1
حينئذ المطلق ها هنا يدل إما على الأولي في كل مقولة للموجود، وإما على الكلي؛ أعني الذي يشمل ويحوي كل شيء. فإذا كان الأولي هو مدلول المطلق فهناك كون للجهورات مما هو ليس بجوهر، ولكن ما ليس له جوهرية وما ليس ألبتة شيئا معينا بذاته لا يمكنه بالبداهة أن يكون لأي واحدة أخرى من المقولات كالكيف والكم والأين ... إلخ؛ لأنه حينئذ يكون معناه التسليم بأن كيوف الجواهر يمكن أن تنفصل عنها؛ فإذا كان اللاموجود هو بصورة عامة مدلول المطلق، فذلك هو النفي الكلي لجميع الأشياء، وعلى ذلك فما يولد وما يكون يلزم ضرورة أن يولد من لاشيء.
2
على أننا قد تكلمنا على هذا الموضوع في موضع آخر وبحثناه بأطول من ذلك، ولكننا نلخص ها هنا فكرتنا ونقول في قليل من الكلمات أن من وجه يمكن أن يوجد كون مطلق لشيء آت من العدم اللاوجود، ومن وجه آخر لا شيء يمكن أبدا أن يأتي إلا مما هو موجود. ذلك في الحق أن ما هو بمجرد القوة وليس بالفعل يجب أن «يكون» أولا وبالضرورة على الوجهين اللذين بيناهما آنفا، ولكنه لا بد مع ذلك من العناية الكبرى في فحص هذه المسألة التي يمكن أن صعوبتها تدهشنا حتى بعد الإيضاحات التي أسلفناها، وتلك المسألة هي كيف أن الكون المطلق يحصل، سواء أكان يأتي مما هو بالقوة أم يأتي بأي وجه آخر.
3
يمكن البحث في الحق فيما إذا كان يوجد فقط كون للجوهر ولشيء معين بالفعل، أو ما إذا كان لا يوجد أيضا كون للكيف وللكم وللأين ... إلخ. وهذه الأسئلة عينها توجه على السواء بالنسبة إلى الفساد. وإنه إذا كان بالفعل شيء يكون أو يولد فمن الواضح أنه يجب وجود جوهر ما بالقوة على الأقل إن لم يكن بالفعل، وبالكمال منه يخرج كون الشيء، وفيه يتغير بالضرورة متى فسد.
4
هل من الممكن أن واحدة من المقولات الأخرى التي هي بالفعل وبالكمال المحض تتعلق بهذا الموجود بالقوة؟ أو بعبارة أخرى: هل يمكن تطبيق معاني الكيف والكم والأين على هذا الذي ليس شيئا إلا بالقوة وبالقوة فقط بدون أن يكون شيئا بذاته بطريقة مطلقة حتى ولا أن يكون مطلقا أبدا؟ لأنه إذا كان هذا الموجود ليس أي شيء بالفعل ولكنه كل الأشياء بالقوة، فإن اللاموجود المفهوم على هذا النحو يمكن أن يكون ذا وجود منفصل، وحينئذ يوصل إلى هذه النتيجة التي هابها الفلاسفة الأولون أكثر من كل شيء، وهي إيجاد الأشياء من العدم المحض، ولكنه إذا لم يسلم أن هذا يكون موجودا حقيقيا أو جوهرا، وأنه شيء آخر من المقولات المذكورة، فحينئذ يفرض كما قلنا آنفا أن الكيفيات والأعراض يمكن أن تكون منفصلة عن الجواهر.
5
تلك هي النظريات التي يلزم مناقشتها هنا بالقدر المناسب، كما أنه يلزمنا البحث عما هي العلة التي تجعل كون الموجودات أبديا، سواء الكون المطلق أو الكون البعضي، ما دام لا يوجد على رأينا إلا علة واحدة أو حد منها ينبعث مبدأ الحركة، وما دام لا يوجد أيضا إلا مادة واحدة أو حد يلزم إيضاح ما هي العلة.
अज्ञात पृष्ठ