कीन्स: एक बहुत ही संक्षिप्त परिचय

कब्द रहमान मजदी d. 1450 AH
8

कीन्स: एक बहुत ही संक्षिप्त परिचय

جون مينارد كينز: مقدمة قصيرة جدا

शैलियों

من الواضح أن هناك مجالا للتساؤل عما إذا كان كتاب «النظرية العامة» لكينز - كما يقترح كيرت سينجر - «لم يوضع ليلائم حالة خاصة جدا تحكمها التقلبات السياسية وتداعياتها النفسية للفترة الصعبة فيما بين الحربين العالميتين؛ وعما إذا لم يكن كينز في الحقيقة يناقش ظاهرة من غير الوارد أن تتكرر.» ويصعب على الجانب الآخر تفسير الانهيار الأمريكي عام 1929 في ضوء ذلك؛ فقد كان مقدار الاكتئاب الذي أصاب الولايات المتحدة «بلا سبب»، هو الحقيقة ذاتها التي سعى كتاب «النظرية العامة» لتفسيرها، كما سنرى.

في النهاية، لا يمكن فصل التحول من الاقتصاد «الكلاسيكي» إلى الاقتصاد «الكينزي» عن التغيرات الكبرى التي عاصرها كينز في السياسة والشئون الدولية والعلوم والفلسفة وعلم الجمال؛ فقد انعكست جميعها في عقله اللامع والغامض؛ فقد ظل إدواردي الفكر؛ بمعنى أن معتقداته عن العالم تشكلت في السنوات الأولى من القرن العشرين. وطوع عقيدته للحقائق البائسة اللاحقة. ولم يسع في أفكاره الاقتصادية للبحث عن الحقيقة، بل للوصول إلى فكرة ممكنة ضرورية لسلوك البشر في عالم فقد كل مبادئه الأخلاقية. ولم يستسلم كينز لليأس قط. بل تجاوز بتفاؤله أحلك اللحظات. وقبل وفاته بوقت قصير أثنى على دور علم الاقتصاد ورجاله، قائلا إنهم «أمناء، ليس على الحضارة، بل على السبل المتاحة أمامها.» ولم يكن ليختار هذه الكلمات الدقيقة إلا رجل يمتلك حسا لغويا مرهفا وحسا إدوارديا تجاه الهدف من الحياة.

الفصل الأول

حياة كينز

أخذ كينز على عاتقه إنقاذ ما سماه «الفردية الرأسمالية» من داء انتشار البطالة، الذي رأى كينز أننا إذا أهملناه فسيجعل «أنظمة الحكم الاستبدادية» هي الأنظمة السائدة في العالم الغربي. ولد كينز في الخامس من يونيو عام 1883 في حقبة مختلفة تماما من «الفردية الرأسمالية»؛ حقبة كان التقدم الاقتصادي فيها أمرا بديهيا، وحكمت الدولة فيها نخبة ليبرالية امتلكت الأراضي والأموال، وبدا أن بريطانيا أمنت لنفسها موقعها في قلب النظام التجاري العالمي. ولم ير سوى قليلين أن هذه الحقبة تتجه نحو الأفول. وكانت شكوك العصر الفيكتوري لا تزال دينية أكثر منها مادية، رغم الهواجس بشأن الأخطار التي تهدد النظام الراسخ، والتي منها ظهور الديمقراطية في الداخل، وخطر ألمانيا في الخارج، وتراجع الأهمية الاقتصادية، والتزايد المطرد في معدل التقلبات الصناعية. وظهرت كلمة «بطالة» لأول مرة في «قاموس أكسفورد للغة الإنجليزية» عام 1888، وهذه علامة على أشياء كانت وشيكة الحدوث.

لم يكن جون مينارد كينز نتاج قصة نجاح فيكتورية غير مألوفة؛ فقد كان الأكبر من بين ثلاثة أطفال لعائلة ميسورة الحال، عملت بالسلك الأكاديمي بجامعة كامبريدج، وسكنت في 6 طريق هارفي. ويعود أصل عائلة كينز إلى فارس نورماني جاء مع ويليام الأول الملقب بويليام الفاتح. لكن كان جد مينارد كينز من جهة الأب هو من أنقذ العائلة من الفقر، بعد أن جمع ثروة صغيرة من امتلاكه لمزرعة خضراوات صغيرة يبيع ثمارها للناس في سولزبيري. وتمكن ولده الوحيد، جون نيفيل، من الحصول على زمالة كلية بيمبروك في جامعة كامبريدج في سبعينيات القرن التاسع عشر. كان فيلسوفا واقتصاديا، حيث كتب نصوصا صالحة للنشر في علم المنطق والمناهج الاقتصادية، وأصبح لاحقا أمين سجلات الجامعة. وفي عام 1882 تزوج فلورنس أدا براون، ابنة كاهن طائفة معروف شمال البلاد وناظرة مدرسة كرست حياتها لقضية تعليم المرأة. كان نسب العائلتين يجمع بين «الدين والتجارة»، وكان انتقال العائلة إلى كامبريدج جزءا من استيعاب الشذوذ الريفي في أثناء تأسيس إنجلترا الفيكتورية.

جسد والدا كينز القيم الفيكتورية في صورة مرنة. فانغمس جون نيفيل كينز في مجموعة متنوعة من الهوايات. وورث عنه مينارد كينز حدة الفكر وكفاءة الإدارة مع نزعة للمزاح، رغم أن القدر رحمه ولم يرث القلق من أبيه. أما فلورنس كينز فقد تبنت «قضايا هامة»، لكن ليس على حساب أسرتها قط؛ فقد مثلت - كما هو الحال بالنسبة لجميع أفراد عائلة براون التي تنتمي إليها - جانبي «الوعظ وفعل الخير» فيما ورثه مينارد عن عائلته؛ كما أن عائلة براون كانت تتمتع ببعض الخيال الفكري. كانت عبقرية كينز ذاتية، لكنه شعر أن هناك تقاليد اجتماعية وفكرية عليه الالتزام بها.

كانت البيئة المحيطة بكينز على مستوى عقلي رفيع؛ فقد شملت دائرة كينز بعضا من أكبر الاقتصاديين والفلاسفة في ذلك العصر؛ ألفريد مارشال وهيربرت فوكسويل وهنري سيدجويك ودبليو إي جونستون وجيمس وارد. وعندما كان كينز شابا صغيرا كان يلعب الجولف مع سيدجويك، وكتب عنه بدقة يشوبها المكر (لصديقه برنارد سويثينبانك في 27 مارس 1906): «لم يكن يفعل أي شيء قط سوى التساؤل عما إذا كانت المسيحية حقيقة فيثبت العكس، ومع ذلك، يأمل أن تكون حقيقة.» كانت كامبريدج أقل اهتماما بزخارف الحياة من أكسفورد. ورغم أن مينارد امتزج بالعالم الدنيوي، فقد ظلت مبادئه سماوية. وطبق في الحكم على حياته وحياة الآخرين المعايير الفكرية والجمالية. وفرض نفسه على العالم المادي بقوة الفكر والخيال، لكنه لم ينشغل به قط.

تقبل كينز دون مناقشة القيمة الرفيعة التي رآها والداه في التفوق الأكاديمي. وفي واقع الأمر، لم يتمرد قط على والديه رغم أن دائرة اهتمامه كانت أكبر. وكان منزل الأسرة، الذي استمر نيفيل وفلورنس كينز في العيش فيه بعد وفاة مينارد، سببا في الاستقرار والاستمرارية في حياته. وارتبط فكره الاجتماعي بظروف أسرته على نحو دقيق. ورأى نفسه عضوا في الطبقة الوسطى «المفكرة». كما رأى أن الهروب من الفقر كان ممكنا دائما في أوروبا، فيما قبل الحرب العالمية الأولى، «لأي رجل له القدرة أو الشخصية التي تتجاوز الحد المتوسط.» ولم يفقد إيمانه قط بواجب النخبة الفاعلة صاحبة التفكير السليم في قيادة الجماهير.

في عام 1897 فاز بمنحة دراسية للالتحاق بكلية إيتون، أعلى الكليات البريطانية. وكان طالبا متميزا على نحو كبير؛ حيث فاز بعدد كبير من الجوائز، كما انتخب عضوا في النادي الاجتماعي الحصري الخاص بالكلية الذي يسمى «بوب»، وكان يؤدي أداء مشرفا في لعبة الحائط التي اشتهرت بها الكلية. وكان الشيء المميز هو النطاق المذهل لاهتماماته وقدراته. كانت الرياضيات مادته المفضلة، لكنه تفوق أيضا في مادتي الأدب الكلاسيكي والتاريخ. وحقق تقدما في دراسته بسرعة البرق. وحظي باحترام الأساتذة والزملاء معا، تماما كما تفوق لاحقا على كل من علماء الاقتصاد ورجال الأعمال. وأدرك كينز منذ سن صغيرة أن الدهاء هو الطريق إلى النجاح في التعامل مع البالغين؛ فقد كان الدهاء بديلا عن الاستسلام أو التمرد؛ فمن خلاله يمكن للإنسان أن يستغل أي موقف لصالحه. كما كان من الملاحظ أن هناك نوعا من عدم الاتساق بين قدراته واهتماماته؛ فقد كان يتحول إلى كينز عالم المنطق، الإحصائي، الإداري، المتغطرس؛ لكنه في الوقت ذاته كان «مينارد»، كما عرفه أصدقاؤه المقربون، الذي يتوق إلى الحب وينجذب إلى الكتاب والفنانين والحالمين، ويغرق في بحر شعر العصور الوسطى أو التأمل العميق. ورأى لاحقا الفائدة العملية لعلم الاقتصاد باعتباره درعا واقيا للحضارة من قوى الجنون والجهل.

अज्ञात पृष्ठ