203

काशिफ अमीन

الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين

والأين والحيث والبين كلها سمات المكان، [ ولا ] يجوز أن يوصف بشيء من الجوارح والأعضاء مثل [ الوجه، ] فلا يطلق عليه تعالى بمعنى الجارحة،[ و]كذلك [ لا ] يجوز عليه تعالى [ الجنب، ولا اليدين ] لأن ذلك كله يستلزم الحدوث، فما ورد في القرآن فالمراد به خلاف ذلك كما سيأتي تحقيقه [ لم تقطعه بعد ولم تسبقه قبل ] لأن قبل وبعد من ظروف الزمان المضافة، فقبل تفيد بصريحها حدوث ما أضيفت إليه، وبعد تفيد انقطاع ما أضيفت إليه، فلا مدخل لهما في القديم الدائم لاستلزامهما خروجه عن القدم ودوام البقاء تعالى الله عن ذلك [ ولم تجزئه بعض، ولا كل جمعه، ] لأن التجزئة بالبعضية ونحوها، وكذلك الجمع بكل ونحوها من توابع الأجسام فلا يصح عليه تعالى شيء من ذلك، ولكونه عز وجل [ ليس ] بجسم ولا عرض ولا جوهر لا يصح أن يقال هو [ في الأرض ولا ] هو [ في السماء، ] لأنهما محدثان كما مر وهو تعالى قبل أن يحدثهما بلا مكان [ ولا حل في متحيز أصلا، ] إذ لو فرض أنه في الأرض أو في السماء أو في أي متحيز من عرش أو كرسي أو غير ذلك من الأماكن لقيل: أين كان قبل أن يخلق ذلك الحيز والمكان ؟ فيلزم أحد محالين: إما أن يكون في محل غير ذلك فيلزم الانتقال ويعود السؤال ويتسلسل، وإما أن يكون ذلك المحل قديما معه تعالى فهو محال لأنه قد ثبت أن الله تعالى خالق كل شيء، ولأن ما جعل أحد القديمين ظرفا وللآخر مظروفا بأولى من العكس، فيلزم افتقارهما إلى ثالث جعل هذا ظرفا وهذا مظروفا وكل ذلك محال، فلا يصح القول بشيء من ذلك، وما ورد من نحو قوله تعالى: {الرحمان على العرش استوى} [طه:5]، فليس المراد الكون فيه بل له وجه ومعنى صحيح خلاف ذلك كما سيأتي، ولانتفاء المكان في حقه تعالى ينتفي كل شيء مما يتفرع عليه من التحديد بالجهات الست، [ ولا ] يصح أن يقال [ حده فوق ولا تحت، ولا يمين، ولا شمال، ولا خلف، ولا أمام، ] لأنه لو حد بإحدى هذه الجهات لزم تناهيه في الجسمية وتحديده وتخصيصه بتلك الجهة وخلوه عما عداها من سائر الجهات فيلزم فاعلا فعله كذلك، تعالى الله عما هنالك، [ و] كذلك [ لا يجوز عليه ] تعالى [ المجيء ولا الذهاب، ولا الهبوط ولا الصعود. ] لأن ذلك كله متفرع على الجسمية المعلوم حدوثها وهو تعالى قديم، ولأنه قد ثبت أنه تعالى [ كان قبل خلق العالم ولا مكان، ويكون بعد فناء العالم ولا مكان، ] فيلزم أن يكون حال وجود العالم بلا مكان [ وهو خالق المكان مستغن عن المكان، وخالق الزمان فلم يتقدمه زمان، ] بل هو سبحانه المتقدم على الزمان تقدما لا ابتداء له.

وقد اختلف في ماهية الزمان وهويته فقيل هو حركة الفلك. وليس بسديد لأن حركة الفلك حدث واقع في الزمان، وقيل: إنه أمر عدمي لا وجود له في الخارج وإنما هو أمر اعتباري بين وجود الموجودات بالنسبة إلى القبلية والبعدية. وليس بسديد أيضا لأنا نعلم مرور السنين والأعوام وتعددها وانقسامها إلى الفصول والأشهر والأيام والليالي، ومن البعيد أن تكون هذه أقسام لأمر عدمي، والأظهر أن يقال: هو نفس الأحيان والأوقات المتجددة بحدوث الكائنات فيها، وفيه أن الأحيان والأوقات بعض الزمان ومهما لم يعرف لم تعرف، وفيه أيضا أي الزمان نفسه إشكال من حيث أن الذوات محصورة بقولهم: الشيء لا يخلو أن يكون موجودا أو معدوما، والموجود إما قديم أو محدث، والمحدث إما أن يشغل الحيز عند حدوثه فهو الجسم أو لا يشغله فهو العرض، والمتحيز إما أن ينقسم أو لا، الثاني الجوهر، فينظر في أي الأقسام الثلاثة التي هي: الجسم والجوهر والعرض يدخل بل من المعلوم أنه ليس بأحدها.

पृष्ठ 228