراس الأسد للعملة الهنود وتركوا أشغالهم حينما رأوا أنه ما من ليلة إلا يذهب عدد منهم طعاما للسباع، وقد تمكن أخيرا أحد مهندسيهم المسمى «باتيرسون» من صيد أسدين بعدما بلغت ضحاياهما ثمانية وعشرين من الهنود وعددا عظيما مجهولا من الزنوج.

ولنسرد أشهر الوقائع التي كتبها المشاهير من الرحالين والصيادين وما قاسوه من الأهوال في صيد الأسود لتكون مثالا عظيما ندرس به جيدا طباعها وأحوالها وقت الصيد والمهاجمة، ولنستدل على صعوبة مراسها وجرأتها. (3) رحلة لفنجستون

في أثناء طوافي حول غدير «كورمان» انتخبت وادي «مابوتسا» الجميل لأتخذه مقرا للبعثة، وقد وقع لي هناك حادث عظيم كان الناس يسائلونني عنه في أغلب الأحيان منذ عودتي إلى إنجلترا، ولولا مضايقة الأصدقاء وإلحاحهم لكنت ادخرته لأقصه على أولادي عندما تذهب الشيخوخة بذكائي وحدته.

ضج أهل هذا البلد حينما رأوا أن الأسود تباغتهم كل ليلة وتسطو على مطاياهم وأبقارهم حتى بلغ من جرأتها أنها كانت تفتك بالماشية في رابعة النهار مما لم يعتادوا حصوله، واعتقدوا أن إحدى القبائل المجاورة سحرتهم وجعلتهم نهبا للأسود، وقد حاولوا التخلص من هذه الكواسر واجتهدوا أن يبيدوها فلم يفلحوا، إذ هم أضعف كثيرا من قبائل «البشوانا» فاستولى عليهم الجبن ورجعوا إلى دورهم دون أن يطاردوا واحدا من أعدائهم، ومما لا ريب فيه أنه لو قتلوا واحدا منها لكان للبقية خير نذير ولتركت مواطن ابتليت فيها بالصيد.

سطت الأسد من جديد على بهائم «البكويين» فخرجت مع رجال القبيلة مشجعا لهم على قطع دابر هذه الطغمة، فوجدنا الآساد فوق أكمة مجللة بحرجة فالتف حولها الرجال وتسلقها الواحد بعد الآخر، ومكثت في السهل مع أحد الوطنيين المدعو «ميبالويه» وكان معلما في كتاب، وأنبه من جميع أصحابه ذكاء ونشاطا، فرأيت أسدا جاثما على ربوة وقد أحدق بها الصيادون، فصوب إليه «ميبالويه» رصاصة من بندقيته لم تصب إلا الصخرة التي كان مقعيا عليها، فعض المكان الذي أصابته الرصاصة من الصفاة كما يعض الكلب الحجر أو العصا التي يرمى بها، ثم انطلق وثبا واخترق صف الصائدين الذين فتحوا له ممرا ونجا دون أن يجرح، والغالب أن هؤلاء لم يقدموا على مهاجمته اعتقادا منهم بالسحر الذي ابتلوا به وزعما أنهم لا يظهرون على الأسد مهما بلغ جمعهم وبطشهم، ثم التأمت الحلقة وظهر ضيغمان آخران فلم أستطع أن أرميهما خوفا من إصابة أحد الصيادين المحدقين بهما وفرا سالمين، ولو فعل «البكويون» كعادة بلادهم لقتلوا السباع طعنا بالرماج حينما اخترقت صفهم ولكنهم لم يستعملوا سلاحهم قط.

ولما رأيت أن الهجوم غير متيسر لهم عولت على الرواح واتجهت صوت الطريق الموصلة إلى القرية، وبينا أنا أطوف حول الأكمة رأيت أسدا آخر فوق صفاة كالأول مستترا وراء خميلة ولا تزيد المسافة بيني وبينه عن ثلاثين خطوة فصوبت إليه بندقيتي وأطلقت عليه رصاصتين فصاح الرجال: «لقد أصبت فهيا بنا نحمل عليه.» ثم لمحت الأسد يحرك ذنبه بغضب وحنق، فالتفت إلى الصائدين وطلبت منهم أن ينتظروني ريثما أحشو بندقيتي، وبينا أنا أعدها، إذ سمعت صراخ فزع فاقشعر جسمي وما كدت أرفع رأسي حتى رأيت الأسد واثبا علي، وكنت واقفا فوق ربوة فأمسك بكتفي فتدهورت معه إلى حضيض الأكمة وزأر في أذني بقوة مزعجة، فكدت أصم وأفقد صوابي لما أصابني من الرعب، وصرت في قبضته كفأرة ظفر بها سنور ثم أصبحت في حالة خدر لا أشعر فيها لا بفزع ولا بألم، ولو أني كنت واعيا لكل ما حدث وهذا أشبه بحالة المرضى وقت تأثير البنج، إذ ينظرون تفاصيل العملية دون أن يشعروا بمشرط الجراح، وقد بددت رجات الضيغم مني الخوف وأشلت كل عاطفة للفزع بينا الصيادون ينظرون إلى الأسد وجها لوجه.

وكان الأسد قابضا بيمينه على مؤخر رأسي، فاجتهدت أن أتخلص من ضغطه والتفت فرأيت الأسد ناظرا إلى «ميبالويه» الذي صوب إليه بندقيته فلم تنطلق من الجهتين؛ لأنها كانت ذات زند وصوان، فتركني الأسد في الحال وانقض على «ميبالويه» وعضه في فخذه، وكان من بينهم شخص نجيته من الموت حينما قذفته في الهواء فحل من الجاموس، فحاول هذا أن يطعن الأسد وهو جاثم على «ميبالويه» فخلاه وأمسك بهذا الرجل من كتفه، ولكن لم يلبث في الحال أن وقع مدرجا بدمائه من تأثير الرصاص الذي اخترم جسمه، حدث ذاك كله في لحظه قصيرة وبلغ الرئبال منتهى الغيظ والكلب والاستماتة حينما علم أنه آخذ في النزع.

وفي الغد احتفل البكويون بإشعال نار عظيمة فوق جثة الأسد ذلك؛ لأنهم لم يروا له مثيلا في العظم كما قالوا، واعتقادا منهم بأنهم بعملهم هذا يبطلون السحر الذي انتابهم.

अज्ञात पृष्ठ