الفصل الخامس
الصفات القومية
(1) الإنجليز «ما الإنكليز إلا تجار، كل مجدهم في ثروتهم.» «انظر إلى الإنجليز، إنهم غلبونا، ولكنهم أدنى من أن يطاولونا.» «أرى أن نسبة عدد أشراف الرجال من إنجلترا تفوق مثلها في أي قطر من أقطار العالم، ولكن فيها من هم شر العباد. فهم في ذلك على طرفى نقيض.» «لا ينبغي أن تذكر اسم الثورة للإنجليزي؛ لأنها تخيف الناس في بلاده، حيث لم يبق لحزب الشعب حياة. على أن النار لم تنطفئ بعد؛ لكثرة ما فيها من الشرار.» (2) فرنسا والفرنسيون «صغائر الأمور في فرنسا عظيمة، ولا قيمة للعقل فيها.» «الرأي في فرنسا هو الكل في الكل، ولكنه يدور حول الصغائر.» «لا تعرف الأمة الفرنسية كيف تحتمل المصايب. هذه الأمة التي بذت الأمم جميعها شجاعة وذكاء لا تعرف الثبات في شيء إلا في أن تهب إلى مواقع القتال. والهزيمة تفسد أخلاقهم.» «ليس في الأمة الفرنسية ذاتها من صفة إلا وهي متحولة زائلة. كل ما تفعله إنما هو للعاجل من المطالب وطوعا لهوى النفس وأوهامها، وليس فيما يفعلون شيء يراد به الدوام والاستمرار. ذلك دأبنا تؤيده أخلاقنا في فرنسا؛ يقضي الإنسان حياته يبرم وينقض ولا يبقى من عمله بعد ذلك شيء.» «الفرنسيون قوم يعشقون الفخر الكاذب، يحبون العجب أكثر من حبهم للخبز.» «الفرنسيون أرقى العالم عقلا.» «لقد كنت أحلم كثيرا بأمور عظيمة أريدها لفرنسا، ولكن الدهر عكس آمالي. قد كان اتحادهم لازما، ولكنهم أبوني!
آه! لو أنني حكمت فرنسا أربعين سنة لجعلتها أعظم سلطنة في العالم.» «وددت لو أن لقب فرنسي كان أعظم شيء يرغب فيه على سطح هذه الكرة، ووددت لو أن يسمى الشعب الفرنسي بحق «بالأمة العظيمة»، وأن يكون مثالا للرشد وجلال العقل.» (3) البولانديون «إني أحب أهل بولاندا؛ لأن حماستهم تلذ لي. وإني لأتمنى أن أجعلهم أمة مستقلة، ولكن لا أرى السبيل لذلك هينا؛ فلقد تناهبتها أمم كثيرة: فالروس من جهة، والنمساويون من جهة، والألمان من جهة، تقسموها كأنما هي كعكة في أيديهم، فضلا عن أنه إذا أشعل عود الثقاب فلا يدرى أين تنتهي النار. إن أول ما علي من الواجبات إنما هو لفرنسا، ولا ينبغي لي أن أضحي بمصلحتها في سبيل مصلحة بولندا ... فلنكل الأمر إذن للدهر ؛ فهو مصرف الأمور والحاكم الأعلى، وكفيل أن يهدينا إلى صراط العمل.» (4) الروسيا «إن الروسيا سائرة في سبيل تحصيل المجد الذي لا يدانى بعد إذ ذهبت فرنسا وتحطم ميزان القوة بين الدول.» «الروسيا سائرة في سبيل التغلب على العالم. إن المتبع سير الحوادث يستطيع أن يبصر غايتها. إن التقدم الذي أمعنت فيه منذ عهد بول الأول تقدم يملك النفس من العجب.» «يحسن بالروسيا أن تتحد دائما مع فرنسا.» «بلاد الروسيا في موقع يساعدها على امتلاك العالم.»
الفصل السادس
سياسيات
«الحكومة! قد كنت أنا الحكومة.» «من ذا يتبوأ مكان الله في الأرض إلا الشارعون!»
وقال في خطاب ألقاه على حكومة المديرين بعد عودته من الحملة الإيطالية سنة 1797: «لكي يمكن الحصول على دستور مؤسس على قواعد العقل يجب أن تمحى اعتسافات ثمانية عشر قرنا سلفت.» «لا تخطى العقبات ولا تبلغ الغايات، إلا بالعقل والحكمة وحصافة الرأي.» «إن السياسة الحكمية هي في الاعتماد على التدبير والحكمة في معالجة الأمور، فإن نحن جعلناها أساسا لأعمالنا حفظنا لأنفسنا لقب «الأمة العظيمة» الذي استبحناه، ولبقي لنا مجلس الحكم في أوربا.» «كان كل همي أن أحقق مبدئي وهو: «كل شيء للشعب الفرنسي».» «كل ما أريده، وما أرغب فيه، وما أشتهيه، وكل جهدي، هو في أن يبقى اسمي مقترنا باسم فرنسا.» «لا ينبغي أن تحكم الظروف السياسية، بل يجدر أن تحكم السياسة هذه الظروف.» «يجب أن يكون نظام الحكومة طبقا لروح الأمة.» «تسير الحكومات بالحكمة والسياسة لا بالضعف ولا الخشونة.» «إن أخذ الأمر بالوسيلة الناقضة مفسد هذا الأمر وجاعل الغلبة على العدو مستحيلة. إن السياسة والشعور لا يتفقان.» «يجب أن تكون شريعة الحكومة وعملها سواء مع الناس جميعا، ويجب أن تمنح الرتب والألقاب لمن كان في أعين الناس جميعا مستحقا لهذه الألقاب.» «إن سياستي هي في أن أحكم الرجال كما يحب أكثر هؤلاء أن يحكموا.» «لا ينبغي لأمة أن تفعل شيئا ينافي شرعه الفضيلة؛ فإنها إذا لم تفعل ذلك كانت جديرة أن تفنى.» «طبقة الأرستوقراطية أو الأشراف هي عماد الملوكية، والحكومة بغيرها كالسفينة بلا دفة، أو كالمنطاد في الهواء. على أن الأرستوقراطية الحقيقية هي ما كان فرعها قديما؛ فإن لها من هذا القدم قوة وسحرا، وذلك ما لم أستطع أن أحدثه في فرنسا. أما الديموقراطية الصحيحة فلن تستطيع أن تطمع إلى شيء فوق البلوغ إلى المعالي أسوة بسواها، والسياسة الحكيمة في هذا الزمان إنما هي في استخدام بقايا الأرستوقراطية باسم الديموقراطية وروحها. على أنه كان ضروريا أن نستفيد من الأسماء التاريخية القديمة. هذا هو السبيل الوحيدة التي استطعنا بها أن نرمي نور القديم على الجديد.
إن فكرتي في هذا الصدد كانت قد تأسست، ولكن لم يكن عندي متسع من الوقت لإبرازها؛ كانت هكذا: كل من جاء من نسل مارشال أو وزير له حق أن تسميه الحكومة «دوق» إذا أثبت أنه يمتلك الثروة الواجبة، وكل من كان من نسل قائد أو مدير من حكام الإقليم يسمى «كونت» إذا أثبت هذا أيضا أنه ذو ثروة مناسبة.
لقد كانت هذه الطريقة ترقي فريقا من الناس وتحيي آمال فريق وتحدث التباري بين الناس دون أن يكون من ورائها مضرة لأحد.» «الأمم القديمة المفسدة لا يمكن أن تحكم بنفس المبادئ التي تحكم بها أمة طاهرة ذات فضيلة، فإذا وجد من يضحي بنفسه في هذه الأيام في سبيل المصلحة العامة وجد ألوف وملايين لا تحكمهم إلا مصالحهم الخاصة وصلفهم ومسراتهم، وعندي أن محاولة إصلاح مثل هذه الأمة في يوم واحد ضرب من ضروب الجنون. وحقيقة ذكاء العامل تنحصر في استعمال المواد التي بين أيديه استعمالا يخرجها به إلى المنفعة الحقيقية، ويستخرج به الخير من العناصر، وإن بدت في أول أمرها دون ما يستطيع. هنا سر خلق الألقاب والأوسمة. على أن هذه اللعب يصحبها في العادة قليل من النصب، ولكنها مفيدة على كل حال؛ فهي في الحالة المدنية التي نحن فيها إنما تستدعي احترام الجمهور، كما أنها في ذاتها تحدث في صاحبها نوعا من الاحترام الذاتي. إن هذه الأوسمة والرتب ترضي الضعيف في صلفه دون أن يتأذى منها القوي.» «كيف يدعي إنسان أن هذه الأسماء الفارغة والألقاب التي تعطى خدمة لمبدأ سياسي تغير من علاقة الشخص بأحد أقاربه أو أصحابه؟!» «لم يبق ممن يفعل الخير ويؤدي واجبه إلا جنودي المساكين وضباطهم الذين ليسوا من الأمراء ولا الدوقات ولا الكونتات. إنه قول مر ولكنه صدق. أبعدوا عني أولئك السادة الأشراف، أشراف إلى فراشهم ينامون عليها وإلى قصورهم يمرحون فيها؛ فإني سئمتهم ووجب الخلاص منهم. إني أريد أن أبتدئ الحرب من جديد بفتية ملأ الشباب قلوبهم بأسا وأفئدتهم شجاعة.» (1) فوز المدنية «الرذيلة فردية دائما، ولا تكون في المجموع إلا نادرا. انظر إلى يوسف وإخوته، فإنهم لم يستطيعوا جمع أمرهم على أن يقتلوه. وانظر إلى «جودا» المرائي الشرير، فقد خان سيده. قال أحد الفلاسفة إن الإنسان ولد شريرا. وعندي أنه يصعب على المرء أن يحاول التثبت من صحة هذا القول، ولكن لا شك في أن أكثر أفراد المجتمع ليسوا أشرارا؛ لأنه إذا كانت الأغلبية منهم من الجناه الذين لا يرعون حرمة القوانين لم يبق من الناس من له القوة على ردعهم. وفي ذلك نصرة المدنية؛ لأن هذه النتيجة المرضية لم تنشأ إلا في تربتها، ولم تترب إلا على فضلها.» «العاطفة - إن حققت - أمر وراثي، وإنما نتبينها لأننا رأيناها فيمن تقدمونا، وكذلك ينشأ العقل الإنساني وتنمو المدارك. وفيها مفتاح هذا النظام الاجتماعي وسر الشارع، فأما الذين يريدون أن يحكموا الشعوب لمصلحتهم الذاتية فأولئك يعملون على أن تبقى في جهالة؛ لأنهم كلما زادوا استنارة زادوا يقينا بفضل القوانين وضرورة المحافظة عليها، وهنالك يسير المجتمع ثابتا سعيدا. هذا ولن يكون العلم في الجماعة خطرا إلا إذا كانت الحكومة معارضة للشعب ومصلحته. فهي بذلك تدفعهم إلى تلبس حالة ليست طبيعية أو تقضي للطبقات السفلى بالفناء من الحاجة. هنا يدعو العلم ذلك الشعب إلى الدفاع عن نفسه أو يسوقه إلى اقتراف الجناية.» «مصر هي البلد التي يظهر للناس أنها صاحبة أقدم مدنية، على أن الغال وألمانيا وإيطاليا ليست بعيدة عنها في ذلك بعدا كبيرا ، وأظن أن الجنس البشري جاء من الهند والصين التي كان فيها من البشر ما لا يعد، لا مصر التي لم يكن فيها إلا بضعة آلاف من السكان. كل ذلك يقودني إلى الظن بأن العالم ليس قديما جدا إذا نحن نظرنا إلى التاريخ الذي بدأ فيه ظهور الإنسان في العالم، بل أرى أن عمر العالم الإنساني لا يزيد عما جاء في الكتب المقدسة إلا ألفا أو ألفين من السنين.
अज्ञात पृष्ठ