على هذه المسافة الضيقة وفي وقت واحد تقريبا تجد الفلسفة مهدها المجيد، لكيلا نخرج من هذه الحدود في المكان والزمان والموضوع نضيف إلى هذه الثلاثة الأسماء: طاليس وفيثاغورث وإكسينوفان، أسماء أنكسيمندروس وأنكسمينس اللذين هما أيضا من ملطية، وهيرقليطس الذي هو من إيفيزوس، وأنكساغوراس من كلازومين غربي أزمير قليلا في خليج هيرموز. وأذكر اسم لوكيبس وديمقريطس اللذين ربما كانا من ملطية أيضا أو من أبدير مستعمرة طيوس، واسم ميليوس الذي هو من سموس كفيثاغورث. وفوق ذلك أضيف إلى هذه الأسماء أسماء بعض الحكماء الذين هم أقل استنارة من الفلاسفة، ولكنهم ليسوا أقل منهم احتراما؛ فمنهم بطاقس من ميتيلين في جزيرة لسبوس، وهو رفيق سلاح للشاعر ألقايوس في محاربة الطغيان، وقد نادى به مواطنوه ديكتاتورا عليهم فلبث فيهم عشرة أعوام يعمل صالحا ثم نزل عن الدكتاتورية. ومنهم «بياس» من «بريينة» الذي لو اتبع الاتحاد اليوناني ما قدمه له من النصح لنجا كما ذكر هيرودوت. ومنهم إيزوبس الذي أقام طويلا في سموس ثم في سرديس عند كريزوس، ذلك المولى الفريجي الذي لا ينبغي للفلسفة أن تنسى ذكره في عداد ذويها، والذي لم يستنكف سقراط من أن ينظم حكاياته شعرا.
2
وأذكر كذلك أسباسيا من ملطية التي حدث عنها أفلاطون في كتابه المينكسين، والتي كانت تتحدث إلى سقراط، والتي كانت تعطي لبيركليس دروسا في البلاغة كانت تؤلف منها أحيانا الخطب السياسية، والتي خصص لها رفائيل محلا في مدرسته الآتينية.
من ذلك يرى أن تيديمان الأريب كان محقا حين كنى آسيا الصغرى ب «أم الفلسفة ووطن الحكمة».
3
هذه الأحداث القليلة التي جئت على ذكرها والتي يمكن أن يضاف إليها كثير من أمثالها كافية في إثبات هذه الحقيقة. منذ الآن متى عرض حديث منشأ الفلسفة في عالمنا الغربي - بالمقابلة للعالم الآسيوي - عرفنا لمن هو ذلك المجد، وإلى من يجب أن يسند عدلا.
يكفي قليل من النظر للعلم بأن من الممتنع أن تنمو الفلسفة بذاتها وحدها. من البديهي أن جميع عناصر العقل يجب أن تبلغ نماءها قبل التأمل؛ لأن التأمل المرتب على نمط معين لا يظهر إلا متأخرا وبعد سائر الملكات الأخرى. وليس بي حاجة إلى التبسط في بيان هذه الحقيقة المشاهدة في الأمم وفي الأفراد على السواء، وأقتصر على أن أقرر أن مجرى الأمور في آسيا الصغرى لم يكن مختلفا عنه في غيرها؛ فإن الفلسفة على هذه الأرض المخصبة لم تكن نبتا منفردا ولا ثمرة غير منتظرة. وقليل من الكلمات يكفي في التذكير بأنها كانت هي المنطقة المهيأة لهذا الإنتاج الشريف، وما علي إلا أن أسرد أجمل الأسماء وأحقها باعتراف الناس.
في رأس هذه الطائفة اسم هوميروس الذي ولد وعاش يقينا على شطوط آسيا الصغرى وفي جزرها قبل الميلاد بنحو ألف عام. وماذا عسى أن أقول في قصائده؟ وكيف أوفي عبقريته مدحا وثناء؟ كل ما أقرر هو أن هوميروس لا يقصر أمره على أنه أكبر الشعراء، بل هو أعمقهم فلسفة. وإن بلدا ينتج باكرا أمثال تلك البدائع لحقيق بأن ينتج بعد ذلك عجائب العلم والتاريخ.
بعد هوميروس أقص نبأ قلينوس الإيفيزوسي الذي هو حربي مثل طورطايس، والذي شهد وقت إغارة القميريين وشدا بها في شعره، ثم الكمان السردي الذي حق له أن يعلم لقدمونيا وطن لوكورغس ويبهرها على ما بها من جفاء، وأرخيلوخس الباروصي وألقايوس اللسبوسي ذي الربابة الذهبية كما قال هوراس، وسافو الميتيلينية أو الإيريزية التي لا يكاد يستحق أحد الثناء أكثر منها إلا هوميروس،
4
अज्ञात पृष्ठ