يختال بين أسنة وسيوف
هو يشمخ بأنفه، وأنفه أدنى إلى أن يكون غليظا أفطس، وهو يجمل يده بتقليم الأظافر وطلائها، مع أن أظافره تنبت في أصابع دق أسفلها، وغلظ عاليها. تتفرع من يده الرحوية الشكل. وصاحبي إذا أراد أن يتكلم يبحث عن غنة الصوت، فينزل صوته إلى الخنف، ويبحث عن الصحل، فينقلب صوته إلى النعير. أما إذا ذهب إلى قهوة فهو لا يذهب إلا إلى حيث يرابط أبناء الذوات، ويتعفف عن أن يجلس في القهوات التي يؤمها أهل الحرف، وأهل التجارة وسادتنا من أرباب المعاش وصغار الموظفين. وإذا ذهب إلى عزاء فإنه لا يهدأ باله إلا إذا استطاع أن يتخطى الصفوف ويضع نفسه حيث يتقدم مع المتقدمين. كل ذلك وصاحبي ينسى أن الناس لا يجهلون منزلته، فلا يغنيه أن يتقدم في الصفوف ولا يغنيه أن يحط في أكبر القهوات، وليس يضيع معالم حقيقته تشامخ الأنف والتهادي في المشية وتصنيع الصوت والتجبر في معاملته مع صغار المرتزقة، وتنكر ذويه ممن لا ترتفع بهم سمعته، ولا تروج بذكرهم بضاعته. •••
لأمثال صاحبي الذين يعولون على التصنع والتجمل والتطرف في تغيير رأى الناس فيهم، أريد أن أذكرهم بقول، وأن أروي لهم قصة. فأما القول فلابن الخطاب - رضي الله عنه - حين نظر إلى صفوان مبتذلا لأصحابه فقال: هذا رجل يفر من الشرف والشرف يتبعه. وعلى هذا فالشرف كما أنه يتبع الرفيع، فهو يفر عن الوضيع مهما تشارف وترافع.
وأما القصة فيروى أن عمر بن عبد العزيز أتاه ليلة ضيف، وكان يكتب، فكاد السراج يطفأ. فقال الضيف: أأقوم إلى المصباح فأصلحه. فقال عمر: ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه. قال الضيف: أفأنبه الغلام؟ فقال عمر: هي أول نومة نامها، ثم قام عمر، وأخذ البطة، وملأ المصباح زيتا. فقال الضيف: أقمت أنت بنفسك يا أمير المؤمنين. فقال عمر: ذهبت وأنا عمر، ورجعت وأنا عمر ما نقص مني شيء، وخير الناس من كان عند الله متواضعا.
أيام العيد
القاهرة في 10 من إبريل سنة 1927
أيام الأعياد هي دورات للفلك كغيرها من دورات الفلك. لا يتغير فيها نظام السماء في شيء، ولا تتغير حركة الأرض قيد شعرة عن مجراها. الكواكب تسير في الأفق الأعلى وفق قانونها، كما شاء الله أن تسير، والأرض كما كان الأمر منذ الأبد، ما برحت تستقبل الجديدين، فتعبس تارة لوجه الليل، وتبتسم أخرى لوجه النهار. وما زالت الشمس كما يتصورها الناس، تبرز من خلف ستارة الأفق من فجر كل يوم، ثم تسبح لتتوسط السماء، ثم تنحدر رويدا رويدا حتى تغوص وتغيب، ثم تعود، فتطفو مرة أخرى؛ لتري الناس وجهها كأنه أصفر رهبة من عمق الفضاء وملكوت الله لا يذرع ولا يحد. •••
لكن إذا كان عالم الأفلاك لم يتخلف عن نواميسه في أيام العيد، فهناك عالم آخر ظهر فيه التغير واضحا جليا. ذلك هو عالم النفوس.
توافق الناس في أيام العيد أن تهتز نفوسهم هزات شديدة، اصطلحوا على تسميتها بالسرور أو الفرح . ومن شأن تلك الهزات أن تحدث في أمور الناس غير ما ألف الناس في كل يوم. تحدث في المدن والقرى حركة أشد، وتحدث في لباس الكثيرين أناقة وكياسة، وتحدث في وجوههم زهاء وبشرا، وتجري على ألسنتهم دعوات وشكرا. •••
في مسافة من الطريق لا تزيد عن الميلين شهدت أكثر مظاهر العيد. رأيت بعض الأصدقاء يقبلون على بيت صديق لهم. وجميعهم يحملون على ألسنتهم دعوة لأعزب الدار، أن يهيئ له الله ما تصبو إليه نفسه من عروس صالحة، ولتلميذ الدار أن يعينه الله على أداة الامتحان ونيل الشهادة، ولشيخ الدار أن يتقبل الله منه تقواه، ويمتعه بزيارة حبيبه الرسول، ولعريس الدار أن يرزقه الله بخير الخلف.
अज्ञात पृष्ठ