اختصاص الجزيرة العربية
[أسئلة]
٣٩- ولماذا اختصت الجزيرة العربية بالرسالات الأولى: رسالة إدريس، ونوح وهود، وصالح، وكان لإبراهيم الفضل فى إنشاء البيت، وكان شعيب قد بعث فى مدين بها، وانبعث نور رسالة موسى ﵇ منها.
ثم لماذا كانت مهجر اليهود عندما نزل بهم الأذي، ونزل بهم سوء العذاب؟ ولماذا وجد المسيحيون الأول فيها مأوى؟
[الجواب]
ونجيب عن هذه الأسئلة بأمور ثلاثة:
أولها:
أن البلاد العربية ليست بلادا متوحشة، كما يتوهم الذين يحكمون بغير بينات، أو الذين يرمون الكلام على عواهنه، أو الذين يتجنون على الحقائق مغرضين غير منصفين، إنما هى بلاد فيها ذكاء ونفوس صافية كصفاء سمائها، وقوة الاستجابة فيها متكافئة مع قوة المقاومة. وليس لأحد أن يدعى أن بلادا فى العصور القديمة كانت أكثر منها تحضرا، فأوربا كانت فى غربها تعيش كالوحوش، فالواندال أو سكسون وغيرهم لم تصل إليها حضارات قبل أن تصل المسيحية، وما وصلت إليهم إلا بعد أن شاهت، وانحرفت عن أصلها، بينما كان الشرق فى القديم مهد الحضارات، ومهد الديانات، ومهد الرسل، واختصت الجزيرة العربية بأنها كانت أصفى الشرق، ففيها انبعثت رسالات الله تعالي، ومن حولها كأرض كنعان وأرض بابل، وغيرهما مما يحوطها، أو من يدخل فى دائرتها كاليمن والبحرين وما وراءهما.
الأمر الثانى:
أن الجزيرة العربية مع ذكاء أهلها واستقامة نفوسهم، وإن انحرفت أحيانا عقولهم، معتصم حصين، فبيداؤها، وقراها، وبرها فيها حصون لمنع الاعتداء الوحشى من الأمم التى اشتدت إغارتها فى الماضي، فإذا كان النبيون قد قووموا فى إقناعهم ابتداء، فإنهم إذا كانت ديانتهم في حصنين منيعين:
حصن من الأرض المانعة لكل أجنبى من أن يقتطعها، وحصن من النفوس التى إذا أمنت قاومت واعتزت بإيمانها، وأن استقامة النفوس وقوتها هى التى بها تتميز أخلاق الأمم، فإن العقول إذا انحرفت تقوم وتستقيم، والقلوب إذا غشيتها غاشيات الضلال فى نفوس ملتوية غير مستقيمة فإن الحق لا يصل إليها إلا من رحم الله.
واعتبر بحال العرب بين دولتين قويتين من الدول التى صاقبتها، فإنهما لم تتجاوزا فى سلطانهما أطرافها، ولم تتمكن إحداهما أن تنتقل من الأطراف إلى داخلها، فإنهما عندئذ تجدان قلوبا صلدة قواها ضوء الشمس الساطع، وقوة الحياة فيها، والتعرض لأوابد الحيوان ليلا ونهارا.
1 / 43