والثابت أن الذين تمكن الإسلام من قلوبهم ولم يتزعزع إيمانهم هم المهاجرون والأنصار وقريش وثقيف والقبائل الساكنة بين المسجدين (المدينة ومكة) على ما يذكره الطبري.
ولم يكن تأثير الردة في القبائل على نمط واحد؛ بل كان الأثر يختلف باختلاف العوامل، وهي تتلخص فيما يلي: (أ)
قرب المنطقة التي تسكنها القبيلة من المدينة أو بعدها. (ب)
علاقة القبيلة بالمدينة. (ج)
قرب عهد القبيلة بالإسلام أو بعده.
ولقد ناقش المستشرق الطلياني لئونه كاتياني هذه العوامل في كتابه «تاريخ الإسلام»، فصنف العرب حيث علاقتهم بحروب الردة إلى خمسة أصناف؛ فوضع في الصنف الأول القبائل التي أسلمت منذ مدة طويلة وخضعت لسلطة المدينة خضوعا تاما، وهي القبائل التي تسكن بالقرب من المدينة ومكة وفيما بينهما؛ كجهينة ومزينة وبلي وأشجع وأسلم وهذيل وخزاعة وغيرها.
ووضع في الصنف الثاني القبائل التي تعاقدت مع الرسول واشتركت في المدة الأخيرة في حروبه، وقد كان فيها، على إسلامها، أقلية مختلفة تنتهز الفرص للتملص من سلطة المدينة، ومن هذه القبائل هوازن وعامر بن صعصعة وطيء وسليم وجثعم.
ووضع في الصنف الثالث القبائل الساكنة على حدود المملكة الإسلامية، فخضعت هذه القبائل سياسيا لسلطة المدينة، ودفعت الصدقات إلى الرسول، وفيها أكثرية تتحين الفرص للرجوع إلى حالتها القديمة، ومن أخطر هذه القبائل بنو أسد وبنو غطفان وبنو تميم الساكنون في مناطق نجد الغنية.
ووضع في الصنف الرابع القبائل التي لم تخضع لسلطة المدينة؛ بل اكتفت بإرسال الوفود إلى الرسول وتظاهرت بالخضوع له، فيها أقلية مسلمة ضئيلة تستند إلى قوة المسلمين في المدينة للاحتفاظ بمنزلتها، ومن أخطر هذه القبائل بنو حنيفة وعبد القيس وأزد عمان، وأكثر قبائل حضرموت واليمن. وأوفد الرسول إليها عمالا ليمثلوا الإسلام وليعلموا المسلمين أمور الدين.
أما القبائل التي وضعها في الصنف الخامس فهي القبائل التي لم تسلم وكانت نصرانية أو مشركة، وهي القبائل الساكنة في الشمال كبني كلب وبني تغلب وبني غسان وقضاعة وتنوخ وبني بكر وبعض القبائل في حضرموت واليمن.
अज्ञात पृष्ठ