وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهي من العبد دعاء لربه أن يصلي على نبيه، ومن الله الرحمة في قول الأكثرين، وقيل: المغفرة، وقال به جماعة من السلف، وجعل الحليمي المعنى الشرعي في الصلاة راجعا إلى المعنى اللغوي من وجه آخر، فقال: ((المراد بالصلاة في اللسان التعظيم، وقيل لها ذلك لما فيها من انحناء الصلا وهو وسط الظهر؛ لأن انحناء الصغير للكبير تعظيم منه له .. .. إلى أن قال: فإذا قلت: اللهم صل على محمد فإنما تريد: اللهم عظم محمدا في الدنيا والآخرة))، وما قاله حسن، لكن لم أر في كلام أهل اللغة أن أصل الصلاة التعظيم، فكأنه فسره باللازم، وأما قوله: ((إن الصلا وسط الظهر)) فقد صدر به صاحب ((المحكم)) كلامه، ثم حكى قولا ثانيا أن الصلا ما عن يمين الذنب وعن شماله، وهذا هو الذي جزم به الجوهري، وحكى ابن سيده في الصلا قولين آخرين ثم قال: ((وسمي المصلي الذي يجيء بعد السابق في الخيل مصليا؛ لأن رأسه يلي صلا المقدم))، وهذا يؤيد ما جزم به الجوهري.
الوجه الرابع في مسائله:
الأولى: لا بد من حمل الفضل الوارد في هذا الحديث على أن المراد بالمتصف به من تقيد بالإتيان بما أمر والكف عما نهي عنه، فلا يكون من أهمل الواجبات وعمل المنكرات ولم يعمل من الأعمال الصالحة شيئا إلا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم داخلا تحت عموم هذا الفضل، فوجب تخصيص عمومه بما قيدناه.
الثانية: تقييده بيوم القيامة منه، ظاهره أن فضيلة القرب من النبي صلى الله عليه وسلم مختصة بذلك اليوم حتى لا تتناول ما بعد يوم القيامة من منازل الجنة، وهذا هو المعتمد، وفائدة القرب منه في ذلك يظهر في أمن أولئك المقربين من الكروب وتذكيرهم بإخوانهم من أهل الذنوب وغير ذلك.
الثالثة: هل ينال هذه الفضيلة من واظب عليها وأهمل سائر فضائل الأعمال غير الواجبات فيه نظر، وحكى القرطبي عن الزاهد الكبير سهل بن عبد الله التستري أنه قال: ((إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل العبادات، قال: لأن الله تولاها هو وملائكته، ثم أمر بها المؤمنين، قال: وسائر العبادات ليست كذلك)) انتهى.
पृष्ठ 40