واعلم أنه لا نزاع في تفاوت مفهوميهما لغة ، ولا في تفاوت ما يثبت بدليل قطعي كمحكم الكتاب ، وما يثبت بدليل ظني كخبر الواحد ، فإن جاحد الأول كافر ، لا الثاني ، وتارك العمل بالأول فاسق ، لا الثاني ، وإنما النزاع فيهما هل هما لفظان مترادفان منقولان من معنييهما اللغويين إلى معنى واحد هو ما يثاب على فاعله ، ويعاقب تاركه ، سواء ثبت ذلك بدليل قطعي ، أو ظني ، أو نقل كل منهما من معناه إلى معنى مخصوص ، فالفرض ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه إذا ثبت بدليل قطعي ، والواجب كذلك إذا ثبت بدليل ظني ، وهذا مجرد اصطلاح فلا معنى لاحتجاج أبي حنيفة بأن التفاوت بين الكتاب وخبر الواحد يوجب التفاوت بين مدلوليهما ، أو بأن الفرض في اللغة التقدير ، والوجوب هو السقوط ، فالفرض ما علم قطعا أنه مقدر علينا ، والواجب ما سقط علينا بطريق الظن ، فلا يكون المظنون مقدرا ، ولا المعلوم قطعي ساقطا علينا ، على أنه يقال : لو سلم ملاحظة المفهوم اللغوي فلا يسلم امتناع كون الشيء مقدرا علينا بدليل ظني ، وكونه ساقطا علينا بدليل قطعي. ألا ترى إلى قولهم : الفرض - أي المفروض المقدر علينا - في المسح هو الربع ، والله أعلم.
पृष्ठ 32