أما العشيقة «فلة» فهي على علاقة أيضا بكوميسار الشرطة في الجزائر، إنه صديقها من «النوع السريري» بلغتهم التهكمية على المرأة التي ترعاهم كالأم، مع ذلك يلجئون إليها لتتوسط لدى الكوميسار لحمايتهم من الشرطة.
هذه المرأة الساقطة في نظرهم تمنحهم الحب والحنان، تعرض نفسها للخطر والموت من أجل إنقاذ حياتهم، أما هم فلا يبذلون أي جهد لحمايتها، بل يضحون بها مثل كبش الفداء من أجل إنقاذ أنفسهم، ويقولون عنها امرأة سرير ساقطة مرذولة تمارس الجنس، معهم ومع رجال الشرطة، بعضهم يتشكك في كونها جاسوسة وربما تفشي أسرارهم إن سألها الكوميسار عن علاقتها بهم.
يخاطب هؤلاء الرجال بعضهم البعض بكلمة يا حلوف، ربما يعرفون بعضهم البعض أكثر مما تظهره الرواية، أما الفتاة الطفلة الملائكية حبيبة بطل الرواية، فهي تقدم له الحب والجنس واللذة في سرير الحب النظيف، وهي الطعم في السنارة الذي يأكله السمك، هي تقع في المصيدة لأنها أحبت مهدي جواد بصدق وإخلاص، يطاردها رجال أسرتها حتى تشهر السكين في وجه عمها، تدافع عن مهدي جواد حتى آخر نفس، مع ذلك لا تحظى آسيا الأخضر بما يحظى به صديقه مهيار من الاحترام أو الصداقة أو حتى الحب، هو يراها مجرد أداة لتفريغ ما هو زائد عن الجسد، وسيلة لنسيان الهزيمة والإحباط والقمع السياسي، وهي تراه إنسانا كاملا عاقلا شريفا مناضلا وطنيا، يختلف عن الرجال الشرقيين.
كلمة «الشرقيين» هنا تعبر عن رؤية مهدي جواد للشرق، كأنما الشرق هو المسئول عن تخلف الرجال، وليس النظام الطبقي الأبوي الذي يحكم الشرق والغرب على حد سواء يعجز خيال الرجل عن إدراك حقيقة الظلم في الشرق والغرب، يقع في هذه الثنائية الباطلة التي تقسم العالم إلى شرق وغرب، وتجعل الغرب أعلى مكانة من الشرق لمجرد أنه غرب، بمثل ما تجعل الرجل أعلى مكانة من المرأة لمجرد أنه ذكر.
رغم ما يعلنه بطل الرواية أنه غير مؤمن بالمقدسات الموروثة، إلا أنه في الحقيقة مؤمن بها فيما يخص العلاقة بين الرجال والنصف الآخر من المجتمع وهن النساء، إنه يؤمن بالثنائيات الباطلة، ويعجز خياله عن إدراك التناقضات فيها.
أخطر ما في الرواية أنها تؤكد الازدواجية الأخلاقية، والنظرة الدونية لنصف البشرية من النساء، هذه الرواية تبتر الخيال أكثر مما تبتر إنسانية المرأة، وإذا كان الخيال الأدبي مبتورا أصبح المستقبل مبتورا يمشي على ساق واحدة، وينظر إلى الأمور بعين واحدة هي عين الذكر.
القاهرة 2000
4 قصائد صغيرة
(1) ذاكرة النسيان
كم اتسعت المسافة بيننا وبين نفسنا.
अज्ञात पृष्ठ