لم أحس في لحظة أنه تزوجني فعلا، ولو أنه لم يذكر هذه الليلة مطلقا، واعتبر ما حدث شيئا طبيعيا كان من شأنه أن يحدث.
لم يكن عجيبا ألا تطيق ناهد النظر إلى الدادة آمنة؛ فهي التي افتعلت هذا الزواج الذي ولد ميتا، والذي لم يكن الطلاق بالنسبة إليه إلا تسجيل وفاة ودفن المتوفى، وإعلان ما كان سرا من شأن مماته.
ولم يكن عجيبا أيضا أن يبحث دري عن شقة خاصة منذ اليوم التالي لهذا الزواج، فلم يكن دري يحب أن يتكرر هذا المشهد الذي تألف وأخرج ومثل في بيت ناهد. إن تغيير خشبة المسرح في مثل هذه المشاهد هام جدا، وكان لا بد له من شقة، وقد استأجرها. فقد كان على ثقة أن زواجه من ناهد لا يمكن أن يستمر؛ فقد أحس منذ اللحظة الأولى أنه لم يختر زوجته بمحض حريته، ربما كان يخطبها إذا لم تفرض عليه، أما وقد فرضت، فلا زواج، إنما هو عقد.
أكان يتزوجها حقا بعد أن سمحت له بالذهاب إلى بيتها؟ نعم لم ينل منها إلا القبلة، ولكن ما هذه الجرأة؟! هل كل حال ربما كان يتزوجها، وربما كان الزواج كاملا وباختياره، أما بهذه الطريقة التي تم بها فهو عقد قابل للفسخ شأنه شأن أي عقد تجاري، عقد بلا اختيار، بلا حب، بلا عاطفة، فهو بلا بقاء.
5
إنها تحب أن تأمر، وأنا لا أجد من آمره، أنا لا أعمل شيئا إلا أن أطيع، حتى البنت سعاد لا تطيعني، ولماذا تطيعني وهي تعلم أنني أشتهيها وأشتهي خدرها وأعطيها ما تشاء من المال؛ لتسمح لي أن أشاركها الفراش؟
قد يبدو غريبا أنه فكر في سعاد؛ فهو يخاف سهام، كما لا يخاف أحدا أو شيئا، فسهام هي زوجه وربة بيته وأم أولاده، وقبل هذا جميعا هي مصدر رزقه وحياته وأمله.
هو لا يعرف كيف قبلته سهام زوجا، ولو كان عرف ما تغير الأمر كثيرا. وهو على كل حال انتهى في ذلك إلى رأي، أن سهام رفضت الكثيرين ممن تقدموا لها، حتى إذا شارفت الثالثة والعشرين دون زواج قبلته بالصدفة العمياء دون إعمال لأي تفكير، ذلك ما انتهى إليه.
أما الحقيقة فهي أنها كانت تحب شابا في الجامعة هو مهدي، ووصل بينهما الحب إلى أقصى غاياته، وكان مهدي من الذين يحبون ألا يمروا بالجامعة مرورا سريعا، وكان السقوط عنده أيسر من النجاح، وكان في حياته يميل إلى الأيسر لا الأحسن، فتأخر مهدي في طلبها، ونفدت أعذارها أمام أبويها، وقبلت حمدي كما يقبل الإنسان أي شيء يعرض عليه ما دام الذي يريده لا يمكن الحصول عليه.
وظلت هذه الحقيقة خافية على حمدي طول حياته، ولو كان عرفها ما تغير الأمر كثيرا؛ فهو من هؤلاء الكثرة الذين يهتمون بالنتائج دون أن يهتموا بالأسباب التي أدت إليها.
अज्ञात पृष्ठ