وحين ينبذ الناس المنكرات فلا يكرهونها لذاتها، بل مخافة تبعتها الممقوتة؛ فقد وضح يا سقراط أن التعدي أوفر حرية ونفوذا وقوة من العدالة. وكما قلت في البداءة، إن العدالة هي مصلحة الأقوى، ولكن التعدي هو مصلحة الإنسان وفائدته الشخصية. (قال ثراسيماخس ذلك وهم بالذهاب، بعدما صب كلامه في آذاننا صبا كما يفعل خادم الحمام، بسيل منهمر من حديثه المتواصل، فلم يدعه الأصحاب يذهب، بل حملوه على البقاء للمناقشة فيما قال، وأنا نفسي ألححت عليه كثيرا، فقلت له):
س :
يا ثراسيماخس البار، أتتركنا بعدما ألقيت على مسامعنا هذا البحث الغريب قبلما تكمل تعليمنا، أو قبلما تعلم هل كلامك في محله أو لا؟ أتظن أنك تعاني أمرا طفيفا هو دون المبادئ التي عليها يشيد كل منا حياته ليبلغ أوج السعادة؟
ث :
ليس هذا هو الواقع في حسباني.
س :
هكذا يظهر وإلا فلا يهمك أمرنا، وسيان عندك أشقياء عشنا أم سعداء، ونحن نجهل ما قلت إنك تعرفه. فأرجوك يا ثراسيمخاس الصالح أن تجود علينا بأن نشاطرك تلك المعرفة، ومهما تسبغ على هذه الجماعة الغفيرة من نفع فلن يضيع لك فضل. أما أنا فأصارحك أنني لم أقتنع بصحة ما قلته، ولا أصدق أن التعدي أنفع من العدالة، ولو أطيلت يد المتعدي دونما قيد أو نظام، فعمل ما تشتهيه نفسه بلا معارض. وبالعكس يا سيدي الكريم، هب أن إنسانا تعدى فأفلح بالتعدي، إما بالتستر أو بالقوة، مع ذلك لا يمكنك أن تقنعني أن التعدي أنفع من العدالة، وربما كان بعض الحاضرين من رأيي، فأقنعنا يا صديقي الفاضل أننا مخطئون بوضعنا العدالة فوق التعدي.
ث :
وكيف أقنعكم إذا كان ما قلته آنفا لم يقنعكم؟ أفأحقن عقولكم بأدلتي حقنا؟
س :
अज्ञात पृष्ठ