وانطلق أبو دومة في حماس بالغ، ومضى حمزة وراءه وهو يكاد يضحك؛ إذ من المجنون الذي يصدق أبو دومة؟! ولكن الرجل واصل سيره حتى بلغا الميدان فهز حمزة كتفيه كمن يقول لنفسه: خليك مع الكداب. واتفق مع الرجل على أن ينتظره عند نفس المكان من الجبانة الذي وجده فيه في المرة الأولى، وذهب حمزة إلى فوزية الواقفة وقبل أن يصل إليها سألته بلهفة: هيه؟ - بس يا ستي، حنام مع سعادة داود باشا في أوضة واحدة. - بلاش هزار يا حمزة، لقيت حاجة؟
ولم تصدق فوزية هي الأخرى، ومع ذلك مضت معه، وراحا يصعدان الطريق المؤدية إلى المقابر، وعند نفس الجدار وجدا هناك أبو دومة واقفا وقال له حمزة: دي مراتي يا عم اسماعين.
ولما وجد حمزة المسألة فيها اثنين انجليز قتلوا وواحد فقد عينه أضاف: دي مراتي، عندنا أربع عيال، معذبينا قوي يا عم اسماعين. - ربنا يزيد يا سي حمزة افندي، أنا لاخر الاسطى حودة ابني شفته على كبر، إنما واد يعجبك، دلوقتي حتشوفه.
وبعد خطوات قليلة كانوا أمام عش مصنوع من خليط من الحجارة البيضاء والصفيح وبراميل الزفت المفرودة، وكان القمر قد بدأ يصعد إلى السماء والنور يأخذ طريقه إلى الأرض، وبدت الأحواش والمدافن كالبيوت الصغيرة المكدسة، ولم يكن من فرق بينها وبين بيت أبو دومة إلا أنه أحقرها جميعا وأفقرها بناء، حتى ليظن الإنسان أنه قبر أقيم لتخليد ذكرى الفقير المجهول.
وكان يرقد أمام العشة البيت كلب قد وقف شعره من البرد يشبه الكلب الذي رقد مع أهل الكهف في غارهم مئات السنين، بلا طعام أو شراب، يشبهه في أنه هو الآخر يبدو وكأنه هو وأجداده أجمعون قد جاءوا الدنيا صائمين وغادروها صائمين .
وخبط أبو دومة على الباب المصنوع من الصاج وقال: يا اسطى حودة.
وخبط مرة أخرى، وفتح الباب وخرج صبي صغير لا يتعدى العاشرة يرتدي جاكتة عسكرية صفراء تصل إلى ما تحت ركبته، وقال له أبو دومة: هات يا اسطى حودة حتة سلك عشان تيجي تفتح بيه القفل.
وخرجت وراء الصبي امرأة طويلة ترتدي ثوبا أسود وطرحة سوداء، وحين سقط القمر عليها أضاء وجهها فبدا أبيض حلوا، وقالت: خير يا أبو محمود، فيه إيه؟
فأجاب أبو دومة بنفس صوته المرتفع: مافيش، أصل حمزة مضاضي الانجليز، وبينه وبين الحكومة شوية.
فهمس له حمزة: يا عم اسماعين. - أصل لا مؤاخذة يا سي حمزة، مافيش بيني وبين أم محمود سر، احنا ع الخير والشر سوا. - طب وطي حسك يا عم اسماعين.
अज्ञात पृष्ठ