जुहा दहीक मुधिक
جحا الضاحك المضحك
शैलियों
وسمعه زميل له فأدهشه أن يستعظم هذا الذنب اليسير وينحب هذا النحيب من أجل أربعة قتلهم وهم في حسابه عدد غير كبير، فقال له كأنه يؤنبه: ألم تقتل في حياتك غير أربعة يا أغا؟
قال: «لا يا صاحبي ... أربعة من الترك، أما الفلاحون فلا عداد لهم فيما أذكر!» وأشباه هذه النوادر لو أحصيت لاجتمع منها مجلدات تربو على العشرات من أمثال كتاب الفاشوش عن حكم قراقوش، وهي جميعا من تأليف أمة مشهورة من قديم الزمن «بالقفش» والنكتة السريعة، فإذا قوبلت هذه النوادر بنوادر الأمم التي لم تشتهر بالفكاهة في أوروبا الحديثة؛ ظهر من المقابلة أن الاستعداد متقارب أو متساو بين جميع الأمم، وإنما تزيد النكتة المصرية بطابع خاص بها، وهو الجمع بين التنفيس عن الحرج وبين وصف الحاكمين بالغفلة والبلاهة، وسبب هذا الفارق أيضا راجع إلى الظروف الاجتماعية، لا إلى طبيعة الضحك في النفس الإنسانية، فإن الحاكم الذي تصيبه النكتة المصرية من غير أهل البلد فلا ضير من اتهامه بالغفلة والبلاهة واعتزاز المحكومين على الحاكمين بالفطنة والدراية، ولكن هذا الاعتزاز في أوروبا الحديثة يصيب المحكومين كما يصيب الحاكمين لأنهم من عنصر واحد، فلا حاجة في النكتة هنا إلى أكثر من التنفيس عن الحرج وتمثيل الحجر على الألسنة والأقلام.
فكاهات عهود التحول
وأتم من هذه المواسم الفكاهية التي تنفس بها الأمم عن صدورها فكاهة أخرى أعم وأبقى أثرا لأنها تشمل العهود المتحولة في حضارة واسعة تحيط بأمم كثيرة، وتأتي هذه الفكاهة في أوانها حين تؤذن العهود بالتحول لتزعزع أركانها وزوال مقوماتها، فينبري لها نابغ ملهم في فن النقد الفكاهي يجسمها في «شخصية» مخترعة يجعلها هدفا للسخرية والتسخيف، أو يعمد إلى شخصية خيالية قائمة يلبسها ذلك الثوب ويودعها بقايا النفاق والتكلف والتقاليد الخاوية التي تتخلف بعد أجيال عدة في أعقاب العهود الدائلة التي آذنت شمسها بالأفول.
من هذه العهود المتحولة عهد الفتك وإشباع البطون والشهوات في القرن الخامس عشر للميلاد، وقد تصدى له الأديب الفرنسي رابليه
Rabelais (1494-1553)، فمثل ملوكه وأبطاله في شخصيتين خالدتين إحداهما شخصية جارجنتوا
Gargantua
الذي يلتهم الآدميين والأنعام نهما ولا يشبع ولا يكف عن الطعام، والأخرى شخصية بكروشول
الذي ضربت نفسه بالعدوان وهانت عليه النفس البشرية، يزهقها لقليل من المال، أو لنزوة من نزوات الساعة، أو لغير شيء غير العتو والطغيان.
وليس أدل من اصطحاب هذه المساوئ في العهود الدائلة من آيات القرآن الكريم في سورة الفجر حيث تنعى دول التبابعة والفراعنة والجبابرة جميعا في أمثال هذه العهود:
अज्ञात पृष्ठ