123

खवातिर

خواطر ثروت أباظة

शैलियों

الأهرام - العدد 32771

31 أغسطس 1976

شريعة الغاب فيما تعرف هي التي تكون الغلبة فيها للأقوى، وهي التي كانت سائدة حين كان الإنسان غريزة بلا حس، ومطالب جسمانية بلا مشاعر، وحيوانا يوشك أن يكون أعجميا بلا روحانية أو فن أو بعض سمو.

وكان الإنسان في هذه الفترة لا يدرك معنى إلا أن يأكل ويتوالد، فإذا تزعم منهم زعيم فبالقوة وحدها يتزعم، حتى إذا علت به السن وأنهكته الأيام غلبه على أمره زعيم آخر، وقد يكون هذا الزعيم ابنه، فأرفق ما يصنعه بأبيه أن يرمي به إلى عقر الدار كمية من الهمل يلقى إليه بالطعام إلقاء، فإذا حدثت مجاعة وقل الصيد فأول من يحرم من الطعام هو ذلك الأب وليلقفه الموت ما دام ضعيفا ولا يستطيع أن يحصل على قوته.

القوة وحدها هي السيد ولا سيد غيرها، والعقل لا عمل له، والمعاني الأخرى التي عرفتها البشرية فيما بعد غيب محجب لا يدري أحد من الناس عنه شيئا، بل قد نعرف عن الغيب خبرا أما هذه المعاني فقد كانت شيئا غير معروف على إطلاقه.

ومرت الأزمان، وادعى الإنسان أنه تحضر وعرف الرقي والسمو والرفعة، وأشرق العلم بأضوائه الساطعة، وتسابقت الفنون على ألوانها وأشكالها المختلفة من موسيقى إلى أدب إلى فن تشكيلي إلى تمثيل، وادعى الإنسان أنه أصبح ذا مشاعر رفيعة يعرف الحب ويعرف الوفاء ويعرف طاعة الآباء والبر بهم ويعرف الصداقة ويعرف أسمى ما بلغته البشرية من التضحية من أجل الوطن أو الصديق أو الأب أو الابن.

ولعل هذه المعاني تكون حقيقة في حياة أفراد، وصلات بعض البشرية ببعض، ولكن أين هذه المعاني من صلات الدول بعضها ببعض؟

لم تستطع هذه المعاني أن تمنع الحروب ، فشملت عهود التاريخ جميعا مستمرة متلاحقة حتى لا يستطيع الإنسان أن يذكر فترة من التاريخ مرت دون حروب مستطيلة متلاحقة سنوات عددا، أو تنكمش لتنتهي في فترة وجيزة لتتبعها حروب أخرى، وتأخذ حرب برقاب حرب أخرى.

حتى كانت الحرب العالمية الأخيرة، وانفجرت القنبلة الذرية لتمحق مدينتين في اليابان إن وجد مفجرهما عذرا هشا للقنبلة الأولى مدعيا أنه ينهي بها حربا عالمية، استحال عليه أن يجد العذر للقنبلة الثانية، التي كان عنها في غناء شديد، إلا أن يكون ميراثه من عهد الغاب هو الذي سيطر عليه وهو يلقيها، بل لعله كان أكثر همجية من عهد الغاب، لأن الإنسان الأول كان يقتل ليأكل ولم يكن يقتل لمجرد القتل.

واستطاعت هذه القنبلة حين استقرت آمنة عند الدولتين الكبريين أن توقف الحروب العالمية، ولكن هل توقفت الحروب العالمية بسبب السمو الإنساني أم بسبب خوف كل دولة من الاثنتين، مما قد تلحقه به الأخرى؟ المؤكد أن المعاني السامية لا شأن لها بتوقف الحروب الكبرى، ولو أن إحدى الدولتين أصابت القنبلة الذرية دون الأخرى لسيطرت على العالم أبشع ما تكون السيطرة.

अज्ञात पृष्ठ