أتظن أن في حركة الطير، وفي صورة الزهر، وفي هبة النسيم، وفي ملاحة الرشاقة، ما يدعو إلى البغي والفحشاء؟
كلا. وتالله ما مر بنفسي فحش، فإن في جمال الفن ما يسمو بالنفس عن وساوس السوء، وطالما قيد الجمال نفوس الناظرين عند هيكله المقدس، فلا يعرفون عنده لغوا ولا كذبا، ولكنهم يعبدون، وقد يعشقون.
خفي وارقصي يا راقصة الروس، وعلمينا من تلك الحركات التي تدعو للعبادة والتقى. إن الله هو ذلك الفنان الأعظم.
العيش الحقير والعيش الكبير
القاهرة في 6 من إبريل سنة 1923
ليست الحياة ملهى نتوجه فيه بأبصارنا إلى مسرحه الواسع لنشهد أدوار الممثلين. إنما الحياة تدعونا؛ لأن يمثل كل منا دوره، ويقوم بنصيبه في روايتها التي تتعدد فصولها ما تعددت الذراري وما تعاقبت الأجيال.
من الناس من يتهافتون على الخير الذي يصيب عشيرتهم وأمتهم من غير أن يكون لهم في جلب ذلك الخير نصيب، ومن غير أن يدفعوا في مشتراه ثمنا. وأنهم كذلك قد يتوقون الشر إذا نزل بالجماعة التي يعيشون فيها؛ بل قد يبالغون في سبيل الوقاية، وما كانوا ليتنبهوا إلى الشر لولا أن جاءهم بذلك نبأ من غيرهم. ومثل هؤلاء الناس مثل الرجل الخامل في القافلة يقطع معها الصحراء كيفما تسير، حتى إذا بلغت القافلة ماء بعد جهد وعناء، أخذ ذلك الخامل يروى ظمأه، ويسيغ الماء عذبا فراتا كما يسيغه من أرشد إليه، وأتعب النفس للحصول عليه.
إننا نعيش في حياة اجتماعية نحتمي بنظمها، ونتنعم بخيراتها، ونتكون من عناصرها، ولم تكن تلك الحياة الاجتماعية من عمل فرد معين، أو من عمل ظرف معين. ولكنها من عمل الجماعة في أجزائها وفي كليتها، ومن عمل كل ظرف يحيط بالجماعة في غابرها وحاضرها وسيرها. وعلى ذلك فقد يكون من العدل أن نرد بمجهودنا وأعمالنا إلى تلك الجماعة ثمن ما يصيبنا من حياتها ونظمها.
وفي الحق إنها لحياة حقيرة، تلك التي يظهر فيها الفرد مستفيدا من كل شيء دون أن يفيد. متأثرا بكل شيء دون أن يؤثر. منفعلا بكل شيء دون أن يكون لبعض شؤون الحياة فاعلا. إنها لحياة حقيرة تشبه حياة الحيوان الدنيء، أو النبات الطفيلي.
لكن للإنسان حياة أعلى من ذلك وأكبر؛ لأن للإنسان عقلا وإرادة. فيستطيع بالعقل أن يجعل للحياة قصدا يسير إليه، وأن يرسم لعيشه نموذجا ومثالا حسنا. وإنه بالإرادة قد يوجه جهوده إلى الوصول لقصده، ولتحقيق ما رسمه لنفسه من مثال حسن.
अज्ञात पृष्ठ