ونبتت عليه (١) لحومهم ودماؤهم فصرفهم عنه طوعًا وكرهًا وردَّهم عنه إلى دين لم يعرفوه هم ولا آباؤهم بما أوضحه لهم من الحق حتى أطاعوه وقال أحبَّ إليهم من آبائهم وأولادهم وإخوانهم وعشيرتهم حتى ضَرَبَ الدينُ بحرانه واستقر على أركانه.
وأما كفالة إبراهيم ﵊ الأطفال (٢) المؤمنين الذين يُتوفون وهم صغار فليس ذلك بأعظم من كفالة الأطفالِ في الدنيا، فإن في الدنيا يحتاجون إلى ما يمونهم من مأكول ومشروب وغير ذلك، بخلاف من هو في الآخرة في كفالة الله تعالى لا يحتاج إلى أكل وشرب وكسوة ومؤنة، فإن محمدًا ﷺ كان لليتيم كالأب الرحيم وللأرملة كالزوج الشفيق كما قال فيه عمه أبو طالب:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل (٣)
فكفالة الأحياء (بلا ريب أعظم من كفالة الأموات) (٤).
فإن قيل: إن الله تعالى أمر محمدًا ﷺ وبارك باتباع [ق ١٠/و] ملة إبراهيم ﷺ، قلنا: ذلك إحدى حسناته ﷺ فإنَّ محمدًا ﷺ قد اتبع ملة إبراهيم ﷺ فحاز آخرها وزاد عليها ما أمر اللهُ به فكان له الفضل أولًا وأخيرًا.
فإن قيل: إن الله تعالى سمَّى إبراهيم حليمًا ومنيبًا وأوَّاهًا، قيل: هذه كلّها من بعض خصال محمد ﷺ وله من الخصال الحميدة أضعافُ أضعاف هذه كما هو مبسوط في كتب مناقبه، فكان في الحلم آيةً [كما] (٥) قال أنس ﵁: "خدَمتُه عشر سنين (٦)
_________
(١) في أ "عليهم" بزيادة الميم.
(٢) في ب "أطفال".
(٣) تقدم التعليق عليه، انظر: ص ٣٣٥ - ٣٣٦.
(٤) مابين القوسين ليس في ب.
(٥) "كما" زيادة من ب.
(٦) وردت رواية في مسلم (٤/ ١٨٠٥)، كتاب الفضائل، باب كان رسول الله ﷺ أحسن الناس خلقًا، ح ٢٣٠٩: "تسع سنين"، قال النووي في شرحه (١٥/ ٧١): "وأما قوله: تسع سنين، وفي أكثر الروايات: عشر سنين، فمعناه أنها تسع سنين وأشهر، فإن النبي ﷺ أقام بالمدينة عشر سنين تحديدًا لا تزيد ولا تنقص، وخدمه أنس في أثناء السنة الأولى، ففي رواية (التسع) لم يحسب الكسر، بل اعتبر السنين الكوامل، وفي رواية (العشر) حسبها سنة كاملة، وكلاهما صحيح".
1 / 350