241

कस्र हुदुद

كسر الحدود

शैलियों

تجتمع القوة الذكورية مع الرقة والحنان، تمتزج الرومانتيكية مع المثالية والبراجماتية والثورية والإقدام والإحجام في تآلف موسيقي شفاف يهز القلب والجسد والروح والوجدان.

وتهتز إلى جواري صديقتي «ماريا» وهي تغني مع البطل: «أريدك معي يا حبي»، يسري اللحن في دماغي أيضا يدغدغها، وأتذكر أنني في مدينة نيويورك، والمدينة كلها نائمة في الليل إلا شارع برودواي، ويدب ألفونسو بقدميه فوق خشبة المسرح وهو يرقص، وصوته يردد مع الإيقاع: «لا تنسوا الشارع 127، أحد شوارع هارلم.»

وتظل الموسيقى في أذني حتى أعود إلى غرفة نومي في بيتي على الضفة الأخرى من نهر هدسون، موسيقى الفنان «شتراوس» مع صوت «ألفونسو ربيرو»، وألحان الجاز الزنجية تنطلق من شوارع هارلم عام 1965 حين كنت طالبة شابة في جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك. (2) زيارة امرأة ترتدي الحجاب

إحدى الدعوات النسائية في شهر مارس جاءتني من جماعة من المسلمين يعيشون في نيويورك ونيوجرسي، يزيد عدد المسلمين فيهما عن مليون ونصف شخص، حملت الدعوة إلى بيتي شابة سوداء تلف رأسها بحجاب تقول عنه «الحجاب الإسلامي»، وحين نظرت إلى شعري غير المغطى بحجاب قلت لها: اسمعي يا عزيزة (اسمها عزيزة أيضا) لقد تخرج المرحوم والدي من الأزهر ودار العلوم، وكان له ستة من البنات لم يطلب من واحدة منهن ارتداء الحجاب، وأرسلنا جميعا إلى الجامعات حيث جلسنا إلى جوار الرجال نتلقى العلم والطب والفن والأدب.

هذه الشابة في الخامسة والعشرين من عمرها، طالبة بجامعة نيويورك تعد لنيل درجة الدكتوراه في الدين الإسلامي، ولدت في حي هارلم حيث هاجر جدودها السود من الجنوب طلبا للرزق، اعتنقوا الإسلام حين انتشر الإسلام بين المهاجرين في هارلم وبروكلين وغيرهما من أحياء نيويورك الفقيرة، شابة طويلة القامة نحيلة الجسم، شاحبة اللون قليلا، لكن عيناها السوداوان الواسعتان تشعان بضوء الحماس النابع من الإيمان بقوة في السماء.

جاءت عزيزة تدعوني لإلقاء كلمة في عيد المرأة العالمي 8 مارس، وقالت لي إنها «فيمنيست مسلمة»، تؤمن بتحرير المرأة حسب الشريعة الإسلامية، وطلبت منها أن توضح لي علاقة الإسلام بحجاب المرأة، إلا أنها عجزت عن ذلك تماما، ثم قالت: أنا أرتدي الحجاب لتأكيد الهوية أكثر من تأكيد الدين، ودار الحوار بيننا عن معنى «الهوية»، وأخيرا سألتني عزيزة: «وما هي هويتك يا دكتر الساداوي؟» قلت لها: هويتي ليست أحادية؛ بل هي متعددة الجوانب، إذ تجري في عروقي دماء مصرية وأفريقية وآسيوية وتركية وقبطية وحبشية وإسلامية وبوذية من أجدادي الهنود، إن دمائي مختلطة يا ابنتي عزيزة، وأنا لا أؤمن بالدماء النقية على غرار الفلسفة النازية حيث آمن هتلر بنقاء الدم الألماني، وهي فكرة عنصرية تسري على نقاء الدم بمثل ما تسري على نقاء الحضارة، فلا توجد حضارة نقية لم تخصبها حضارات أخرى من الشرق والغرب والشمال والجنوب والسود والبيض والصفر والحمر، وكل الأشكال والألوان والأديان، المفروض يا عزيزتي عزيزة ألا نبالغ من الفروق بين البشر على أساس الدين أو الجنس أو الجنسية أو العرق أو اللون تحت أي اسم أو شعار وإن كان «الهوية».

إلا أن الشابة الأمريكية المسلمة «عزيزة» لم تستوعب كلامي، كانت ترمقني باتساع الدهشة في عينيها وتهز رأسها في عجب، لقد نشأت «عزيزة» في أسرة أمريكية لا تعرف اللغة العربية ولا تفهم الإسلام كما فهمه أبي الأزهري الدرعمي (نسبة إلى دار العلوم)، وهي تنتفض حماسا وهي تقول لي: «سوف يكون القرن الواحد والعشرون هو قرن الإسلام رغم أنف جورج بوش، الذي يصور الإسلام على أنه دين الإرهاب، ويحاول القضاء على ديننا الحنيف لتنتصر المسيحية.» قلت لها: لا يا ابنتي عزيزة، إن جورج بوش (الابن) لا يحاول القضاء على الإسلام؛ بل إنه يدعم كثيرا من الحكومات الإسلامية التي تقف معه في حربه ضد الإرهاب، وهو يشجع النعرات المسيحية والإسلامية واليهودية أيضا، ويزيد من الأموال الممنوحة للمدارس الدينية في أمريكا، سواء كانت مسيحية أو إسلامية أو يهودية.

وملأت عينيها الدهشة أكثر وأكثر، وقالت: كيف هذا؟ ولماذا يدعم جورج بوش الإسلام؟ من مصلحة جورج بوش أن يقضي على الإسلام، أليس كذلك يا دكتر الساداوي؟! قلت لها: ليس من مصلحة جورج بوش أن يقضي على الإسلام، أو حتى إضعافه، أو التشكيك فيه؛ لأن التشكيك في دين واحد يتبعه التشكيك في الأديان الأخرى، خاصة المسيحية التي يدعمها جورج بوش، ويستخدمها كأداة للسيطرة على الشعب الأمريكي، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر وضرب مركز التجارة الدولي في نيويورك والبنتاجون في واشنطن.

دار الحوار طويلا، ثم أخرجت عزيزة من حقيبتها دعوة لي لأتحدث في 8 مارس عن المرأة والإسلام، لكني كنت قد ارتبطت قبل ذلك بدعوى أخرى للتحدث في البرلمان الأوروبي في بروكسل عن «مستقبل النساء في القرن الواحد والعشرين»، وقد دعيت للحديث معي نساء من أفغانستان وفلسطين وتونس وغيرها من البلاد، سررت لأن هؤلاء النساء خاصة المرأة الفلسطينية، استطعن الربط بين قضية تحرير النساء وقضية تحرير الأرض من الاحتلال الأجنبي، وهل يمكن أن يتحرر نصف المجتمع (من النساء أو الرجال) في بلد محتل بالجيوش الأجنبية الإسرائيلية أو الأمريكية أو غيرها؟

أما المرأة الأفغانية فقد كشفت عن الترابط بين الاحتلال العسكري الأمريكي لبلدها والاحتلال الثقافي والفكري والتعليمي، لقد صرفت الولايات المتحدة (تحت اسم المعونة التعليمية لأفغانستان) 51 مليون دولار من عام 1984 حتى عام 1994، ووزعت أكثر من أربعة ملايين كتاب مدرسي على التلاميذ، وملايين من الكتب الأخرى المليئة بالآيات القرآنية والتفسيرات الخاطئة لهذه الآيات، من أجل تشجيع الأطفال والشباب الأفغاني على قتل الكفار (الاتحاد السوفياتي) وغيرهم من الشيوعيين الملاحدة، لقد سعت الحكومة الأمريكية عن طريق هذه المعونات الثقافية لتشجيع القتل والتعصب على حساب الدين الإسلامي، واليوم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانتصار الجيش الأمريكي في أفغانستان على نظام الطالبان وخلايا القاعدة والمجاهدين الإسلاميين بقيادة أسامة بن لادن، بدأت حكومة الولايات المتحدة نفسها تمسح من الكتب ذاتها التي شحنتها إلى كابول، بدأت تمسح منها جميع الآيات أو التفسيرات التي تحض على الحرب والجهاد في سبيل الله، وتضع مكانها آيات أخرى تحض على المحبة والسلام.

अज्ञात पृष्ठ