والظاهر أنه حسبني شاكيا أو مبلغا، ربما هذا، وربما وجدني أصلح مستمعا يفضفض لي بما عنده في ليلة من لياليه الطويلة، فآثر أن يؤجل انصرافي، وكتب شيئا وهو يبتسم ويقول لي: وادي انت بتتسلى، مش بذمتك احسن م السيما؟
وتنهد وسأل المرأة: هيه، وطليقك سلط عليكي ليه؟ تروحو السيما تنيلو إيه؟ ما تتكلمي يا بت طليقك سلط عليكي ليه؟ - أصلي واخدة عليه حكم نفقة.
وكتب كلمة أو اثنتين والتفت إلي بنظرة فيها استنكار: روايات؟ سيما؟ روايات إيه اللي بيعملوها دي؟ يبلوها ويشربوا ميتها أحسن! - ليه مبتعجبكش؟ - تعجبني؟ تعجبني ازاي؟ الفيلم لازم يملا مخ الواحد، إنما إيه المسخرة والرقص اللي لا تجيب ولا تودي.
وأمسك القلم ووضع سنه على الدفتر وبدلا من أن يكتب قال لي بفتور: أنا مثلا لما قرفت من الروايات عملت مرة فيلم.
ولم تجعلني قلة حماسته أصغي إليه تماما، ولكن كلامه وقع في أذني موقعا غريبا، فقلت: عملت إيه؟ - عملت فيلم، رواية. - عملته ازاي؟ مثلت فيه واللا إيه؟! - لأ، فيلم ألفته مخصوص عشان السينمات.
وكدت أستخف بالأمر كله وأضحك؛ فقد اعتقدت أنه لا بد شاهد حادثة أو جناية من الجنايات التي تحفل بها حياته ويريد بسلامة نيته أن يجعلها فيلما، فقلت وأنا أكتم ضحكي: فيلم إيه بقى؟
فقال ببساطة ودون أن يتنحنح أو يعتدل أو يضع القلم، أو حتى يلقي بالا إلى المرأة والناس الذين عند الحاجز: كان واحد هندي جه يزور مصر، راجل غني قوي، من الجماعة اللي عندهم فلوس قد الفقر اللي عندنا، الراجل جه، وقعد في لوكاندة فخمة قوي، زي ما تقول لوكاندة مينا هاوس واللا شبت، وكان فيه جدع غلبان زي حالاتنا كده.
وانتبهت حواسي كلها فجأة.
وملت على السور كثيرا حتى لا تفوتني كلمة من كلماته.
وأقبلت امرأة تستغيث في شبه صراخ، وكانت بيضاء حلوة وحواجبها مخططة بعناية فائقة، وزمجر فيها الصول فرحات: مالك يا ولية؟ مالك؟ القيامة قامت؟ - الحق ياخويا، الحق، الواد موت امه م الضرب! - واد مين يا ولية؟ - الواد ابن جارتنا. - واحنا مالنا؟ - يوه، مش انت ياخويا النبي حارسك البوليس؟ - وهو يصح إن البوليس يدخل بين الواد وأمه؟ - يه، ولما يموتها الدلعدي ياخويا؟! - تبقى تفرج، نبقى في الحالة دي نروح نمسكه. - ويئست منه المرأة فانتحت ركنا قصيا بالعسكري الذي كان يحرسني، وراحت تهمس له بالقصة وتهمس له أكثر بحواجبها، ثم غادرت القسم والعسكري ساهم وكأنما أعجبته همسات الحواجب.
अज्ञात पृष्ठ