والطريق البحري المفتوح بحرية تامة يتعرض هو الآخر - بفعل عناصر الجو - إلى الاضطراب بدرجات متفاوتة، حسب قوة الأعاصير والرياح؛ ومن ثم فإن السفن - برغم الاستحداثات المعاصرة - تتعرض لتغيير خطوطها من آن لآخر تجنبا لخسائر لا داعي لها، وقد كانت الملاحة في البحار الشمالية معرضة لأخطار الجليد العائم
Iceberg ، لكن هذه المخاطرة قد قلت كثيرا نتيجة لاستخدام الرادار وغيره من الأجهزة التي تعين مواقع هذه الأخطار العائمة.
والطريق النهري، برغم الأمان الذي يحيط به من حيث اقتراب الضفاف النهرية، وإمكان النجاة بسرعة، إلا أنه يتعرض هو الآخر لسلطان الطبيعة، كالفيضانات العالية أو التذبذب الموسمي لمستوى ماء النهر، أو الإطماء نتيجة لكميات الطمي التي تجلبها الفيضانات المدمرة؛ مما يحتاج إلى تعديلات مستمرة في الأرصفة النهرية. (1-2) الطريق الصناعي
أما الطريق الصناعي فيشمل كل الطرق التي يصنعها الإنسان على سطح الأرض، سواء كانت طرقا برية أو حديدية أو قنوات أو الأنفاق والجسور أو الطرق المعلقة، ويضاف إلى ذلك كل وسائل النقل الخاصة الأخرى؛ مثل شبكات التيار الكهربائي، وكابلات المواصلات السلكية وأنابيب المياه والغاز والبترول.
ولا شك أن هذه الطرق الصناعية تحتاج إلى استثمارات كبيرة عند إنشائها، وإن كان عائدها الاقتصادي يغطي هذه التكاليف مرات عديدة. كما أن مثل هذه الطرق تحتاج إلى صيانة دائمة، وتعديلات مستمرة، خاصة فيما يتصل بحجم استيعابها لكثافة النقل الذي يتزايد في الوقت الحاضر بدرجة كبيرة بفضل التشابك العالمي التجاري الراهن.
وبرغم التأكيد على أن هذه الطائفة من الطرق اصطناعية، إلا أن لا يجب أن ننسى أن بعض هذه الطرق - وخاصة الطرق القديمة مثل الطرق الرومانية أو طرق الممالك القديمة، والطرق الجبلية عامة - تخضع في اتجاهها وانحناءاتها لما نعرفه باسم «مدقات الحيوان»؛ أي الطريق الذي سلكه الحيوان باستمرار؛ مما أدى إلى تكوين خط مستمر عار من النبات أو ممهد تمهيدا معقولا بفعل أقدام الحيوان التي طرقته ملايين الملايين من المرات. مثل هذه «الطرق» كانت الرائد الأصلي في توغل الإنسان خارج مناطق معرفته إلى المناطق المجهولة، وهي في الوقت نفسه طرق آمنة لأنها لا شك تؤدي إلى مصادر مياه الشرب التي يعيش عليها الحيوان والإنسان.
وفي المناطق الجبلية تقود «مدقات» الحيوانات الجبلية - أنواع من الماعز والتياتل والغزال - إلى الممرات التي تخترق السلاسل الجبلية، وبذلك وفرت هذه المدقات على الإنسان التعرف على طبوغرافية الجبال أثناء ترحاله عبرها. ونظرا لأن هذه المدقات طرق يومية للحيوان - أي ليست طرق الجري والهرب من الحيوان المفترس - فإنها يمكن أن توصف بأنها تتبع الانحدارات اليسيرة في الجبال وتتجنب الانحدارات الشديدة؛ ومن ثم فهي تتلوى كثيرا لكي تصل إلى الممرات العليا بأقل الجهد، وهذا هو ما فعله الإنسان، وما يفعله إلى الآن برغم تقدم معارفه التكنية الحالية؛ فهو يلتزم قدر المستطاع بالطرق الذلولة ويتجنب الطرق الشاقة، إلا لأغراض أخرى دفاعية أو من أجل التهريب.
وفي إثر مدقات الحيوان في السهل والجبل جاءت قوافل الناس: مشيا على الأقدام أو ركوبا في عربات الحيوان، وفي أعقابهما جاءت الطرق الحديدية والبرية الحديثة.
لكن ما تسلح به الإنسان المعاصر من مبتكرات وفنون قد جعلته في الفترة الأخيرة - منذ حوالي الثلث الثاني من هذا القرن - يبتعد بعض الشيء عن هذه الطرق شبه الطبيعية، ويحاول تقصير المسافات بتجنب الدوران الطويل في المناطق الجبلية، وذلك بشق الطرق المعروفة حاليا باسم «سربنتينا»؛ أي التلوي السريع كما يتلوى الثعبان، ولم يكن في استطاعته ذلك لولا التقدم الذي تحقق في قوة محركات السيارات والقاطرات.
كذلك تجنب الإنسان الكثير من الطرق ذات الأقواس الطويلة بواسطة إنشاء الجسور الطويلة التي تعبر الوديان الجبلية العريضة أو الوديان النهرية في السهول. وقد كان الرومان أول من أنشئوا منذ فترة طويلة نظام هذه الجسور الطويلة العالية
अज्ञात पृष्ठ