والأشغال، ثم صار أحد الشيوخ المعول عليهم من الشافعية بدمشق فقهًا وأصولًا وعربية وغير ذلك، وولي إفتاء دار العدل بدمشق، وقصده الطلبة، وكان جامعًا للعلوم مع جلاله ومهابة وهيئة حسنة، وكان يقرر في درسه بسكينة وتؤدة وأدب واحتشام، مع حل المشكلات ومراجعة التصحيح للشيخ نجم الدين ابن قاضي عجلون، والوقوف عندما صححه من كلام الشيخين وكلام المتأخرين، وكان يتردد إلى مصر، وتزوج وانتفع به الطلبة، وتخرج به الطلبة بدمشق والقاهرة، وما والاهما، وكان يدرس ويفتي وآخرًا ترك الإفتاء، قال والد شيخنا الشيخ يونس العيثاوي - رحمه الله تعالى -: وكان يرد الأسئلة إلى بعض تلامذته لأمور منها: المحنة التي حصلت له مع السلطان قانصوه الغوري، وهي أنه رفع إليه سؤال فيمن بنى بنيانًا في مقبرة، مسألة هل يهدم أو لا؟ فكتب أنه يهدم، فهدم على الفور، وكان الميت المبني على قبره أحد أولاد محب الدين الأسلمي، ناظر الجيوش بالشام، بمقبرة الشيخ أرسلان، وكان الهدم يوم الأربعاء ثاني رمضان سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، بحضرة قاضي القضاة الشافعية الولوي بن الفرفور، وقاضي القضاة المالكية خير الدين الغزي، وقاضي القضاة الحنابلة نجم الدين عمر بن مفلح، وصاحب الترجمة مفتي دار العدل كمال الدين بن حمزة وغيرهم، فلما هدم البناء المذكور استفتى أبو الميت محب الدين المذكور شيخ الإسلام التقوي ابن قاضي عجلون وهو خال السيد كمال الدين صاحب الترجمة فأفتى بعدم الهدم، وهو غير المنقول، وكأنه أدخل عليه في السؤال ما دعاه إلى الإفتاء بنلك، فأخذ محب الدين المذكور خط شيخ الإسلام ابن قاضي عجلون، وسافر به إلى مصر، بعد أن عقد بسبب ذلك مجالس عدة بدمشق منها يوم الأحد سادس المحرم سنة أربع عشرة وتسعمائة، بحضرة نائب الشام يومئذ سيبائي، والقضاة الأربعة والدوادار دولتباي وغيرهم، اجتمعوا بالتربة المذكورة وكشفوا عليها، واتفق الحال آخرًا على أن من قال بقدم الجدار المبني يكتب خطه ومن قال بحدوثه يكتب خطه، ثم سافر محب الدين ووقف للغوري شاكيًا باكيًا، وبلغني أنه حمل معه من عظام الموتى، فطرحها بين يدي الغوري، فعند ذلك بعث الغوري في طلب السيد كمال الدين وخاله وولده القاضي نجم الدين، وقاضي القضاة الولوي بن الفرفور، وقاضي القضاة ابن يونس، وقاضي القضاة ابن خير الدين، وقاضي القضاة ابن مفلح وأقضى القضاة شهاب الدين الرملي، وعقد لهم مجلس بحضرة الغوري وعلماء مصر وقضاتها، وصاروا يتألفون السلطان بالجمع بين الإفتائين، تأدبًا مع الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون لأنه كان يومئذ شيخ الكل على الإطلاق، وكان للسيد أيضًا أصحاب وأنصار، فما أمكنهم إلا الإصلاح، وكان من كلامهم للسلطان الغوري أن العلماء ما زالوا يختلفون في الوقائع وكل أفتى بحسب ما ظهر له، وكان ميل الغوري إلى ما أفتى به الشيخ تقي الدين، وانفصل الأمر بعد عقد مجالس على المصادرة، وأخذ المال، وعزل ابن الفرفور
1 / 41