يظنه قبر رجل صالح ويكون فيه قبر كافر أو منافق، وتارة يعلم أنه كافر أو منافق ويذهب إليه، كما يذهب قوم إلى كنيستهم أو إلى مواضع يقال لهم إنها تقبل النذر، فهذا يقع فيه عامتهم، وأما الأول فيقع فيه خاصتهم، حتى أن بعض أصحابنا المباشرين لقضاء القضاة لما بلغه أني أنهى عن ذلك صار عنده من ذلك شبهة ووسواس، لما يعتقده من الحق فيما أذكره، ولما عنده من المعارضة، لذلك قال لبعض أصحابنا سرا: أنا جربت إجابة الدعاء عند قبر بالقرافة، فقال له ذلك الرجل: فأنا أذهب معك إليه لنعرف قبر من هو، فذهبا إليه، فوجدا مكتوبا عليه (قبر علي)، فعرفوا أنه إما رافضي وإما إسماعيلي. وكان بالبلد جماعة كثيرون يظنون في العبيديين أنهم أولياء الله الصالحون، فلما ذكرت لهم أن هؤلاء كانوا منافقين زنادقة، وخيار من فيهم الرافضة، جعلوا يتعجبون ويقولون: نحن نذهب بالفرس التي فيها مغل إلى قبورهم فتشفى عند قبورهم. فقلت لهم: هذا من أعظم الأدلة على كفرهم، وطلبت طائفة من سياس الخيل فقلت: أنتم بالشام ومصر إذا أصاب الخيل المغل أين تذهبون بها؟ فقالوا في الشام نذهب بها إلى قبور اليهود والنصارى، وإذا كنا بأرض الشمال نذهب بها إلى القبور التي ببلاد الإسماعيلية كالعليقة والمنيعة ونحوهما. وأما في مصر فنذهب بها إلى دير هنا للنصارى، ونذهب إلى قبور هؤلاء الأشراف - وهم يظنون أن العبيديين أشراف لما أظهروا أنهم من أهل البيت - فقلت: هل تذهبون بها إلى قبور صالحي المسلمين مثل الليث بن سعد والشافعي وابن القاسم ونفيسة وغير هؤلاء؟ فقالوا: لا. فقلت لأولئك: اسمعوا، إنما يذهبون بها إلى قبور الكفار والمنافقين، وبينت لهم سبب ذلك فقلت: لأن هؤلاء يعذبون في قبورهم والبهائم تسمع أصواتهم، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح، فإذا سمعت ذلك فزعت فبسبب الرعب الذي يحصل لها فتنحل بطونها فتروث، فإن الفزع يقتضي الإسهال. فتعجبوا من ذلك. وهذا المعنى كثيرا ما كنت أذكره للناس ولم أن أحدا قاله، ثم وجدته قد ذكره بعض العلماء. والمقصود هنا أن كثيرا من الناس يعظم قبر من يكون في الباطن كافرا أو منافقا، ويكون هذا عنده والرسول من جنس واحد، لاعتقاده أن الميت يقضي حاجته إذا كان رجلا صالحا، وكلا هذين عنده من جنس من يستغيث به. وكم
1 / 360