وهنا نهض سيد عارف بغتة وقد ارتسم على وجهه آي الاهتمام الشديد، ولبس طربوشه كأنما يتأهب لمغادرة المكان، فعجب القوم له وسألته الست عليات: إلى أين يا أخانا؟
فتخطى محيط دائرة الجلوس وهرول نحو الباب متعجلا وهو يقول: الأقراص نجحت.
وغاب عن الأنظار في لمح البصر، فانفجر القوم ضاحكين، وتساءل كمال خليل وهو يسعل: هل حقا ما يقول؟!
فقال سليمان عتة بسخرية: دعاية كاذبة كدعاية أصحابه الألمان.
فقال نونو: سنعلم الحقيقة بعد تسعة أشهر!
فقالت عليات الفائزة: علم هذا علي هين!
وواصلوا الهزل حتى قام عباس شفة ممسكا بالجوزة فكان نذير الصمت، وفي هذه الدورة أخلد أحمد لتخدير غريب - وكان طول الوقت صامتا راغبا عن الكلام أو عاجزا عنه - وشعر بأن إرادته فقدت سلطانها على أعضائه، وقد أراد أن يحرك ذراعيه ليطمئن إلى أنه ما يزال متمالكا زمامه، ولكن شعورا عميقا قويا أغراه بالعدول عن التجربة، وهيأ له أنه لا يوجد في الدنيا جميعا ما يستحق التعب أو الحركة، وأن الرقاد والاستسلام والرضا خير ما تجود به الدنيا ورأى القوم خلل نفثات الدخان فخالهم أشباح دنيا غريبة أو سكان كوكب آخر، ولا يدري كيف ملأه ذاك الإحساس بالغرابة، فلذ له أن يضحك، فضحك ضحكة طويلة واهنة شابه مطلعها التأوه وحاكى ختامها قرقرة الجوزة، فما تمالك الجالسون أن ضجوا ضاحكين! وانتبه لضحكهم رغم ذهوله، فاعتدل في جلسته ليستعيد - ما أمكن - شيئا من يقظته، وحدث عند ذاك شيء عجيب، حدث أن نهضت عليات الفائزة قائمة، استطال ذاك الجسم الهائل في الفضاء، وامتد طولا وعرضا فملأ الأعين، وكانت مرتدية روبا شد إلى جسمها ليبرز محاسن مقاطعه، ثم تحرك موكبها العظيم فسارت قابضة براحتها على طرف شالها، فلاح ساعدها مختفيا وراء الأساور الذهبية، ولما مرت أمامه ارتاع الكهل على ذهوله، رأى الروب يتسع بعد خاصرتيها ليكتنف عجيزة لم ير مثلها في حياته، ريانة ناهضة مترجرجة تبرز فوق الفخذين كالمشربية، فما صدق عينيه! ولاحظ المعلم نونو دهشته فقال له هامسا: انتبه فالست تطلعك على السر الذي أشقى أزواج الحي. ما هذه بعجيزة ولكنها كنز!
فقال أحمد بصوت لا يكاد يسمع: هذا شيء فوق ما يتصوره العقل! - وأكثر من هذا أنها تحوي فضيلتين لا تجتمعان، فهي من ناحية كالكرة المنفوخة صلابة، ومن ناحية أخرى تسوخ فيها الأصابع لينا! - هذه لغز! - نسأل الله السلامة.
فقال الكهل وهو لا يدري: آمين.
وكان عباس شفة يسترق إليهما النظر فسأل نونو متكلفا لهجة الوعيد: فيم تتحدثان؟
अज्ञात पृष्ठ