जुहा दहीक मुधिक
جحا الضاحك المضحك
शैलियों
وربما كان بعض ما تقدم من التعريفات مفيدا لنا في وضع جحا بموضعه من الحياة الإنسانية؛ حيث كانت في كل مجتمع وكل حقبة وكل عنصر وكل قبيل، فإن بعض هذه التعريفات يرينا أن «جحا» ليس بالغريب المجهول في بيئة من البيئات التي تضحك كما نضحك، وتستغرب من نوادر جحا وبوادره ما نستغرب، وبعض الأمثلة التي تقدمت نستطيع أن ننسبها إلى جحا، فلا تخالف في معدنها ما ينسب إليه، وهذه إحدى العلامات على سريان الضحك مسرى اللغة بين بني الإنسان، فهو كاللغة يؤدي لجميع الناس معاني مشتركة يتقاربون بها على تباعد المنازل والأجناس، وهو كاللغة يختلف بين وطن ووطن وبين جنس وجنس، كما يختلف بين قائل وقائل في مناهج التعبير بين المتكلمين بلسان واحد في أسرة واحدة.
وسنعرف «جحا» حقا حين نعرف لماذا يضحك الناس عامة بغير اختلاف، ونعرف لماذا يضحكون خاصة من شيء دون شيء، ومن إنسان دون إنسان.
وسنجد «جحا» واحدا، ولكنه «جحا» الناس أجمعين؛ لأن الناس أجمعين يضحكون منه وإن لم يظهر في غير موطن واحد أو مواطن متشابهة تحسب كالوطن الواحد؛ لأن الإنسان حيوان ضاحك حيث كان، ولعله ضحك آلاف السنين ولم يفهم بعد أسباب الضحك على جليتها، وسنرى - بعد - مقدار ما فهمه ويفهمه.
وسنضحك من بعضها وهي صحيحة أو باطلة، فنتعلم من الضحك كيف نتلقى تلكم الأسباب.
الفصل الثاني
لماذا نضحك؟
بعض الناس يحبون المتعة ولا يعنيهم لماذا يستمتعون بها، وبعضهم تتم متعته بها إذا عرف أسبابها.
قلت في الكلام عن سارة وهمام من قصة سارة: «تتسرب إلى المنزل أنباء الأصيل بالاستقراء لا بالمشاهدة في معظم الأيام، فيقرآن أو يسمعان بعض الأغاني، أو يلعبان الدومينة قليلا، وهي لعبة تحذقها سارة، ويعتقد همام أنها أصح الألعاب وأشدها مطابقة للحياة؛ فالشطرنج والضامة يعولان على الحيلة، وكل شيء فيهما مكشوف بعد ذلك، والنرد يعول على المصادفة والذكاء، وكل شيء فيه مكشوف بعد ذلك، والورق إما مصادفة وإما صراع قلما يشبه صراع الحياة ... أما الدومينة ففيها حساب للمصادفة، وفيها حساب للتدبير، وفيها حساب لليقين، وفيها حساب للظنون، وفيها حساب للغيب الذي تجهله أنت وخصمك، والغيب الذي تجهله أنت ويعرفه خصمك أو يجهله هو وتعرفه أنت، وللعيان الذي يعرفه كل من يشاء، ولها قوانين تمنعك أن تتحرك على هواك، ولها حرية تمنحك الخيار بين ما في يديك.
قالت سارة يوما، بعدما استعادته شرح فلسفة الدومينة للمرة الخامسة أو السادسة أو السابعة: أولا تستمتع بشيء إلا أن تكون له فلسفة؟
قال: لا، بل أنا أستمتع بالشيء ثم أبحث عن فلسفته، وإنني لأبحث عن فلسفته كما يجيل الشارب الكأس في جميع جوانب فمه ولهواته، كي لا يبقى جانب من النفس لا يأخذ نصيبه من متاعه، فأحسه وأعمله وأذكره وأفكر فيه وأستقصي معناه ...»
अज्ञात पृष्ठ