(فصل) (١)
فأما موسى ﵊ فهو صفي الله تعالى [ق ١٦/ظ] ونجيّه وكليمه ونبيّه ورسوله، ففضله ليس يخفى، ونور جلاله قدره لا يَطفا، عالج القبط وبني إسرائيل، وقاسى شدائد منهم شرحُها طويل، وجاهد أعداء الله تعالى (ونصر كلمته، وصابر وثابر لله تعالى) (٢) وبلّغ رسالته، فصلوات الله عليه ما كان أصبره، وبمُداراة القوم ومُدارأتهم (٣) ما أخبره، وقد أُعطي محمد ﷺ من ذلك ما تُعقد عليه البنان الخمس، وسار في الآفاق مسير القمر والشّمس، فكل فضيلة أوتيها موسى، وكل قضيّة (٤) لقيها نعمى وبؤسى، فلمحمّد ﷺ نظيرتها وأكبر، وأوضح منها لمن تأمّلها وأظهر، وكلٌّ كان عند الله وجيهًا، وكل منهما قد كان نبيًّا نبيهًا، فمن ذلك معجز موسى ﵊ في العصا واليد وانفجار الماء من الحجر في التّيه، فإن الله تعالى أعطى محمّدًا ﷺ مثل ذلك أو أعجب وأعظم فإن العصي (٥) (لموسى) (٦) ﵊ كانت من خشب يجعلها الله تعالى له ثعبانًا حيًّا يتلقف ما يأفك سحرة فرعون ثم تعود إلى خاصيتها وسيرتها الأولى، وكان لموسى ﵊ فيها مآرب أخرى فما ذاك بأعجب من جذع يابس كان محمد ﷺ يخطب عليه، فلما عمل المنبر وتحوّل إليه حنّ ذلك الجذع إليه كحنين العشار إلى أولادها، وجعل يَخُور كما يخور الثور حتى سمع أهل المسجد ذلك، فلم يزل كذلك يحنّ ويئنّ حتى جاءه رسول الله ﷺ فاحتضنه وضمّه إليه فسكن وقال: «والذي نفسي بيده لو (لم) (٧) ألتزمه لما زال كذلك حتى تقوم الساعة
جزعًا على رسول الله ﷺ» (٨)، وأعجب من ذلك أنه دعا شجرةً من أقصى الوادي فجاءت تَخُدّ الأرض (٩)