يشبه بيت المخلوق بيت الخالق. كل هذا لتحقيق التوحيد الذي هو أصل الدين ورأسه الذي لا يقبل الله عملا إلا به ويغفر لصاحبه ولا يغفر لمن تركه كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ ولهذا كانت كلمة التوحيد أفضل الكلام وأعظمه، فأعظم آية في القرآن آية الكرسي ﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ وقال ﷺ: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" والإله هو الذي يألهه القلب عبادة واستعانة ورجاء له وخشية وإجلالا. انتهى كلامه. فتأمل أول الكلام وآخره، وتأمل كلامه فيمن دعا نبيا أو وليا مثل أن يقول: يا سيدي فلان أغثني ونحوه، أنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل، تجده صريحا في تكفير أهل الشرك وقتلهم بعد الاستتابة وإقامة الحجة عليهم، وأن من غلا في نبي أو رجل صالح وجعل فيه نوعا من الإلهية فقد اتخذه إلها مع الله، لأن الإله هو المألوه الذي يألهه القلب أي يقصده بالعبادة والخشية والإجلال والتعظيم، وإن زعم أنه لايريد إلا الشفاعة والتقرب عند الله، لأنه بين أن هذا هو مطلوب المشركين الأولين، واستدل على ذلك بالآيات الصريحات القاطعات. والله أعلم. وقال رحمه الله تعالى في كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم): وكانت الطواغيت الكبار التي تشد لها الرحال ثلاثة: اللات، والعزى، ومناة الثالثة الأخرى. وكل واحد منها لمصر من أمصار العرب، فكانت لأهل الطائف ذكروا أنه في الأصل رجل صالح يلت السويق للحاج فلما مات عكفوا عن قبره. وأما العزى فكانت لأهل مكة قريبا من عرفات، وكانت هناك شجرة يذبحون عندها ويدعون. وأما مناة فكانت لأهل المدينة، وكانت حذو قديد من ناحية الساحل. ومن أراد أن يعرف كيف كانت أحوال المشركين في عبادة أوثانهم ويعرف حقيقة الشرك الذي ذمه الله تعالى وأنواعه حتى يتبين له تأويل القرآن فلينظر إلى سيرة النبي ﷺ وأحوال العرب في زمانه وما ذكره الأزرقي في أخبار مكة وغيره من العلماء، ولما كان للمشركين شجرة يعقلون عليهم أسلحتهم ويسمونها ذات أنواط قال بعض الناس: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات
1 / 338