فعبدوهم. وتعظيم الصالحين إنما هو باتباع الصالحين واتباع ما دعوا إليه دون اتخاذ قبورهم أعيادا وأوثانا، فأعرضوا عن المشروع واشتغلوا بالبدع. ومن أصغى إلى كلام الله وتفهمه أغناه عن البدع والآراء، ومن بعد عنه فلا بد أن يتعوض عنه بما لا ينفعه، كما أن عمر قلبه بمحبة الله وخشيته والتوكل عليه أغناه عن محبة غيره وخشيته والتوكل عليه، والمعرض عن محبة الله عبد الصور شاء أم أبى. وهذه الأمور المبتدعة عند القبور أنواع: أبعدها عن الشرع أن يسأل الميت خاصة كما يفعله الكثير، وهؤلاء من جنس عباد الأصنام، ولهذا قد يتمثل لهم الشيطان في صورة الميت كما يتمثل لعباد الأصنام، وهذا يحصل للمشركين وأهل الكتاب وكذلك السجود للقبر وتقبيله والتمسح به. والنوع الثاني أن يسأل الله به، وهذا يفعله كثير من المتأخرين، وهو بدعة إجماعا. والنوع الثالث أن يظن أن الدعاء عنده مستجاب، وأنه أفضل من الدعاء في المسجد، فيقصد القبر لذلك، فهذا أيضا من المنكرات إجماعا، وما علمت فيه نزاعا بين أئمة الدين، وإن كان كثير من المتأخرين يفعله. وبالجملة فأكثر أهل الأرض مفتونون بعبادة الأوثان، ولم يتخلص منها إلا الحنفاء أتباع ملة إبراهيم، وعبادتها في الأرض من قبل نوح ﵇، وهياكلها ووقوفها وسدنتها وحجابها والكتب المصنفة في عبادتها طبق الأرض. قال إمام الحنفاء ﵇: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ، رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ﴾ . وكفى في معرفة أنهم أكثر أهل الأرض ما صح عن النبي ﷺ أن بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، وقد قال الله تعالى: ﴿فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا﴾ وقال: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾، وقال: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾، وقال: ﴿وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ﴾ . ولو لم تكن الفتنة بعبادة الأصنام عظيمة لما أقدم عبادها على بذل نفوسهم وأموالهم وأبنائهم دونها، وهم يشاهدون مصارع إخوانهم وما حل بهم ولا يزيدهم ذلك إلا حبا لها وتعظيما، ويوصي بعضهم بعضا بالصبر عليها. والله أعلم.
1 / 351