وأصرت فوزية على أنها شبعانة، ولكن ما كادت وهي تتأمل حمزة وهو يقطع اللقم ويحندقها ويحملها إلى فمه بمهارة، ثم يجيد مضغها ويفعل ذلك بطريقة توحي بأنه لا يأكل وإنما يتعبد، ويتعبد بطريقة تغري بتقليده، ما كادت تنقضي بضع دقائق حتى راحت فوزية تمضغ لعابها وقد تفتحت شهيتها، وما إن أفلتت من حمزة دعوة أخيرة حتى انضمت إليه بلا توان وشاركته في الإتيان على كل ما يؤكل.
وقالت فوزية أخيرا: أنا جبت لك الجرايد، فاضية مافيهاش حاجة. - إنتي مابتنسيش حاجة أبدا، أنا مش عارف أقول ايه، على فكرة قبل ما أنسى، النهارده عندنا اجتماع الساعة تلاتة ونص هنا، خلاص حنبتدي.
وتركته فوزية ينكب على الجرائد كعادته ، وأزالت بقايا الطعام ونظفت المادة، وفوجئت بأنه انتهى منها بأسرع ما قدرته فقالت: هه، فاضية، مش كده. - ما تستهلشي الواحد يقراها، بس فيه خبر قبض على أنصار سلام يونانيين في إسكندرية. - ما لحظتش حاجة تانية؟ - زي ايه؟ - أصلي شفت حاجة كده استلفتت نظري، شوفها في صفحة الأخبار الداخلية. - وآدي الأخبار الداخلية، هيه، هيه، هيه، هيه مافيش حاجة. - أهيه ياخي، بص.
ووجد في العامود المجاور لعامود الاجتماعيات برواز فيه:
ولدي حمزة
عد إلى المنزل، وحقك علينا.
والدك المكلوم: بدير
18
كان يومها من الأيام الدافئة التي تكثر في أواخر الشتاء وتنبئ بأنه قد شاخ، وبدأت أجنة الربيع تتوالد داخله وتنمو وتهدد بقاءه، وكانت هناك شمس ساطعة تتسابق حرارتها وأشعتها في الوصول إلى الأرض ساخرة بالشتاء الكهل، غارسة أصابعها التي لا نهاية لطولها في جسده، تكتم أنفاس زوابعه وتقهر برده وتطرد من السماء سحاباته، نافذة حتى إلى الأحياء تثير فيهم الحركة بعد السكون، والأمن بعد الخوف والانطلاق بعد التقوقع، وتدفعهم مثلها إلى مقاومة شتاء طال احتماله ودنت نهايته.
وحين خرج حمزة وفوزية من الداخل إلى الحوش بهرهما الضوء الساطع، وأحسا لليوم وشمسه بمرح كمرح الأطفال في صباحية عيد.
अज्ञात पृष्ठ