أزواجه واحدةً بعد واحدةٍ فيَقُلْن: والذي بعثك بالحق ماعندنا إلا ماء (١)؛ وذلك أنه كان لا يدَّخر شيئًا حتى يجوع ويربط على بطنه الحجر، وإبراهيم ﵊ كان صاحب مال وماشية يُطعِم ويُضيف من جملة ماله ولم نسمع أنه أعطى كلَّ ماعنده، ونبينا ﷺ يقول: «ما يكن عندي من خير فلن ادّخره عنكم» (٢) وقال: «لو أنَّ لي مثلَ هذه العِضاهِ نعمًا لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلًا ولا جبانًا» (٣) وجوده وكرمه من أشهر (٤) صفاته الحميدة صلوات الله عليه وسلامه.
وأما فضيلة إبراهيم ﵊ في صبره على ما ابتُلي به مِن ذبح ولده حتى أكرمه الله تعالى بالفِداء وهذه رُتبة عظيمة، قلنا: ليس هذا بأعظم من فضيلة نبينا ﷺ إذ جاد بنفسه في جهاد أعداء الله تعالى فإنه صبَّر نفسه وغرَّر (٥) بها في طاعة ربه تعالى حتى إنه يوم حنين لما تولى عنه أصحابه وبقي وحده ما يألو ما صادم العدو بنفسه
_________
(١) أخرجه البخاري (٥/ ٣٤)، كتاب مناقب الأنصار، باب قول الله: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر: من الآية ٩]، ح ٣٧٩٨، من طريق أبي هريرة ﵁، بلفظ: "أن رجلًا أتى النبي ﷺ، فبعث إلى نسائه فقلن: ما معنا إلا الماء ... "؛ وأخرجه مسلم في كتاب الأشربة، باب إكرام الضيف وفضل إيثاره، بلفظ: "جاء رجل إلى رسول الله ﷺ، فقال: إني مجهود، فأرسل إلى بعض نسائه، فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا الماء، ثم أرسل إلى أخرى، فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا، والذي بعثك بالحق، ما عندي إلا ماء ... ".
(٢) أخرجه البخاري (٢/ ١٢٢)، كتاب الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة، ح ١٤٦٩، من طريق أبي سعيد الخدري ﵁، وفي كتاب الرقاق (٨/ ٩٩)، باب الصبر عن محارم الله، ح ٦٤٧٠؛ وأخرجه مسلم (٢/ ٧٢٩)، كتاب الزكاة، باب في فضل التعفف والصبر، ح ١٠٥٣.
(٣) أخرجه البخاري (٤/ ٢٢)، كتاب الجهاد والسير، باب الشجاعة في الحرب والجبن، ح ٢٨٢١، بلفظ: «أعطوني ردائي، لو كان لي عدد هذه العضاه نعمًا لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلًا، ولا كذوبًا، ولا جبانًا»، وفي كتاب فرض الخمس (٤/ ٩٤)، باب ما كان النبي ﷺ يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه، ح ٣١٤٨.
(٤) في ب "أشرف".
(٥) في ب "عزَّر"، وفي هامشه "أي أدَّب نفسه بامتثال الطاعة".
1 / 346