وكان آخر ما رآه منها ابتسامة، وحزام معطفها المفكوك والهواء يجذبه وراءها ويعبث به.
وعاد حمزة إلى مجلسه في الخيمة ، وإلى «البرتا » وقطعة الجاز والقماش، وكان أحيانا يهز رأسه ويقول: غريبة! فيسأله الشاب الضخم: هي ايه اللي غريبة؟! فيقول حمزة تائها: ولا حاجة.
2
وفي الرابعة من اليوم التالي كان المعسكر قد دبت فيه حياة عشرة شبان يرتدون ملابس التدريب، وتهتز الأرض تحت أقدامهم وهم يروحون ويجيئون صفوفا، وبين الحين والحين تتصاعد صرخات معلمهم آمرة، وكان حمزة في قلب الخيمة ومعه الشاب الضخم ممسكا كل منهما بفأس وهو يحفر ويعمق إذا كان العمق غير كاف.
ورفع حمزة رأسه يقذف بالتراب اللين مرة فرآها، وهنا فقط تذكر أن ميعاده معها قد حان، وأحس بنوع من الفرحة وهو يرى شبحها قادما من بعيد، وانتظر حتى اقتربت فغادر قاع الخندق ومضى إليها وهو ينوء بحذائه الذي كان محملا بما لا يطيق من الطين اليابس، حتى لم يجد بدا آخر الأمر من خلعه.
وشدت فوزية على يده بنفس طريقتها القوية المتحمسة، وهي تكاد تضحك على بنطلونه الذي شمره وقميصه المزدان بنياشين لا عدد لها من الوحل وجوربه الذي تطل منه أصابع قدميه متحدية البرد والأناقة.
وأخذها بعيدا عن المعسكر، وقد وجد الطابور الصغير من الشبان يلخبط ويسهو ويتغامز خفية حين رآها.
وقبل أن يبدأ أي حديث فتحت حقيبة يدها وأخرجت منها قبضة جنيهات ناولتها له قائلة: سبعة وعشرين جنيه ونص.
ثم أضافت مبتسمة: دفعة أولى.
وأحس حمزة بفرح حقيقي، سبعة وعشرون جنيها، بندقيتين «لي إنفيلد» وكذا طلقة، وقال وهو يعيد ترتيب النقود: برافو والله.
अज्ञात पृष्ठ